آخر الأخبار

ساعف: السياسة بالمغرب تقهقرت لـ"قسم الهواة" والباحثون "يهربون" نحو العلاقات الدولية

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

في قراءة سوسيولوجية وسياسية اتسمت بالعمق الأكاديمي، وضع المفكر والوزير السابق والأستاذ الجامعي عبد الله ساعف الحقل السياسي المغربي تحت مجهر النقد، مرصدا “انحدارا” ملموسا في أدوار السياسة ومكانتها داخل البنية المجتمعية.

واعتبر الأستاذ الفخري للعلوم السياسية بكلية الحقوق بأكدال الرباط، أن المسافة بين “عالم السياسة” وبين “الخطاب العام” يجب أن تظل قائمة بفضل “المسؤولية العلمية” التي تفرض على الأكاديمي تقديم معرفة لا تكتفي بترديد ما يقوله العموم.

وضمن الدرس الافتتاحي للموسم الجامعي 2025-2026 الموسوم بـ”علم السياسة بالمغرب، السلطة والمسؤولية الفكرية”، بدأ الأستاذ ساعف تشخيصه برصد تحول بنيوي في موقع السياسة. فبعد أن كانت السياسة هي القلب النابض للمجتمع المغربي طيلة عقود الستينيات، السبعينيات، والثمانينيات، وصولا إلى العقد الأول من القرن الحالي، يرى ساعف أنها فقدت اليوم “مركزيتها” وبدأت تنسحب نحو “الهوامش”.

وبلغة استعارية قوية، وصف مدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، هذا الوضع قائلا إن السياسة في المغرب “نزلت إلى قسم الهواة” (القسم الرابع)، في إشارة إلى تراجع نخبها، وآلياتها، وتأثيرها في صياغة الوعي الجمعي. هذا الانحدار في السياق السياسي يطرح، حسب قوله، علامة استفهام كبرى حول جدوى الاهتمام بعلم السياسة اليوم إذا لم يعد للسياسة نفسها ذلك الثقل الذي كان يحرك الجماهير والمؤسسات.

كما توقف ساعف مليا عند ظاهرة مثيرة للاهتمام، وهي “الهروب” نحو العلاقات الدولية أو المواضيع ذات الطابع التقني العالمي، مستحضرا تجربته مع الجمعية العربية للعلوم السياسية، حيث لاحظ في دول مثل مصر والعراق وسوريا، إفراطا في الاهتمام بالسياسة الخارجية (الصراع العربي الإسرائيلي، إيران، الحدود) على حساب السياسة الداخلية.

وفسر ساعف هذا التوجه بأنه “هروب من المواضيع الحساسة داخليا”، وهو ما بدأ يتسرب إلى الحقل المغربي أيضا عبر الانجذاب المفرط نحو مواضيع “عالمية” مثل (التغيرات المناخية، الرقمنة، الذكاء الاصطناعي، الطاقات المتجددة).

ورغم أهمية هذه المواضيع، إلا أن ساعف يحذر من أن تتحول إلى “حجاب” يحجب الرؤية عن الإشكاليات السياسية الداخلية الحارقة، وعن فهم التفاعلات والجدليات التي تخترق المجتمع المغربي بشكل مباشر، باعتبارها مواضيع “باردة” ومشبعة بالأرقام، قد توفر ملاذا آمنا للباحث بعيدا عن “حقل الألغام” السياسي الداخلي.

الفارق المعرفي

وفي معرض حديثه عن “المسؤولية”، عرج ساعف على العلاقة الجدلية بين عالم السياسة والمواطن العادي، مستحضرا الأدبيات الكلاسيكية لـ “ماكس فيبر”، مؤكدا أن عالم السياسة المهتم بالظاهرة السياسية لا يملك الحق في تبني نفس لغة ومضامين الشارع، مشددا على أن “الفارق المعرفي” هو الحصن الأخير للأكاديمي.

وأضاف: “يجب أن تكون هناك إضافة علمية واضحة، فهذه حياتنا وهذه مهنتنا، ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن يكون خطابنا هو نفس خطاب عموم الناس”. هذه المسؤولية ليست ترفا، بل هي التزام بتقديم أدوات تحليلية تمكن من فهم أعقد للواقع بعيدا عن السطحية.

وبأسلوب سردي ممتع، استظهر الأستاذ ساعف رسالة شهيرة لـ “نيكولا ماكيافيلي” ليبرز من خلالها “الاستثمار الذاتي” في السياسة. حكى ساعف كيف كان ماكيافيلي يقضي نهاره في تفاصيل الحياة اليومية البسيطة مع الحطابين وعامة الناس، لكنه بمجرد دخول منزله ليلاً، كان يرتدي ملابسه الرسمية (“لباس الأمراء”) ليدخل في حوار فكري مع العظماء والملوك حول قواعد الحكم.

هذه المفارقة، حسب ساعف، تعكس جوهر “عالم السياسة” الذي قد يعيش الواقع اليومي، لكنه يظل مسكونا بهاجس التنظير والبحث عن قواعد السلطة. السياسة هنا ليست مجرد مهنة، بل هي “خيار وجودي” يمنح للحياة دلالتها، وهو ما يفسر توجه جيل جديد من الشباب المتفوقين دراسيا نحو “علم السياسة” رغم تراجع مكانتها، باعتباره قرارا نابعا من مسؤولية تاريخية وذاتية.

واختتم عبد الله ساعف مداخلته برؤية استشرافية، تربط بين المعرفة والقدرة على التغيير. حيث اعتبر أن الهدف الأسمى من تطوير علم السياسة في المغرب ليس مجرد تراكم أكاديمي، بل هو “امتلاك معرفة رصينة بمجتمعنا”.

العمق المصدر: العمق
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا