آخر الأخبار

الجزائر تتجنب التطرق إلى قضية الصحراء المغربية في مباحثات مع إسبانيا

شارك

غابت قضية الصحراء المغربية عن المحادثات التي أجراها، نهاية الأسبوع المنصرم، وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف مع نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، على هامش قمة مجموعة العشرين المنعقدة بجنوب إفريقيا، رغم كونها أحد أبرز الملفات التي خيّمت على العلاقات بين البلدين خلال العامين الماضيين.

وحرص الطرفان، وفق بيان صادر عن خارجية البلدين، على حصر النقاش في ملفات التعاون التقليدية، بما يشمل الطاقة والتبادل الاقتصادي وقضايا الهجرة، مع التأكيد على أهمية مواصلة تنسيق المواقف بخصوص التطورات الإقليمية، واستشراف آفاق جديدة للشراكة بين الجزائر ومدريد خلال المرحلة المقبلة.

ويأتي هذا اللقاء بعد الأزمة الدبلوماسية التي اندلعت عقب إعلان مدريد، في مارس 2022، دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي للنزاع؛ وهو الموقف الذي اعتبرته الجزائر تحولا إستراتيجيا في سياسة الجار الشمالي، ودفعها إلى تجميد التعاون الاقتصادي وتعليق معاهدة الصداقة والتعاون وحسن الجوار.

ووفق مراقبين فإن تفادي الخوض في ملف الصحراء خلال هذا اللقاء يعكس توجها جزائريا نحو تهدئة مؤقتة مع مدريد، ومحاولة لإعادة بناء العلاقات على قاعدة المصالح المشتركة، خصوصا في ملفات الطاقة، الأمن والهجرة، دون المسّ بالموقف الإسباني القريب من المصالح المغربية. كما يظهر هذا التجاهل إدراكا أن الضغط الدبلوماسي لم يعد قادرا على تغيير موقف إسبانيا داخل المقاربة الأممية للنزاع.

وفي هذا الصدد يرى الحاج أحمد باركلى، السكرتير الأول لحركة “صحراويون من أجل السلام”، أن “الموقف الإسباني من قضية الصحراء الغربية لم يعد يشكل محور التوتر بين مدريد والجزائر منذ مبادرة هذه الأخيرة إلى تطبيع العلاقات وتعيين سفير جديد نهاية سنة 2023″، مشيرا إلى أن “استئناف القنوات الدبلوماسية أسهم في تهدئة الخلاف وإعادة ترتيب أولويات الطرفين”.

وأوضح المتخصص في الشأن الإسباني أن الخلاف الدبلوماسي لم يعد عنصرا مركزيا في أجندة العلاقات بين البلدين، بعدما فضّلت الجزائر تجاوز منطق القطيعة والتوجه نحو مقاربة أكثر عملية وبراغماتية في إدارة الملفات الثنائية.

وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الدعم الإسباني لمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية لم يعد معزولا، بعدما كرسه قرار مجلس الأمن 2797 كإطار “واقعي وقابل للتطبيق” يحظى بإسناد قوى وازنة داخل المجتمع الدولي، وفي مقدمتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا.

وخلص المسؤول ذاته إلى أن الجزائر باتت مدركة أكثر من ذي قبل تفاصيل المشهد العالمي الجديد، والسعي الحثيث المتزايد من لدن الولايات المتحدة إلى تسريع حل نهائي للصراع وإنهاء مهمة بعثة المينورسو المطولة؛ كما أنها تعي جيدا أن هامش الدفاع عن مواقف البوليساريو الجامدة ضاق كثيرا، نظرا للتعديلات التي طرأت على الأجندة الدبلوماسية، ما يجبرها على إعادة ضبط موقفها لكي لا تتخلف عن مسار العملية السياسية قيد النظر.

من جهتها سجلت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن اختلاف وجهات النظر بين إسبانيا والجزائر حول قضية الصحراء المغربية لم يعد حاجزا أمام سعي الجزائر إلى تعزيز حضورها الدبلوماسي مع مدريد، لافتة إلى أن “هذا التحول يندرج في إطار محاولة إعادة التموقع داخل الفضاءات الإقليمية والدولية بعد فترة عزلة فرضتها مواقف متشنجة تجاه المبادرات الداعمة للحل تحت السيادة المغربية وفق مقترح الحكم الذاتي”.

وأضافت لغزال، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تجنب الجزائر الخوض في النزاع خلال لقاءاتها الأخيرة يعكس إدراكا متناميا أن أي تقدم في الملف يمر عبر الاعتراف بالدور المركزي للمملكة المغربية، خصوصا في ظل الدعم الدولي غير المسبوق للحكم الذاتي وتصديق هذا الزخم من خلال قرار مجلس الأمن 2797، الذي ألزم الأطراف بالانخراط في عملية سياسية قائمة على الواقعية والتوافق.

ونبهت الناشطة الحقوقية إلى أن غياب مؤشرات واضحة حول نوايا الجزائر الحقيقية بشأن الالتزام بمقتضيات القرار الأممي الأخير يطرح تساؤلات حول مدى استعدادها للتخلي عن مواقفها القديمة، مبرزة وجود احتمالين رئيسيين: إما الانخراط بجدية في المسار التفاوضي المقبل بما يتيح بناء تعاون إقليمي متماسك، أو الاكتفاء بمقاربة شكلية تستهدف كسب الوقت وإظهار رغبة سطحية في العودة إلى الملف دون تأثير فعلي.

وفي هذا السياق قالت المتحدثة إن الفارق الجوهري يكمن في قدرة الجزائر على استيعاب التحولات المرتبطة بمفهوم تقرير المصير، باعتباره لا يعني بالضرورة الانفصال، بل يمكن أن يتحقق ضمن سيادة الدول ووحدتها الترابية؛ وهو ما يجسده بحسبها “النموذج المغربي للحكم الذاتي القائم على ضمان الكرامة والتنمية والمشاركة السياسية للصحراويين”.

وأوردت لغزال أن إعادة الدفء للعلاقات الجزائرية الإسبانية على هامش قمة مجموعة العشرين لا يجب النظر إليها فقط كتقارب ثنائي، بل باعتبارها جزءا من عملية أوسع لإعادة تقييم الجزائر لموقعها في المشهد المغاربي والدولي، حفاظا على مكانتها الإستراتيجية ومصالحها الاقتصادية والأمنية.

وأنهت مينة لغزال حديثها لهسبريس بتأكيدها أن استمرار هذا التقارب الهادئ قد يسهم في ترسيخ القناعة بواقعية الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي، ويفتح المجال أمام تعاون إقليمي يعزز الاستقرار والتنمية ويقرب من الطي النهائي للنزاع، بما يخدم مستقبل الصحراويين ورفاههم.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا