في إطار تنزيل مقتضيات قانون المالية لسنة 2026، شرعت الحكومة في إدخال تعديلات جديدة على الإطار القانوني المنظم للضريبة على القيمة المضافة، من خلال مشروع مرسوم يقضي بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.06.574 الصادر في 10 ذي الحجة 1427 (31 دجنبر 2006)، والمتعلق بتطبيق هذه الضريبة. وتندرج هذه الخطوة ضمن مسار إصلاحي يهدف إلى تحيين الترسانة الجبائية وملاءمتها مع المستجدات التي عرفتها المدونة العامة للضرائب.
ووفق المذكرة التقديمية المرافقة للمشروع فإنه يسعى أساسًا إلى مواءمة النص التنظيمي الجاري به العمل مع التعديلات التشريعية الأخيرة، ولا سيما تلك المرتبطة بتوسيع نطاق الإعفاءات الجبائية، وتدقيق شروط الاستفادة منها، فضلاً عن تعزيز آليات التتبع والمراقبة، بما يضمن نجاعة أكبر في التحصيل والحد من حالات الاستغلال غير المشروع للإعفاءات.
ومن بين أبرز المستجدات التي تضمنها مشروع المرسوم التنصيص بشكل صريح على إخضاع الاستفادة من الإعفاء المؤقت من الضريبة على القيمة المضافة الممنوح لأموال الاستثمار لاحترام إجراءات تنظيمية محددة داخل أجل أقصاه 24 شهرًا، وذلك طبقًا لمقتضيات المادة 124 من المدونة العامة للضرائب، كما تم تتميمها بموجب قانون المالية.
كما شملت التعديلات توسيع نطاق الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة في مجال الخدمات المالية، ليشمل العمولات والمكافآت المرتبطة بالخدمات المقدمة من طرف مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، إضافة إلى مقاولات التأمين وإعادة التأمين، وكذا المنشآت التي يساوي أو يفوق رقم معاملاتها السنوي 200 مليون درهم، مع التقيد بالأحكام الانتقالية المنصوص عليها في المدونة العامة للضرائب.
وفي ما يخص القطاع الفلاحي نص مشروع المرسوم على إخضاع الاستفادة من استرجاع الضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للمواد المخصبة ودعائم النباتات لشروط تنظيمية دقيقة، شريطة أن تكون هذه المواد موجهة حصريًا لأغراض فلاحية، وذلك وفق ما ينص عليه القانون رقم 53.18 المتعلق بالمواد المخصبة ودعائم النباتات، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف بتاريخ 14 يوليوز 2021.
وفي هذا السياق أوضح يوسف كراوي الفيلالي، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المغربي للحكامة والتسيير، أن مشروع هذا المرسوم يتضمن شقين أساسيين، الأول يتعلق بتوسيع الوعاء التحصيلي لآلية الاقتطاع من المنبع للضريبة على القيمة المضافة، حيث ستشمل هذه الآلية، إلى جانب المؤسسات العمومية، المقاولات الكبرى ومؤسسات الائتمان التي يساوي أو يفوق رقم معاملاتها 200 مليون درهم.
وأكد الفيلالي، ضمن تصريح لهسبريس، أن هذه المقاولات، عند تعاملها مع شركات أو أشخاص معنويين، ستقوم باقتطاع الضريبة على القيمة المضافة من المنبع عند تسديد الفواتير أو مقابل الخدمات المقدمة، وهو إجراء كان معمولًا به سابقًا أساسًا لدى المقاولات العمومية.
وأضاف الخبير ذاته أن الشق الثاني يهم إعفاءً مقننًا يتعلق بالمواد المخصبة والنباتية المستوردة، إذ تم تحديد شروط تنظيمية وكيفيات دقيقة للاستفادة من هذا الإعفاء من الضريبة على القيمة المضافة، واعتبر أن هذه التعديلات تندرج ضمن استمرارية الإصلاحات التي عرفتها الضريبة على القيمة المضافة خلال السنوات الأخيرة، مذكرًا بأن نظام الاقتطاع من المنبع كان تم تنظيمه بشكل يسمح بتحصيل ما يصل إلى 75 في المائة من قيمة الضريبة مباشرة لفائدة الدولة، في حين لا تحتفظ المقاولة مقدمة الخدمة سوى بنسبة 25 في المائة، التي يتعين عليها التصريح بها لاحقًا.
وخلص المتحدث إلى أن الهدف من هذه الإصلاحات يظل هو نفسه، والمتمثل في تقوية التحصيل الضريبي، ومحاربة التهرب الضريبي عبر آليات تنظيمية وتقنية، وتعزيز المداخيل الجبائية من خلال التحصيل الفوري.
من جانبه أكد محمد جدري، الخبير الاقتصادي، أن الحكومة بذلت مجهودًا كبيرًا في مجال التحصيل الضريبي، من خلال إطلاق إصلاح شامل للمنظومة الجبائية، شمل الضريبة على الشركات، ثم الضريبة على القيمة المضافة، وصولًا إلى إصلاح الضريبة على الدخل المرتقب سنة 2025، إضافة إلى الرسوم الجمركية.
وأبرز جدري ضمن تصريح لهسبريس أن هذه الإصلاحات مكنت من تحقيق زيادة فاقت 200 مليار درهم في التحصيلات الضريبية خلال السنوات الأربع الماضية، وهو ما وفر للحكومة هوامش مالية مهمة لدعم الأوراش المهيكلة للاقتصاد الوطني.
وأوضح الخبير ذاته أن مشروع قانون المالية لسنة 2026 جاء بجملة من الإجراءات المرتبطة بالضريبة على القيمة المضافة، خاصة توسيع نطاق الاقتطاع من المنبع، وهو ما من شأنه الحد من ممارسات الغش والتهرب الضريبي لدى عدد من الشركات.
وذكّر المتحدث بأن النقاش البرلماني حول هذا الإجراء أسفر عن رفع عتبة رقم المعاملات المعنية بالاقتطاع من 50 مليون درهم إلى 200 مليون درهم، وهو ما سيشمل اقتطاع الضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة من المنبع بالنسبة لهذه الفئة من المقاولات، ويوفر موارد إضافية لخزينة الدولة.
وفي ما يتعلق بالضريبة على القيمة المضافة عند الاستيراد، خاصة المرتبطة بالاستثمار، أشار المحلل الاقتصادي إلى أن إصلاح هذا المرسوم يهدف إلى ضبط شروط الاستفادة من الإعفاءات، من خلال إلزام الشركات الراغبة في الاستفادة بتقديم ملفات تستوفي شروطًا محددة.
واعتبر جدري أن هذا التوجه من شأنه أن يضمن استفادة المقاولات المستحقة فقط من هذه الإعفاءات، بما يعزز العدالة الضريبية، ويحسن تنافسية المقاولات، ويوفر في نهاية المطاف هوامش مالية إضافية للحكومة لتمويل الأوراش الكبرى، سواء المتعلقة بالاستثمار، أو تقليص الفوارق المجالية، أو تنزيل برامج الحماية الاجتماعية.
المصدر:
هسبريس