في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
في فاجعة إنسانية غير مسبوقة، عاشت آسفي، على وقع فيضانات طوفانية وسيول جارفة، أسفرت عن حصيلة ثقيلة في الأرواح، وخلفت دمارا وخرابا استثنائيا، لاسيما في أحياء المدينة القديمة.
مأساة إنسانية
واد “الشعبة”، هذه المعلمة التاريخية، التي تخترق مدينة آسفي، لم تكن سوى أحد أسباب الفيضانات، التي أودت بحياة وجوه معروفة ألفها الآسفيون منذ سنوات طويلة، قبل أن يغيبها الموت فجأة.
يقول عبد الغفور، أحد شباب المدينة القديمة، الذي عاش هذه المأساة عن كثب، إن “الأمور كانت عادية في حدود الساعة الثانية والنصف ظهرا، حيث كانت الأمطار تتساقط بشكل طبيعي، بينما كانت 70 في المئة من المحلات التجارية مفتوحة”.
وأضاف عبد الغفور، الذي فقد ابن خالته في هذه الفاجعة، في حديثه مع جريدة “العمق”، أن “واد “الشعبة” الذي يعتبر أحد أسباب فيضانات المدينة، كانت حمولته عادية، إلا أنه بعد مرور ساعات من التساقطات المطرية المتواصلة تضاعفت، ثم انحرف عن مساره المعتاد”.
وأورد المتحدث ذاته، بنبرة صوت حزينة، “فجأة داهمتنا سيول جارفة قادمة من حي جنان فسيان، وأخرى من الأزقة الضيقة للمدينة، قبل أن تخترق أبواب “الشعبة”، حيث يتواجد بائعو الفخار”.
“البعض اعتقد أنها سيول عادية”، فدخل إلى محله وأغلق عليه”، يقول عبد الغفور، البالغ من العمر 33 عاما، والذي يعيش هذه المأساة لأول مرة في حياته، قبل أن يضيف “لقد عُثر على جثث متراكمة داخل محل واحد”.
ومضى يقول “السيول لم تمنح الوقت للتجار كي يغلقوا محلاتهم أو ينقذوا سلعهم من الضياع، والمحلات التجارية بالمدينة كلها تضررت، لم يعد شيئا صالحا للبيع، المشهد أشبه بـ”حلم مفزع”، موردا أن “هذا السيناريو سبق أن تكرر، لكن ليس بنفس الحدة”.
وحول أسباب هذه الفاجعة، حمل الشاب المسؤولية لمنتخبي المدينة، لاسيما فيما يخص البنية التحتية، موضحا أن “هناك منفذين لخروج مياه واد الشعبة، منفذ رئيسي محاذي لميناء آسفي كان مفتوحا، وآخر ثانوي قرب معلمة قصر البحر، جرى إغلاقه، بعد إعادة تأهيل ساحة سيدي بوذهب.
سوء تدبير واد “الشعبة”
من جهته قال عبد الإله الوثيق، رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بالمغرب، إن “الحمولة القياسية التي شهدها واد الشعبة لم تُسجل منذ سنوات طويلة”.
وأضاف الوثيق، في تصريح لجريدة “العمق”، أنه “سبق أن وقع سيناريو مماثل خلال فترة الثمانينات، غير أن المسؤولين المتعاقبين على تدبير المدينة لم يتعاملوا مع الأمر بجدية كبيرة”.
وأورد الوثيق أن “كيف لفاجعة مثل هذه سبق أن وقعت، ألا تدفع المسؤولين إلى التدخل لإيجاد حلول فعالة، تحول دون تكرار السيناريو نفسه خلال السنوات المقبلة”.
ورجح الفاعل الحقوقي بآسفي أن “الأوراش المفتوحة لإعادة تأهيل معلمة قصر البحر، قد تكون أعاقت وصول مياه مصب واد الشعبة إلى البحر، ناهيك عن ضعف البنية التحتية لقنوات التصريف”.
وفي هذا الصدد، دعا الوثيق إلى ضرورة فحص دراسات تأهيل قصر البحر، لمعرفة ما إذا تم أخذ وضع مجاري المدينة القديمة بعين الاعتبار أم لا؟، لاسيما أنها تعد آخر نقطة لمجرى الوادي”.
وحمل الناشط الحقوقي المسؤولية للمنتخبين، مشيرا إلى أنه “هناك إهمالا كبيرا في تعامل مع الوادي، الذي لا يعد مجرى مائي عادي بل نقطة سوداء في ذاكرة حاضرة المحيط”.
ومضى يقول إنه “سبق أن كان هناك تأهيل المدينة القديمة خلال إحدى الزيارات الملكية، غير أنه، ووفق تصريحات التجار والسكان هناك، لم تكن في مستوى ما قُدم أمام أنظار الملك محمد السادس”.
وفي هذا السياق، أوضح أنه “هناك مشروعا لتأهيل المدينة العتيقة، يشمل تهيئة ساحات عمومية وتأهيل أزقة سكنية ومحلات تجارية وترميم أسوار وأبراج تاريخية، إلا أنه لا يزال حبرا على ورق”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “مساهمة آسفي في النسيج الوطني لا تنعكس على التنمية المحلية”، معقبا على غياب تفاعل آني للحكومة مع هذه الفاجعة الأليمة”.
وتابع قائلا “كأن شيئا لم يقع، وكأنه لا توجد وفيات ومفقودون ومصابون، وكأن مواطنين لم خسروا تجارتهم، وآخرين أصبحوا فقراء وأيتام في رمشة عين”.
وختم رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بالمغرب حديثه بالقول إنه “يجب اعتماد إجراءات استباقية لا بعدية، مشددا على ضرورة “التعامل بعقلية مسؤولة مع الكوارث الطبيعية”.
حصيلة ثقيلة في الأرواح
وفي حصيلة محينة، أعلنت السلطات المحلية بآسفي، أن عدد ضحايا الفيضانات ارتفع إلى 37 وفاة، فيما بلغ عدد المصابين 14 شخصاً، يتلقون العلاجات الضرورية بالمستشفى الإقليمي محمد الخامس بآسفي، من بينهم شخصان يرقدان بقسم العناية المركزة، في ظل متابعة طبية دقيقة لوضعهم الصحي.
وعلى مستوى الخسائر المادية، عرفت آسفي، خاصة بالمدينة القديمة، أضرارا متعددة، تمثلت في غمر مياه الأمطار لحوالي 70 منزلا ومحلا تجاريا، خصوصا بشارع بئر أنزران وساحة أبو الذهب، فضلا عن جرف السيول نحو 10 سيارات.
كما سُجل تضرر المقطع الطرقي الرابط بين مدينة آسفي ومركز جماعة احرارة على مستوى الطريق الإقليمية رقم 2300، إضافة إلى انقطاع حركة المرور بعدة محاور داخل المدينة.
المصدر:
العمق