آخر الأخبار

الشرفي يلقي خطاب عضوية "أكاديمية المملكة" ويرصد "غزو علمنة المجتمع"

شارك

اهتم خطاب تنصيب الأكاديمي التونسي عبد المجيد الشرفي عضوا بأكاديمية المملكة المغربية، الأربعاء بالرباط، بتاريخ الدين واستغلاله، ودوره في المجتمع الحديث، وبزوغ اللادين، مع دعوته لفهم تاريخية التدين.

وفي مستهل حديثه، ذكر الشرفي أن “الظاهرة الدينية حاضرة في كل المجتمعات قديما وحديثا، رغم اختلاف ظروفها وتنوع ثقافاتها، وطريقة ممارسة دينٍ من الأديان (…) وما يربطها احتواؤها جميعا على طقوس مخصوصة، وقيامها بوظيفة نفسية تطمينية لتفسير ما يسبب القلق الوجودي، نظرا لوجود لشر في العالم وحتمية الموت، وشرعنتها لمؤسسات محورية مثل العلاقات الجنسية، والطبقية، والسياسية”.

مصدر الصورة

وتابع: “يكاد يجمع مؤرخو الأديان، أن الديانات الوثنية، كانت قبل ديانات التوحيد، ويذهب بعضهم إلى أن عقيدة التوحيد هي التي زرعت التعصب الديني ورفض المخالفين، بعدما كان المقدس غير محصور في إطار موحد، بينما رأت الأديان التوحيدية أن المخالفين على ضلال، مما يستوجب إعادتهم إلى الصراط المستقيم.”

ويميز الشرفي “بين الإيمان اعتقادا فرديا حرا، وبين العقائد المتأثرة بظروف النشأة والتكوين”، مضيفا أن “الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها، وخاصة الفلسفية”، كانت تعرف كتابات تعبر عن الشك والحيرة مثل أشعار أبي العلاء المعري، ومقابسات التوحيدي، ونقد النبوة من طرف محمد ابن زكريا الرازي، وهو ما ربط توقفه بـتحالف نزعة “لعلماء الحديث، المدعمة من السلطة”، حيث “قضت شيئا فشيئا على أي محاولة حتى توفيقية بين الحكمة والشريعة مثل المعتزلة، ولعل آخر المحاولين ابن رشد الحفيد”، علما أن في ذلك الحين بـ”أوروبا كانت الكنيسة الكاثوليكية أشد، وتشهد على ذلك محاكم التفتيش بإسبانيا على الخصوص.”

عبد المجيد الشرفي الذي نشأ في أسرة محافظة، وحفظ القرآن طفلا، تحدث عن تفتق وعيه داخل “بيئة القداسة، والبعد الأخروي الحاضر دوما في الأذهان، والكائنات غير المرئية المؤثرة في سعادة وشقاء الإنسان يوميا، مما يتطلب استرضاءَها وتحييدها بالآيات والحروز والبخور… وهو واقع ديني (…) لا يختلف كثيرا عن البلاد الإسلامية”، مما يبين الحاجة إلى “توسيع أفق النظر”.

مصدر الصورة

ومن بين ما دافعت عنه كلمة الشرفي “رفض وصاية رجال الدين”، والوعي بأن “التدين، هو شكل الانتماء إلى دين معين وقد يعتريه التغيير من جيل إلى جيل، ومن بيئة إلى أخرى، ومن ظروف اجتماعية وثقافية واقتصادية إلى أخرى، ومن فترة عمرية إلى أخرى…”، ثم استدرك قائلا: “لكن هذا الإقرار لا يقبله الضمير الديني بسهولة، بل في الأعم يرفضه رفضا باتا، ويعتقد جازما أن عقيدته وسلوكه مطابقان مطابقة تامة لمن نزل عليهم الوحي. بينما حقيقة التغيير من مكتسبات الهوية الحديثة، لكن ليس هذا ما يتعلمه الأطفال والشبان في مدارسنا.”

ويقدر الأكاديمي التونسي أن مدارس المنطقة العربية والإسلامية “ترسخ الفكر الوثوقي، الذي يساند ما استقر من مقولات دوغمائية في القرون الأخيرة، ولو تلبس بثياب حديثة زائفة”.

ومن بين ما اهتم به الشرفي ظهور مساءلة المعطى الديني في المسيحية الغربية، وظاهرة “اللا اعتقاد” أو الإلحاد بالمعنى الحديث، وحركة التنوير في القرن 18 التي كانت محضنا لنقد الأديان وما يعتريها من سلوك لا عقلاني، ثم شيوع النزعة العِلموية التي لا تؤمن بغير ما يقره العلم الوضعي الحديث في القرن التاسع عشر، وأثر صدمة نظرية داروين في “أصل الأنواع” شبيهة الأثر بصدمة كوبرنيك في القرن السادس عشر حول عدم مركزية الأرض في الكون، وصولا إلى نصوص في نقد النصوص الدينية عند مفكرين من أمثال اسبينوزا.

ومع تطرق المتحدث لـ”حقوق الإنسان، بوصفها حقوقا كونية، شقت طريقها بصعوبة، لكن بتدرج”، ذكر أنه “لا يخدش في تبنيها أن الغربيين لا يحترمونها في تعاملهم مع الشعوب المستضعفة، وأحيانا في صلب مجتمعاتهم التي تمارس التمييز بأشكال مختلفة، والتمييز بمختلف أبعاده”.

مصدر الصورة

كما اهتم بـ”آراء يتشاركها الإسلام السياسي الإخواني والسلفي والإمامي، واتجاهات استشراقية معادية للإسلام”، تقدر أن الإسلام دين لا فصل فيه بين دين ودولة، بينما “تاريخيا الامتزاج بين الدين والدولة ليس خاصية إسلامية، بل ظاهرة تكاد تكون عامة في سائر المجتمعات البشرية، مثل علاقة الكنيسة والدولة منذ الإمبراطور قسطنطين، وترؤس الملكية للكنيسة الأنجليكانية في بريطانيا، والكنيسة اللوثرية في الدنمارك، وانغماس السياسة الصهيونية المسيحية للإنجيليين في قلب السياسة الأمريكية، وأقوال مثل حق اليهود في استيطان أرض الفلسطينيين، ثم الصهيونية الدينية التي تقوم كل مبرراتها على تأويل مخصوص للديانة اليهودية لا يزيد عن عمره قرن ونيف، كما أن الهند تؤكد تجاوز الأمر للديانات التوحيدية، بتشجيعها اليوم الهندوسية

ثم ذكر أن “امتزاج الدين بالسياسة متواصل رغم نقده، وفضح الفساد الذي ينتج عنه (…) لأن توظيف الدين يؤدي لانقلابه إلى إيديولوجيا، وإقحامه في معارك فئوية ليست منه، وتحويله لإلزامات تنفي الصراع السلمي عن السلطة”، مع تسجيله أن “الوعي العام في جل البلاد الإسلامية لم يُدَخْلِن مفهوم الدولة الوطنية ذات الحدود الجغرافية، بل بقيت شرائح عريضة تعيش ذهنيا على تراث الإمبراطوريات التي تتوسع حدودها وتضيق حسب موازين القوى… والفصام بين الأمة الفكر الإسلامي الحديث والأمة التي يعيش الناس فعلا في كنفها”.

وتابع الشرفي منتقدا “ما يعتبر شريعة إلهية وهو في الحقيقة أحكام الفقهاء”، وإضفاء “قناع ديني زائف على مؤسسات، بما فيها مؤسسة الأسرة، فيما هي مؤسسة تاريخية بشرية نسبية تدعي القداسة”، مع ذكره أن المسلمين إذا كانوا يحترمون اليهودية والمسيحية تاريخيا مقارنة بالممارسات الأوروبية ضد الديانات غير الأغلبية، فإنهم تاريخيا “لم يكونوا يعترفون للمسلم بالخروج من دينه، ويعاقبونه بالقتل نظريا على الأقل (…) وأصعب ما يواجه المسلم (إلى الآن) هو أنه تربى على تفضيل الرجال على النساء، مما يؤثر على آراءه في الزواج والطلاق والإرث والمشاركة في الحياة العامة”، فضلا عن حاجة “إسقاط العقوبات الجسدية المخلة بالكرامة الإنسانية، مثل الجلد والبتر”.

مصدر الصورة

ويرى عبد المجيد الشرفي أن “العلمنة سائرة في الانتشار داخل المجتمعات المعاصرة، لا بوصفها معاداة للدين”، مع انتقاده “الحديث عن عودة الدين” واصفا إياه بـ”الظاهرة الإعلامية، أكثر من كونها ظاهرة علمية، لأن العلمنة الغازية تؤدي لردة فعل للضمير الديني”.

ومن بين الظواهر الحديثة التي رصدها الشرفي كون التضامن مع البشر صار بين تيارات الفكر بغض النظر عن العقائد الدينية؛ فـ”المسلمون المنتمون لليبرالية يتقاسمون نفس الآراء مع اليهود والمسيحيين نفسهم، وكذلك تضامن المحافظين المسلمين والمسيحيين ولقاء موقف الأزهر والفاتيكان في رفض مقررات مؤتمر 1995 حول المرأة”، مع توقعه أن “شيوع استعمال الذكاء الصناعي، يجعلنا في مفتتح عصر جديد، وتثاقف (…) يشمل التدين ومختلف المناحي الفكرية والروحية”، ولا يدري منتهاه.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا