آخر الأخبار

الحكم الذاتي.. هل يصلح النموذج الكتالوني كمرجعية أم يصطدم بخصوصيات الصحراء؟

شارك

أعادت المعلومات التي كشفتها صحيفة ‘إلباييس’ الإسبانية، حول توجه المغرب لدراسة التجربة الإسبانية وتحديدا ‘النموذج الكتالوني’ كمرجعية لتحديث مبادرة الحكم الذاتي في الصحراء لعام 2007، فتح النقاش العمومي حول أبعاد وحدود هذا الخيار الاستراتيجي. هذا التوجه لا يثير فقط الاهتمام بآليات تطوير المقترح المغربي، بل يضعنا أيضاً أمام إشكاليات جوهرية تجمع بين الإلهام الممكن وعقبات الواقع.

فمن جهة، يبرز تساؤل أساسي حول ماهية العناصر الدستورية والتدبيرية المحددة في تجربة كتالونيا التي قد تُلهم المشرع المغربي اليوم لرفع سقف صلاحيات الجهات الجنوبية، سواء على المستوى المالي، الأمني، أو الثقافي. وفي المقابل، يطفو على السطح سؤال أكثر تعقيدا حول مدى استقامة إسقاط نموذج نشأ في سياق مجتمعي وصناعي أوروبي له خصوصياته التاريخية، على واقع الأقاليم الجنوبية للمملكة بتركيبتها القبلية وطبيعة اقتصادها الريعي وعلاقتها بالمركز. وهل يمكن لهذا “الاقتباس”، إن تم، أن يصطدم بصعوبة التنزيل في ظل بنية إدارية لا تزال تتسم بالمركزية الشديدة؟.

وفي هذا السياق، أكد الدكتور بيبوط دداي أن التوجه المغربي للانفتاح على التجربة الكتالونية الإسبانية يعد خيارا ملهما لتحديث خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب لحل مشكل الصحراء منذ عام 2007. وأوضح المصدر، وهو دكتور في التاريخ الحديث والمعاصر ومستشار جماعي بجماعة العيون، أن هذا التوجه ينطلق من عدة منطلقات أبرزها أن التجربة تقع في بلد جار يتقاسم مع المغرب جزءا من تاريخه المعاصر خلال الحقبة الاستعمارية.

وأشار المصدر ذاته إلى أن فهم التجربة الإسبانية يقتضي تسليط الضوء على خصوصياتها، حيث إن إسبانيا بلد يضم أقاليم عديدة تتمتع بأنماط مختلفة من الحكم الذاتي أقرها دستور عام 1978، لكنها تتوحد جميعها داخل ما يسمى بالأمة الإسبانية. وتابع أن أقاليم مثل الباسك وكتالونيا تتمتع بصلاحيات واسعة، خاصة الإقليم الأخير الذي يعتبر نموذجه مثار إعجاب دولي بالنظر للصلاحيات التدبيرية والقضائية والمالية التي يتمتع بها، والتي تم توسيعها عبر الميثاق الجديد للحكم الذاتي لكتالونيا عام 2006.

وأضاف بيبوط ضمن تصريح لجريدة “العمق” أن التجربة الكتالونية، رغم صلاحياتها الواسعة، تظل محكومة بضوابط دستورية مركزية صارمة، حيث أجبرت المحكمة الدستورية المركزية الحكومة المحلية عام 2010 على إلغاء لفظ “الأمة الكتالونية” من الميثاق لمعارضته للدستور الإسباني. وأوضح أن هذه الضمانة المركزية التي تحميها السلطة القضائية هي أكثر ما يلهم في التجربة، فهي تحول دون تطور أنظمة الحكم الذاتي نحو الانفصال، وهو ما تجلى بوضوح عام 2017 عندما ألغت المحكمة العليا نتائج استفتاء الانفصال غير الشرعي وتابعت قادته قضائيا.

وقال المصدر ذاته إن التجربة الكتالونية للحكم الذاتي داخل إسبانيا ملهمة للمغرب بصلاحياتها الواسعة التي تتماشى مع رغبة المغرب في الاستجابة لمنطوق القرار الأممي 2797 الداعي إلى مطالبة الأطراف بالبدء في مفاوضات على قاعدة حكم ذاتي حقيقي لساكنة الإقليم، وهي الرغبة التي أكدها جلالة الملك في خطاب عيد الوحدة ليلة صدور القرار الأممي في 31 أكتوبر 2025 كما أن تعدد أنظمة الحكم الذاتي بالمملكة الإسبانية وتزامنها مع الاحتفاظ على طابع سياسي مركزي مستند على تراث يعقوبي للدولة أكثر إلهاما كذلك والذي يمنع الانفصال تحت أي ظرف، والذي تشكل المحكمة الدستورية أكبر قلاعه الحامية.

من جانبه، أكد الخبير في العلوم السياسية بوجمعة بيناهو أن التقارير الصحفية الأخيرة، وعلى رأسها ما نشرته صحيفة إلباييس، حول توجه المغرب لدراسة النموذج الكتالوني كمرجع لتحديث مبادرة الحكم الذاتي، يطرح سؤالا جوهريا حول طبيعة العقد السياسي بين المركز والأقاليم الجنوبية. وأوضح الخبير المهتم بقضايا الصحراء في تصريح لجريدة “العمق” أن هذا النقاش يفتح الباب أمام تفكير معمق حول أي نموذج للحكم الذاتي يمكن أن يضمن تنمية مستدامة واستقرارا مؤسسيا، ويضع إمكانات الاقتباس في مواجهة حدود وصعوبات التنزيل على أرض الواقع.

وأوضح بيناهو أن إنجاح مشروع الحكم الذاتي يتطلب تحقيق خمسة شروط أساسية، أولها إجراء مراجعة دستورية شاملة تضمن الحقوق المخولة لمنطقة الحكم الذاتي بجهة الصحراء وتوضح طبيعة العلاقة بين المركز والجهة. وأضاف أن الشرط الثاني يتمثل في تشكيل حكومة محلية بصلاحيات واضحة ومضبوطة وفي تنسيق تام مع المركز، يليه شرط ثالث يقضي بإنشاء برلمان محلي يتم انتخابه مباشرة من ساكنة جهات الصحراء، مع مراعاة ضرورة حضور تمثيلية القبائل نظرا للبنية الاجتماعية السائدة.

وتابع المصدر أن الشرط الرابع يتمثل في الحفاظ على وحدة رموز السيادة الوطنية المتمثلة في الملكية والدين الإسلامي والعملة والدفاع والخارجية، بما يحقق قوة نظام الحكم الذاتي في ظل السيادة المغربية. وأشار إلى أن الشرط الخامس والأساسي هو توسيع هامش استفادة ساكنة جهة الحكم الذاتي من نسبة مهمة من الثروات الطبيعية، المعدنية والبحرية، وجزء من الضرائب، بما يضمن قدرة المواطنين على تسيير شؤونهم بأنفسهم.

وخلص بيناهو إلى أن هذا الطرح السليم يقترب في جزء كبير منه ويتقاطع مع النظام المعتمد في كتالونيا، ويمكن أن ينجح في التجربة المغربية أيضا. واعتبر الخبير أنه على الرغم من وجود بعض الاختلافات في طبيعة الذهنية السائدة في المجتمع الصحراوي، فإن ذلك لا يمنع من نجاح التجربة، لأن المجتمعات تبقى دائما خاضعة للتطور التاريخي وقابلة للتجدد وفق متطلبات كل مرحلة.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا