حسم حسن واتارا نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت أخيرا في كوت ديفوار، حسب النتائج الأولية التي أعلنتها اللجنة الانتخابية المستقلة بداية الأسبوع الجاري، ليضمن البقاء على رأس السلطة في “أرض الفيلة والعاج”، متفوقاً بفارق كبير على أقرب منافسيه، السياسي ووزير التجارة الأسبق جان لوي بيلون، الذي هنأه بفوزه، مشيداً بنضج الشعب الإيفواري وداعياً في الوقت ذاته إلى “طي صفحة المرحلة الانتخابية والتفرغ لبناء أمة موحدة ومزدهرة”، حسب وسائل إعلام محلية.
ومنذ توليه الحكم أواخر العام 2010 لم يخف واتارا ميوله نحو تعزيز الروابط الإستراتيجية والعلاقات مع المغرب في جميع المجالات، وهو ما جعل العديد من الأوساط الإعلامية والدبلوماسية تسميه صديق المغرب أو صديق الملك محمد السادس، الذي يرى فيه رفيق درب إستراتيجي يشترك معه في رؤية التقدم والاستقرار والتنمية، إذ تعد العاصمة أبيدجان من أكثر العواصم الإفريقية زيارة من طرف العاهل المغربي.
وأقيمت العلاقات الدبلوماسية بشكل رسمي بين المغرب وكوت ديفوار في بداية ستينيات القرن الماضي، مدعومة بالصداقة التي كانت تجمع الملك الراحل الحسن الثاني بالرئيس الإيفواري الراحل هوفويت بوانيي، قبل أن تترسخ بشكل أكبر منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، الذي تحرك بنشاط على الساحة الإفريقية ودعم التقارب والتعاون بين دولها وشعوبها.
وتشكل عودة واتارا إلى قمة السلطة في هذا البلد الإفريقي بوابة مفتوحة لاستمرار تعزيز الروابط والعلاقات بين البلدين، التي تتجلى في شبكة واسعة من الشراكات الاقتصادية والسياسية، بحيث يُعد المغرب من كبار المستثمرين في هذا البلد في عدة قطاعات. كما تدعم أبيدجان سيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية التي فتحت بها قنصلية عامة لها سنة 2020، فيما تجمع بين شعبي البلدين روابط تاريخية وثقافية وإنسانية عميقة تجلت إحدى تمظهراتها في تبرع المغرب بمعدات ومنتجات طبية للشعب الإيفواري خلال فترة جائحة كورونا، وغيرها من المبادرات ذات البعد الإنساني.
المحلل السياسي سعيد بركنان قال إن “فوز الرئيس الحسن واتارا لولاية رابعة هو اختيار شعبي للاستقرار الذي يسير عليه هذا البلد، إذ إنه رغم الاحتقان السياسي الذي يعيشه بعد الإقصاء القضائي لرموز المعارضة من السباق الانتخابي فإن الاستقرار الاقتصادي والنمو الذي يشهده هو ما أوصل واتارا مرة أخرى إلى رئاسة البلاد”.
وعلى مستوى العلاقات المغربية الإيفوارية أوضح بركنان، في تصريح لهسبريس، أن “لغة الاقتصاد هي أساس العلاقة بين المغرب وكوت ديفوار، التي تقدم نموذجاً متطوراً مبنياً على المصالح المشتركة، خاصة أن التوجه المغربي منذ الاستعداد للعودة إلى الاتحاد الإفريقي كان مبنياً بالأساس على الدبلوماسية الاقتصادية”.
وتابع المتحدث ذاته بأن “كوت ديفوار كانت، لاعتبارات أخرى منها العلاقات التاريخية والشخصية بين قيادات البلدين، من الدول التي سعى المغرب منذ عهد الرئيس هوفويت إلى ربط علاقات اقتصادية قوية معها، وهي الروح الدبلوماسية نفسها التي مازالت تتأسس عليها العلاقات المغربية الإيفوارية، خاصة أن الحسن واتارا هو مرشح الحزب الحاكم، أي تجمع أنصار هوفويت من أجل الديمقراطية والسلم”.
وشدد المحلل نفسه على أن “الاستقرار والنمو الاقتصادي أهم العوامل التي تحقق التنمية والسلم والديمقراطية، وهي الرؤى المشتركة نفسها التي تتأسس عليها العلاقات بين الرباط وأبيدجان، وتتأسس عليها أيضاً رؤيتهما المشتركة للمشاريع الكبرى التي تعتمد عليها القارة الإفريقية من أجل النهوض بواقعها، وخاصة في الغرب؛ وبالتالي فإن استمرار واتارا هو استمرار للصعود الاقتصادي لكوت ديفوار، وهو ضمان للرؤية الاقتصادية المشتركة بين البلدين، خاصة أن هذا البلد شريك مهم في أغلب المشاريع الكبرى الإقليمية التي يعتمد عليها المغرب، مثل أنبوب الغاز النيجيري ومشروع الواجهة الأطلسية الإفريقية”.
قال الوزاني الشاهدي، رئيس جمعية مجلس المغاربة المقيمين بكوت ديفوار: “أولاً وقبل كل شيء نهنئ السيد الرئيس حسن واتارا بهذا النجاح المرموق في الانتخابات الرئاسية، ونهنئ الشعب الإيفواري كذلك بهذا الإنجاز السلمي”، مضيفاً أن “العلاقة بين المغرب وكوت ديفوار ليست حديثة اليوم، بل تعود لعقود، لكنها نمت بشكل كبير بعد الزيارات التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى هذا البلد منذ سنة 2013”.
وزاد الشاهدي شارحاً: “بعد هذه الزيارات كان هناك تغير كبير في العلاقات بين البلدين، إذ تم التوقيع على كثير من الصفقات والمعاهدات بينهما، وهذا له أثر إيجابي كبير على الجالية المغربية في هذا البلد المضياف، وهو ما نلمسه كل يوم في العلاقات مع الشعب الإيفواري الطيب الذي لم نشعر يوماً بالغربة وسطه”.
وأوضح المصرح لهسبريس أن “المعاهدات التي وُقعت كانت سبباً في تأسيس عدة شركات مغربية في كوت ديفوار”، مردفا: “نرجو من المزيد من المستثمرين المغاربة والشركات المغربية أن يستثمروا في هذا البلد الطيب الذي يفتح فرصاً في عديد المجالات”، ومشيراً على صعيد آخر إلى أن “البلدين لهما تقريباً العادات والتقاليد والأعراف نفسها، ما يسهّل التعايش بين أفراد شعبيهما”.
وخلص المتحدث إلى أن “صورة المغرب والمغاربة لدى الشعب الإيفواري طيبة جداً”، خاتما: “نحن نؤكد على جميع أفراد الجالية في كل اجتماعاتنا أن يكون كل واحد منا سفيراً ممثلاً لبلده أحسن تمثيل، لأنه يجب علينا الحفاظ على المجهود الجبار الذي قام به الملك محمد السادس في الرقي بالعلاقات مع هذا البلد وإفريقيا عامة”.
المصدر:
هسبريس