آخر الأخبار

أسيدون.. مغربي مناهض للعنصرية دافع عن الإنسان وبشّر بـ"مقاطعة إسرائيل"

شارك

يحتفظ أرشيف المغرب بموقف جمع ثلاثة مغاربة ولدوا لأسر يهودية، تمسّكوا بمبدأ أن كرامة وحرية وحياة الإنسان تعلو على كل انتماء طائفي، وكتبوا: “نحن الموقعين أسفله، على عكس أي منهج طائفي، نوجه هذا النداء إلى جميع من يتمتعون بامتياز اعتبار أنفسهم مغاربة يهودا أو يهودا مغاربة، هنا في بلدنا وفي كل أنحاء المعمور، ونناشدهم التعبير بكل وضوح عن معاناتهم كبشر نساء ورجالا أمام الجرائم التي ترتكب (…) ليقفوا من أجل وضع حد لحمام الدم الناتج عن سياسة إسرائيل الإرهابية الانتحارية”.

اليوم في سنة عيش سيون أسيدون السابعة والسبعين رحل عن دنيا الناس، تاركا كوفية ارتبطت به، والتحفها دون انقطاع، خاصة في ظل الحرب على فلسطين، في المسيرات، والمحاضرات، بالمقرات النقابية والحقوقية والثقافية، في متحف التراث الثقافي اليهودي المغربي، وفي الحوارات المصورة والمسجلة.

سيون أسيدون مؤسّس الفرع المغربي لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (بي دي إس) جزء من زمن مغربي تصدّرت فيه صف الدفاع عن القضية الفلسطينية شخصيات مسلمة ويهودية ولا دينية ويسارية وإسلامية وقومية وغير منتمية، لا تجمع بينها إلا الراية المغربية، والكوفية الفلسطينية، وقضايا إنسانية أخرى.

ولد الفقيد بمدينة أكادير، ونزح عنها إلى الدار البيضاء مع عائلته بعد الزلزال المهول الذي دكّها سنة 1960، تخصص في الرياضيات، والتحق في شبابه باليسار الجديد، وارتبط اسمه بحركة “23 مارس” الماركسية اللينينية الجذرية، قبل أن يعتقل 12 سنة على خلفية هذا الانتماء بتهم كبرى من بينها “محاولة قلب نظام الحكم”، فيما يتمسك بأن جريرته كانت تأسيس جريدة مع رفاقه تخاطب المواطنين.

أسيدون الذي يخاطبه أصدقاء له باسم “المعطي” مناهض لكل أشكال العنصرية، عاش رافضا ربط اسمه بتسمية “يهودي مغربي”، أو ربط مبادئه بالطبقة الاجتماعية التي انتمى إليها والداه، رافضا مواطنة تحصر الإنسان في محددات سابقة على وجوده قد ينتمي إليها، وقد يرفض الاستمرار في ذلك، وإن كان منتميا إلى الخانة الثانية.

بعد خروجه من السجن تطوع أسيدون في مجالات تشجيع الشفافية ومحاربة الرشوة ومختلف أشكال الفساد، وكان من مؤسسي منظمة الشفافية (ترانسبارانسي) المغرب، وارتبط اسمه إلى سنوات عيشه الأخيرة بقضايا تهم حقوق الإنسان بالمغرب وخارجه احتجاجا وتصريحا ومبادرة، من بينها قضايا الاعتقال على خلفية الرأي والتعبير، وقضايا حرية الصحافة، وغلاء الأسعار، والتغيير السياسي.

في حياته رفض سيون أسيدون التمييز والتفضيل بين المبادئ والقضايا الإنسانية، قائلا لهسبريس: “مقولة ‘تازة قبل غزة’ طرح مغلوط كلية؛ لأن غزة هي تازة، وتازة هي غزة، وكلتاهما تستحقان الاهتمام والوقوف والتعبئة. ولا أظن أن هناك تنافسا بين القضايا العادلة، لأننا نستعد للوقوف إلى جانب جميع القضايا العادلة، سواء كانت داخل البلد أو خارجه. وقضية فلسطين، طبعا، من القضايا البارزة؛ لأن نتائج ما يجري في فلسطين ينعكس على مسارنا نحن كمغاربة؛ فالأوضاع المغربية حاليا مرتبطة بشكل وثيق مع ما يجري بفلسطين”.

أسيدون الذي سبق أن راسل ياسر عرفات من أجل الانضمام هو وأبراهام السرفاتي إلى “منظمة التحرير الفلسطينية” ساند بقوة حق الشعب الفلسطيني في المقاومة ورفع السلاح ضد المحتل، وكان موقفه حاسما من المغاربة المنضمين إلى الجيش الإسرائيلي بعد هجرات النصف الثاني من القرن العشرين، موردا: “بالنسبة إلى موضوع وجود مغاربة يهود في فلسطين هاجروا أو هجِّروا، وأصبحوا يمارسون أعمالا وأفعالا منافية للقانون الدولي، مثل الاستعمار، والاحتلال، والاستيطان، فكلهم يتنافَون مع القانون؛ فنحن أمام مجرمي حرب، أو مجرمين ضد الإنسانية، وصفتهم كمغاربة لا يمكن أن تعفيهم من الإدانة كمجرمين، لأن الجنسية المغربية لا تحمي المجرم من عواقب جريمته”.

وآمن أسيدون بأن المقاطعة اليومية المنهجية المنظمة سبيل لإسناد الفلسطينيين في إنهاء الاحتلال والفصل العنصري ضدهم، وكان مبشرا دائما بحملات “حركة مقاطعة إسرائيل” العالمية والمحلية، بما في ذلك المقاطعة الأكاديمية والثقافية؛ لأنه “لا توجد جامعة أو معهد من مؤسسات الكيان الصهيوني لا تشارك بشكل من الأشكال في العمل مع الجيش، بدون استثناء؛ بما في ذلك تخصّصات مثل: علم النفس، وعلم الاجتماع، والعلوم “الصلبة” المتعلّقة بالتقنيات، إلى آخره (…) والمقاطعة الثقافية ضرورية لتكذيب الصورة المفتعلة حول أن المحتلين هم أُنَاس لديهم ثقافة واعتبارات إنسانية ويحبّون الجمال؛ لأن ما يجري في الضفة الغربية وفي غزة، وأيضا في أراضي 48، يبيّن أن تنظيم مهرجانات ‘دولية’ وتوجيه دعوات إلى فنانين من العالم هو فقط محاولة لتجميل الصورة”.

وحول اعتراف الدستور المغربي بـ”الرافد العبري” جزءا من مكونات الهوية المغربية شدّد أسيدون على أن “المكون اليهودي جزء لا يتجزأ من تاريخ البلد وسكانه”، لكن الخطأ هو تسمية هذا المكون بـ”العبري”؛ لأن “القاسم المشترك بين اليهود المغاربة ليس لغويا (…) ففي المغرب لم تكن اللغة العبرية يوما لغة تداول بين أفراد الطوائف اليهودية، فجزء منها كان يتكلم بالأمازيغية، والجزء الآخر بالدارجة”.

كما آمن الراحل بأن المغاربة الذين يدينون باليهودية عكس تأطيرات تاريخية مغاربة تهوّدوا لا مهاجرون منذ آلاف السنين، وهو ما يوافقه فيه مؤرخون ومتخصصون بارزون من بينهم أحمد شحلان، وشلومو ساند، وجوليان كوهين لاكاساني؛ فـ”جل المعتنقين للديانة اليهودية في العالم، وفي المغرب أيضا، هم أصلا سكان محليون دخلوا إلى الديانة المحلية في ظروف مكنت من نجاح عمل التبشير (…) في وقت بعيد قبل أن تصير اليهودية ديانة غير تبشيرية وديانة أقلية”.

وكان أسيدون متشبثا بضرورة “فضح” الطبيعة العنصرية لـ”الصهيونية” قائلا إن من الواجب تعليم الناس أن ما ينبغي مناهضته هو الصهيونية وأن يكون التفريق واضحا بينها وبين “أي عداء لدين معين؛ لأن الصهيونية تستغل الدين ولا علاقة لها به”، ثم زاد: “نناضل ضد العنصرية الصهيونية، ولا يجب أن نمارس العنصرية بدورنا”.

أما حديث “السلام” فكان المدافع المغربي عن حقوق الإنسان متمسكا به في حقيقته، رافضا تبرير الاضطهاد به، فكان يدافع عن أن “التسامح لا يكون مع المجرمين، كما أن التعايش لا يكون بين المضطَّهِد والمضطَّهَد، والمحتَلِّ ومن احتُلَّ، وممارسِ التطهير العرقي ومن يمارَس عليه التطهير العرقي”، دون أن يعني هذا نسيان وجود “مقاومة سلمية (داخل إسرائيل) للسياسات العنصرية الصهيونية”، ومقاومة من داخل فلسطين للاحتلال؛ ومقاومة أخرى هي “مقاومة التطبيع، التي هي جزء لا يتجزأ من المقاومة الديمقراطية الكبيرة، من أجل تغيير الأوضاع بالمغرب”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا