أكد برلمانيون، على ضرورة محاربة الفساد الكبير في الصفقات العمومية، وتفعيل آليات المراقبة والمساءلة وتعزيز الشفافية في تدبير المال العام والصفقات العمومية، مشددين على أن محاربة الفساد لا يمكن أن تقتصر على الشعارات أو الإجراءات الجزئية، بل تتطلب إرادة سياسية حقيقية وإصلاحا تشريعيا ومؤسساتيا يضمن الحماية للمبلغين، ويكرس مبدأ “من أين لك هذا؟” لمساءلة المسؤولين الذين تتضخم ثرواتهم بشكل غير مبرر.
في هذا الإطار، دعا النائب البرلماني عن الفريق الاستقلالي، نور الدين مضيان، خلال اجتماع لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، اليوم الأربعاء لمناقشة الميزانية الفرعية لهيئة النزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، إلى وضع كاميرات مراقبة داخل مكاتب الموظفين بالإدارات العمومية من أجل تعزيز الشفافية ومحاربة مختلف أشكال الفساد الإداري والمالي.
وقال مضيان، خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لإحدى القطاعات الحكومية بمجلس النواب، إن الرشوة الصغيرة التي تتراوح بين 10 و20 أو حتى 30 درهما لا يمكن اعتبارها رشوة، مضيفا أن التي تمنح في الطرقاة “كرم من المغاربة”، مؤكدا أن التركيز ينبغي أن ينصب على الصفقات الكبرى التي تشهد رشاوى ضخمة وتنسيقا بين بعض المقاولين لضرب مبدأ المنافسة الشريفة.
وأوضح البرلماني أن محاربة الفساد تتطلب معالجة الداء من جذوره، مشيرا إلى أن عددا من الصفقات تُمنح بطرق مباشرة بعد دفع رشاوى، وهو ما يستدعي تشديد المراقبة وإقرار آليات فعالة لحماية المبلغين عن الفساد، سواء تم التأكد من صحة تبليغهم أم لا، حتى لا يُتهموا بتقديم “تبليغات كاذبة”.
كما نبه مضيان إلى ضرورة التصدي لظواهر أخرى مرتبطة بالفساد، أبرزها الإثراء غير المشروع وتضارب المصالح، داعيا إلى تفعيل مبدأ “من أين لك هذا؟” في حق المسؤولين الذين تظهر عليهم علامات الثراء غير المبرر.
وأضاف أن بعض المسؤولين يتقاضون أجورا محدودة، لكنهم يمتلكون فيلات وسيارات فارهة ويقضون عطلهم بالخارج، وهو ما يثير تساؤلات مشروعة حول مصادر تلك الثروات. واستشهد بما يجري في أوروبا، حيث يمكن أن يتعرض أي مسؤول للمحاسبة ومصادرة ممتلكاته إذا اقتنى سيارة أو بذلة فاخرة تفوق قدرته الشرائية.
من جانبه، وجه النائب البرلماني عن الفريق الاشتراكي، الحسن لشكر، انتقادات حادة للحكومة، متهما إياها بغياب الإرادة السياسية في محاربة الفساد منذ توليها المسؤولية.
وقال لشكر، خلال مناقشة الميزانية الفرعية، إن الحكومة “سحبت مشروع قانون الإثراء غير المشروع دون أن تقدم أي بديل أو صيغة جديدة لتجويد منظومة النزاهة والشفافية”، مضيفا أن هذا القرار يعكس “تراجعا خطيرا عن مكتسبات سابقة في مجال تخليق الحياة العامة”.
وأشار البرلماني إلى أن اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، وهي الآلية المؤسساتية الوحيدة المكلفة بتتبع وتنفيذ الاستراتيجية الوطنية للنزاهة، “ظلت معطلة لما يزيد عن أربع سنوات ولم تعقد أي اجتماع”، متسائلاً: “كيف يمكن الحديث عن محاربة الفساد والآلية الأساسية للتتبع والمراقبة مجمدة؟”.
ومضى قائلا: “إن كان هناك من تكوين أو تأهيل في مجال محاربة الفساد، فيجب أن يخضع له أعضاء الحكومة أنفسهم، لأنهم أقبروا كل وسيلة من وسائل محاربة الفساد بدل تطويرها”.
في السياق ذاته، انتقدت البرلمانية عائشة الكوط عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية ما وصفته بـ”تساهل المجتمع مع ظاهرة الرشوة”، مشيرة إلى أن بعض الأمثال الشعبية مثل “دهن السير يسير” تعكس عمق هذا القبول الاجتماعي، مما يستدعي ـ حسب قولها ـ “التحسيس والتربية من البداية، أي منذ النشء”.
وأضافت الكوط، خلال مناقشة مشروع الميزانية الفرعية لوزارة العدل، أن محاربة الفساد تتطلب مقاربة شمولية تشمل التعليم والإعلام والمجتمع المدني، لا الاقتصار على الزجر القانوني. وانتقدت ما اعتبرته تضييقاً على الجمعيات المدنية في المقتضيات الجديدة للمسطرة الجنائية، موضحة أن “بعض المواد منعت الجمعيات من التبليغ عن حالات الفساد”، وهو ما يتناقض مع مبدأ إشراك المجتمع المدني في تخليق الحياة العامة.
وفي ما يتعلق بحماية المبلغين، أكدت الكوط أن القانون الحالي “يوفر حماية شكلية فقط”، داعية إلى تطوير الإطار القانوني بما يضمن شعور المبلغين والشهود بالأمان الحقيقي، ويحمي مصالحهم من أي انتقام أو تضييق.
كما سلطت الضوء على الصفقات العمومية، معتبرة أنها من أكثر المجالات عرضة للفساد، وقالت: “لا يمكن لأي شركة أن تحصل على صفقة إلا إذا دفعت تحت الطاولة”، مؤكدة أن هذه الممارسات تؤثر سلبا على جودة المشاريع المنجزة، “لأن المقاول الذي يدفع الرشوة يسترجعها من جودة الأشغال أو من تقليص حجمها”.
المصدر:
العمق