دفعت جبهة البوليساريو، بدعم مباشر من القيادة العسكرية الجزائرية، العشرات من ساكنة مخيمات تندوف إلى الخروج في مسيرات احتجاجية على مشروع القرار الأمريكي الذي يدعم مبادرة الحكم الذاتي المغربية كحل عملي وواقعي لنزاع الصحراء.
وشهدت المخيمات تعبئة إجبارية لعائلات وأطفال ونساء جرى حشدهم تحت رقابة مشددة من عناصر الجبهة المسلحة، في محاولة لإظهار رد شعبي على التحرك الأمريكي داخل مجلس الأمن الدولي الذي يتجه إلى فرض واقعية الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية.
ووفق مصادر محلية من داخل المخيمات، فإن هذه المسيرات جاءت بتعليمات مباشرة من قيادات البوليساريو، في إطار خطة تهدف إلى صرف الأنظار عن حالة التذمر التي تعيشها المخيمات منذ أسابيع بسبب تدهور الأوضاع الإنسانية واحتكار القيادة الانفصالية للمساعدات الدولية، مشيرة إلى أن “الجبهة استعانت بوحدات عسكرية لتأمين الموكب ومنع أي خروج عن النص، خشية تحوّل المسيرات إلى احتجاجات ضد القيادات نفسها”.
تأتي هذه التحركات الموجهة في وقت تتزايد فيه المؤشرات على اتساع الدعم الدولي للمقترح المغربي، وسط حديث عن توافق داخل مجلس الأمن حول مشروع القرار الأمريكي المرتقب التصويت عليه يوم غد الخميس.
عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكاووتش” المتخصصة في قضايا حقوق الإنسان، قال إنّ أعراض حالة من الذعر بدأت تلوح في الأفق داخل الأوساط العسكرية والسياسية الجزائرية، مع اقتراب مناقشة مجلس الأمن لتمديد ولاية بعثة “المينورسو”، والنظر في مقترحات براغماتية قد تحسم اتجاه الرأي الدولي لصالح المبادرة المغربية القاضية بمنح الصحراويين حكما ذاتيا لتدبير شؤونهم، موضحا أن “تعاظم الدعم الدولي لموقف المملكة المغربية يعكس تحوّلا عميقا نحو إنهاء نزاع طال أمده، واستكمال الوحدة الترابية للمغرب في انسجام مع مقتضيات القانون الدولي”.
وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التحركات الأخيرة للسلطات الجزائرية وجبهة البوليساريو تؤكد وجود خطط معدّة مسبقا للرد على الجهود الأمريكية الرامية إلى وضع أرضية جادة للنقاش حول سبل إنهاء النزاع، مشيرا إلى أن “واشنطن تستند في مقاربتها إلى اعتراف الرئيس دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء ودعمه الواضح لمقترح الحكم الذاتي كمنطلق عملي للحل”، ولفت إلى أن “الولايات المتحدة تمارس ضغوطا مكثفة لتهيئة الظروف أمام مفاوضات مباشرة بين الأطراف الرئيسية، في أفق التوصل إلى تسوية سياسية واقعية بضمانات أممية ودولية”.
وأبرز نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية أن تسريب معطيات حول امتناع الجزائر عن التصويت، وترويج أخبار عن رفض البوليساريو التعاون في حال اعتماد القرار الأمريكي، أمر يكشف ارتباكا واضحا داخل معسكر الجزائر والبوليساريو.
وأكد المحلل الصحراوي أن الجزائر لا تريد استفزاز الولايات المتحدة، لكنها في المقابل تحاول التأثير في مسار اعتماد القرار الأممي عبر تحركات دعائية، أبرزها تجنيد الأطفال والنساء في مسيرات بمخيم أوسرد لتقديم صورة مزيفة عن الرفض الشعبي للمبادرة الأمريكية.
وسجل المهتم بنزاع الصحراء أن إقدام البوليساريو على إخراج التلاميذ اليافعين من مدارسهم وتلقينهم شعارات عدائية يبرز حالة التراجع التي تعيشها الجبهة وانكشاف أطروحاتها الزائفة، معتبرا أن “هذا السلوك يعكس بداية السقوط السياسي والأخلاقي لتنظيم فقد مصداقيته داخليا ودوليا”.
وبخصوص استغلال الأطفال في الحملات السياسية داخل المخيمات، أورد الكاين أن ما تقوم به الجبهة يشكل تجييشا لرموز البراءة والمصداقية الأخلاقية، ويعد انتهاكا صارخا للالتزامات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الأطفال وعدم الزج بهم في صراعات سياسية، مضيفا أن “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية يعتبر هذا النهج سلاحا جبانا ومثيرا للجدل يهدف إلى إنتاج خطاب عاطفي مضلل لحشد الدعم لأجندة الجزائر والبوليساريو”.
وفي هذا السياق، يرى عبد الوهاب الكاين أن اعتماد هذه الاستراتيجية يُنتج انتهاكات متعددة تمس القيم الأخلاقية للمجتمعات وتكرس الاستغلال السياسي للأطفال، مشددا على أن القاصرين في مخيمات تندوف يُجبرون على المشاركة في هذه الأنشطة تحت ضغط أجهزة الأمن الجزائرية وعناصر البوليساريو، وفي ظل غياب حرية التعبير وغياب أي موافقة أو أهلية قانونية تسمح لهم بذلك، مذكرا بأن “هذه الممارسات تؤكد الطابع القسري لواقع المخيمات، وتكشف حجم الانتهاكات التي تمارس باسم الدفاع عن قضية فقدت مبرراتها السياسية والأخلاقية”.
من جانبه، سجل دداي بيبوط، فاعل سياسي باحث في التاريخ المعاصر والحديث، أن ما أقدمت عليه جبهة البوليساريو من إقحام مئات الأطفال في أشكال احتجاجية مصطنعة يثير الدهشة والامتعاض، مضيفا أن “هذا السلوك يدخل في إطار محاولة خلق واقع موجه ضد المبادرة الأمريكية الداعمة للمقترح المغربي المقدم منذ سنة 2007، الذي يهدف إلى كسر حالة الجمود في مسار التسوية الأممية”، مشيرا إلى أن “اللجوء إلى هذه الأساليب يؤكد إفلاس الأطروحة الانفصالية، بعدما أصبحت عاجزة عن تقديم رؤية واقعية تتماشى مع تطورات الموقف الدولي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي المغربية”.
وتساءل بيبوط: “هل ننظر نحن كسياسيين وباحثين إلى الأطفال باعتبارهم رمزا للصفاء والأمل واستمرارية المجتمعات، أم نحولهم إلى أدوات دعائية لخدمة أجندات سياسية مغرضة؟”. وزاد شارحا: “إن ما يجري اليوم داخل مخيمات تندوف يعكس توظيفا سياسيا فاضحا لصور القاصرين في حملات إعلامية معدة مسبقا، الهدف منها التأثير العاطفي في الرأي العام الدولي، خصوصا في الدول الغربية التي تتناول النزاع بسطحية، بهدف خلق تعاطف زائف وحشد مواقف ضاغطة قبيل تصويت مجلس الأمن على القرار المرتقب حول الصحراء”.
وأوضح الفاعل السياسي ضمن إفادته لهسبريس أن ظهور الأطفال في مشاهد مدبرة لا يمكن قراءته إلا كتلاعب سياسي وإعلامي منظم يراد به تزييف الواقع وتحريف الحقائق لخدمة مواقف الجزائر والبوليساريو، مؤكدا أن “هذه الصور تمثل استغلالا مرفوضا لرمزية الطفولة في الخطاب السياسي، وهي محاولة لتوظيف العاطفة من أجل تغطية العجز الميداني والدبلوماسي للجبهة”.
ولفت المتحدث ذاته الانتباه إلى أن الفاعلين السياسيين في الأقاليم الجنوبية يعملون على فضح هذه الممارسات، وتوضيح الحقائق أمام الرأي العام الدولي، من خلال إبراز واقع المخيمات المأساوي، خصوصا مع استغلال الأطفال والنساء في حملات دعائية ممولة جزائريا لتبرير مواقف متهالكة.
وتابع الباحث الأكاديمي بأن “الظهور الممنهج للأطفال الصحراويين في محيط مخيمات تندوف يهدف أساسا إلى تهويل القضية وتزييف الحقائق لصرف الأنظار عن الدعم المتزايد لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي”. مشددا على أن “الفاعلين السياسيين في الأقاليم الجنوبية يعملون بجد لتصحيح هذه المغالطات وكشف الظروف المأساوية داخل المخيمات، خاصة مع استغلال جبهة البوليساريو للأطفال والنساء في حملات دعائية ممولة جزائريا”.
ونبّه المتخصص في نزاع الصحراء إلى أن استغلال الأطفال لأغراض سياسية ودعائية يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي، ويطرح تساؤلات حول مسؤولية الدولة الحاضنة للمخيمات، داعيا جميع الفاعلين السياسيين والمدنيين إلى التنديد بهذه الممارسات.
وعن خرق الجزائر لالتزاماتها الدولية، أوضح بيبوط أن ما يجري بمخيمات تندوف القابعة في التراب الجزائري يتنافى مع بنود اتفاقية الأمم المتحدة حول حقوق الأطفال التي تنص على حماية كرامتهم وعدم الزج بهم في صراعات سياسية.
وأنهى دداي بيبوط حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن إقحام الأطفال في أجندة دعائية مسيّسة لا يمس فقط القيم الأخلاقية للمجتمعات، بل يشكل دليلا إضافيا على الانهيار الأخلاقي والسياسي لجبهة البوليساريو وفشل الجزائر في الوفاء بالتزاماتها الدولية تجاه حماية الطفولة داخل المخيمات التي تخضع لنفوذها الفعلي.
المصدر:
هسبريس