حذر تقرير تحليلي للمعهد المغربي لتحليل السياسات، من التحولات العميقة التي مست النظام الغذائي لدى المغاربة خلال العقود الأخيرة، نتيجة سياسات غذائية ركزت على دعم المواد الأساسية كالدقيق والسكر، وأهملت الإنتاج المحلي للبروتينات النباتية.
وأوضح المعهد في تقريره حول “السيادة الغذائية في المغرب”، أن هذه السياسات أفرزت اختلالا مقلقا في الوضع الصحي والتغذوي للسكان، حيث يعاني أكثر من 60 في المائة من المغاربة من زيادة الوزن، فيما بلغت معدلات السمنة حوالي 21 في المائة سنة 2022، بعدما كانت شبه منعدمة في سبعينيات القرن الماضي.
وأشار التقرير إلى أن هذا التحول يعكس ما يعرف بـ“العبء المزدوج لسوء التغذية”، إذ يتزامن ارتفاع استهلاك السعرات الحرارية الفارغة الناتجة عن دعم المواد السكرية والخبز الأبيض، مع تراجع تناول المغذيات الدقيقة كاليود والحديد وفيتامين “A”.
ووفق المعطيات التي أوردها التقرير، فقد ارتفع استهلاك الفرد من السكر من 35 إلى 48 كيلوغراما بين سنتي 2001 و2022، أي ما يعادل أربعة أضعاف التوصيات التغذوية الصادرة عن منظمة الصحة العالمية.
واعتبر المعهد أن النظام الغذائي المغربي التقليدي، الذي كان يقوم على الحبوب الكاملة والبقوليات والزيت والخضر، عرف تحوّلا بنيويا نحو أنماط غذائية غنية بالسكريات والدهون والمنتجات الحيوانية الرخيصة، ما انعكس سلبا على صحة المواطنين وعلى توازن منظومة الإنتاج الفلاحي.
تراجع مقلق في البقوليات
ولفت التقرير إلى أن البقوليات، التي كانت تمثل مصدرا أساسيا للبروتين النباتي في المائدة المغربية، تعاني اليوم من تراجع كبير في الإنتاج والاستهلاك، بسبب ضعف الدعم الموجه لهذا القطاع وتغير العادات الغذائية.
فقد انخفض متوسط استهلاك الفرد من البقوليات من 10.7 إلى 3.6 كيلوغرامات سنويا منذ الثمانينيات، فيما لم تعد تشكل سوى 3 في المائة من المساحة المزروعة بالمملكة، أي ما يعادل نحو 385 ألف هكتار فقط، يتركز معظمها في مناطق الشمال كالشاوية والريف وسيدي قاسم وسلا والزعير.
كما أورد التقرير أن المغرب استورد سنة 2021 حوالي 135.5 ألف طن من البقوليات، نصفها تقريبا من العدس القادم من كندا وتركيا، وهو ما اعتبره المعهد مؤشرا على فقدان البلاد جزءا من سيادتها الغذائية في مجال كان تاريخيا قائما على الإنتاج المحلي.
بالمقابل، أبرز التقرير أن السياسات العمومية شجعت، بشكل غير مباشر، على استبدال البروتين النباتي بالبروتين الحيواني، خاصة لحوم الدواجن الرخيصة، التي شهد إنتاجها ارتفاعا هائلا من 70 ألف طن سنة 1980 إلى 734 ألف طن سنة 2024، فيما قفز إنتاج البيض من 666 مليون وحدة إلى 6.4 مليار وحدة خلال الفترة نفسها.
غير أن التقرير حذر من أن هذا “الاكتفاء الذاتي الظاهري” يخفي تبعية كبيرة للأسواق الخارجية، إذ يعتمد إنتاج لحوم الدواجن على الأعلاف المستوردة -خصوصا الذرة وفول الصويا- من دول بعيدة مثل الأرجنتين والبرازيل والولايات المتحدة، ما يرفع البصمة الكربونية للقطاع ويضعف استقلال القرار الغذائي للمغرب.
ودعا التقرير إلى إعادة الاعتبار للبقوليات المغربية وإدماجها مجددا في النظام الغذائي الوطني، من خلال دعم الإنتاج المحلي وتشجيع الاستهلاك عبر برامج التحسيس والوصفات التقليدية التي طالما شكلت أساس المطبخ المغربي، مثل “الحريرة” و”العدس” و”الفول”.
وأكد التقرير أن هذه الأطباق، التي باتت تُصنف اجتماعيا على أنها “طعام الفقراء”، تحمل في الواقع قيمة غذائية عالية وتُمثل خيارا مستداما لتحسين صحة السكان وتعزيز السيادة الغذائية.
وشدد التقرير على أن تحقيق السيادة الغذائية لا يمر فقط عبر تأمين الكميات المستهلكة، بل أيضا من خلال ضمان جودة الغذاء ومصدره، مشيرا إلى ضرورة وضع استراتيجية وطنية شاملة تعيد التوازن إلى المنظومة الغذائية، وتربط بين الصحة والسيادة والتنمية الفلاحية.
المصدر:
العمق