آخر الأخبار

"تعميم المجموعات الترابية" يدفع النقابات إلى التهديد بشل الخدمات الصحية

شارك

تتجه الأوضاع داخل قطاع الصحة العمومية نحو مزيد من الاحتقان، في ظل تصعيد نقابي ينذر بشلل محتمل للخدمات الصحية، بعد إعلان التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، الذي يضم النقابات الخمس الأكثر تمثيلية، عن خوض برنامج تصعيدي يشمل إضرابًا وطنيًا شاملاً.

ويأتي هذا التطور في سياق جدل متزايد عقب اجتماع مجلس الحكومة، حيث تم الترويج لـ”نجاح تجربة المجموعة الصحية الترابية بجهة طنجة–تطوان–الحسيمة”، بالتزامن مع المصادقة على مراسيم تحدد تاريخ الشروع الفعلي في اشتغال 11 مجموعة صحية ترابية بمختلف جهات المملكة، وهو ما تعتبره النقابات خطوة أحادية و”خطة مجهولة” تفتقر إلى التقييم والتوافق، وتكرس، بحسب تعبيرها، “تضليلًا للرأي العام حول واقع إصلاح المنظومة الصحية”.

وتعود جذور هذا التصعيد، بحسب الفاعلين النقابيين، إلى ما يعتبرونه تراجعًا عن الالتزامات المضمنة في اتفاق 23 يوليوز 2024، الموقع بين الحكومة والتنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، الذي وُصف حينها بكونه “أرضية حدٍّ أدنى لضمان انتقال سلس نحو المنظومة الصحية الجديدة”.

ويؤكد النقابيون أن الاتفاق نصّ بوضوح على تنزيل متدرج ومشترك للإصلاح، يقوم على تثمين الموارد البشرية، والحفاظ على الحقوق المكتسبة، وإشراك الفرقاء الاجتماعيين في مختلف مراحل التنفيذ، غير أن ما جرى على أرض الواقع، وفق تعبيرهم، هو تسريع في إصدار مراسيم تنظيمية تمس البنية الهيكلية للقطاع، مقابل تأخر غير مبرر في تفعيل المقتضيات المرتبطة بالوضعية المهنية والاجتماعية لمهنيي الصحة، وهو ما عمّق منسوب التوتر وأعاد ملف الاتفاق إلى واجهة الاحتجاج.

وفي هذا الإطار قال كريم بلمقدم، الكاتب العام الوطني للنقابة الوطنية للصحة العمومية عضو التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة: “بعد الدخول الاجتماعي كنا ننتظر أن يتم تفعيل ما تم الاتفاق عليه، غير أن إعلان الناطق الرسمي باسم الحكومة أظهر أن الحكومة غير جادة في تنزيل الاتفاق الذي أبرمناه معها في إطار التنسيق النقابي، والرامي إلى حسن تنزيل إعادة هيكلة المنظومة الصحية”.

وأضاف بلمقدم ضمن تصريح لهسبريس: “يتجلى غياب الجدية، خصوصًا، في عدم احترام الأولويات التي بُنيت عليها اتفاقاتنا، التي نعتبرها أساسًا لأي إصلاح حقيقي. وفي الوقت نفسه نلاحظ أن الحكومة تروج لما تسميه نجاح تجربة جهة طنجة–تطوان–الحسيمة، غير أن هذا الادعاء يفتقر إلى أي معايير واضحة أو مؤشرات تقييم موضوعية”.

وتابع المتحدث ذاته: “كيف يمكن الحديث عن نجاح تجربة دون تقييم؟ إذا كانت فعلاً ناجحة فمن المفترض أن يلمس المواطن استفادة حقيقية، وأن يلاحظ الموظف تحسنًا في أوضاعه. لكن، إلى حدود اليوم، لا نرى أي مؤشر على تحسن الخدمات أو على جاذبية هذه الجهة، سواء بالنسبة للمواطنين أو لمهنيي الصحة”.

وشدد القيادي النقابي على أنه “لا توجد أي مؤشرات إيجابية واضحة تؤكد نجاح هذه التجربة، وهذا ما يجعلنا نعتبر أن الأمر يدخل في إطار الاستغلال السياسي لهذا الملف، خاصة في ظل اقتراب سنة انتخابية، وهو ما يبدو وكأنه هروب إلى الأمام”، وزاد: “كنقابات لا يمكن أن نقبل أن نكون ضحية لهذا الأمر الواقع”.

وفي السياق ذاته أكد بلمقدم أن مطلب النقابات “ليس فتح حوار جديد من الصفر، بل تنزيل الاتفاق الموقع، لأن مكونات هذا الاتفاق تمثل الحد الأدنى الذي يسمح لنا بولوج المنظومة الصحية الجديدة بنوع من الإيجابية”، وتابع: “من الضروري التذكير بأن أحد الركائز الأربع للمنظومة الصحية الجديدة تثمين الموارد البشرية؛ وبالتالي لا يمكن الاستمرار في التعامل مع الموارد البشرية بمنطق ثانوي، بل يجب منحها القيمة التي تستحقها، وجعلها في صلب أي قرار يُتخذ، مع أخذ رأيها ومصالحها بعين الاعتبار”.

وأضاف المتحدث: “كما أن من بين ما تم الاتفاق عليه اعتماد جهة طنجة–تطوان–الحسيمة كنموذج للتنزيل، سواء بالنسبة للإدارة أو للنقابات، على أساس أن نواكب جميع المراحل بشكل مشترك، ونقيّم التجربة قبل تعميمها. غير أن ما حدث هو أن الوزارة سلكت طريقها الخاص، وانتقلت إلى التعميم دون تقييم حقيقي للتجربة النموذجية”.

من جانبه قال حمزة الإبراهيمي، العضو المؤسس للفيدرالية الديمقراطية للشغل بالمجموعة الصحية الترابية والوكالات الصحية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، إن “الحكومة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية تتحملان كامل المسؤولية عما آل إليه الوضع، بسبب الهروب إلى الأمام عبر المصادقة على مراسيم تهم الشروع الفعلي في اشتغال 11 مجموعة صحية ترابية دفعة واحدة، في وقت لم تمض على التجربة النموذجية لجهة طنجة تطوان الحسيمة سوى أشهر قليلة، ودون إنجاز أي تقييم رسمي أو أولي، لا من حيث الحكامة ولا من حيث النجاعة ولا من حيث أثرها على جودة الخدمات الصحية أو على الوضعية المهنية والاجتماعية للعاملين بالقطاع”.

وتابع الإبراهيمي ضمن تصريح لهسبريس: “نعتبر أن الترويج لنجاح تجربة لم يتم تقييمها علميا ومؤسساتيا يشكل تضليلا للرأي العام، خاصة أن المؤشرات الميدانية تؤكد استمرار معاناة المواطنين، واستمرار الاكتظاظ ونقص الموارد البشرية والتجهيزات، مقابل تصاعد القلق والتذمر في صفوف مهنيي الصحة، في ظل ضبابية الرؤية وغياب الضمانات الواضحة المرتبطة بالمسار المهني، والاستقرار الوظيفي، والتحفيز المادي والمعنوي”.

وأضاف المتحدث ذاته: “نسجل بأسف شديد تنصل الحكومة من التزاماتها الواردة في اتفاق 23 يوليوز 2024، وتأخرها غير المبرر في إصدار النصوص التنظيمية الأساسية لقانون الوظيفة الصحية، وعلى رأسها مركزية الأجور والحفاظ على صفة موظف عمومي، ومرسوم الحركة الانتقالية، والتعويض عن المناطق الصعبة، والجزء المتغير من الأجر، والتعويضات الجديدة، وهو ما يعمق فقدان الثقة ويغذي الإحساس بالحيف وعدم الإنصاف داخل القطاع، في مقابل تسريع إصدار مراسيم تمس البنية التنظيمية للمنظومة الصحية دون توافق أو تشاور”.

وجدد النقابي نفسه الدعوة إلى “تغليب منطق الحكمة والمسؤولية، ووقف القرارات الأحادية، والعودة العاجلة إلى حوار اجتماعي حقيقي وجاد، قائم على احترام الالتزامات، والتقييم الموضوعي للتجارب، والإشراك الفعلي لمهنيي الصحة، حفاظا على السلم الاجتماعي وصونا لحق المواطنات والمواطنين في صحة عمومية عادلة، منصفة، وذات جودة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا