تضمنت التعديلات التي تتجه الحكومة إلى إدخالها على القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، مستجدا يتعلق بتشجيع الشباب دون سن الـ35 على الترشح كمستقلين خارج مظلة الأحزاب السياسية، وذلك بتمويل ثلاثة أرباع مصاريف الحملة الانتخابية، وهو التعديل الذي أثار نقاشا وجملة من الأسئلة.
ونصت المادة 24 من مشروع القانون على أنه “يجوز للوائح الترشيح المقدمة برسم الدوائر الانتخابية المحلية من لدن مترشحين بدون انتماء حزبي، التي تتضمن، في كل لائحة ترشيح معنية، مترشحين مرتبين بالتناوب بين الجنسين ولا يزيد عمر كل واحد منهم على 35 سنة في تاريخ الاقتراع، الاستفادة من دعم مالي عمومي يعادل خمسة وسبعين في المائة (%75) من المصاريف الانتخابية للائحة الترشيح بمناسبة حملتها الانتخابية”.
غير أن هذا التعديل يثير تساؤلات حول تداعياته المحتملة، إذ قد يسهم في بلقنة البرلمان وتشتيت المشهد السياسي، فضلا عن تساؤلات تتعلق بالجانب المالي والتنظيمي، وبأثر هذه الخطوة على دينامية المشاركة السياسية لدى الشباب، ومدى إسهامها في استعادة الثقة أو تكريس العزوف.
ويسمح القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، في صيغته الحالية، بترشح الأشخاص المستقلين أو بدون انتماء حزبي بغض النظر عن عمرهم، “لكن وفق مسطرة صارمة، حددتها الفقرة التاسعة من المادة 23 من القانون التنظيمي رقم 27.11 المتعلق بمجلس النواب، التي حددت الشروط الواجب على لوائح الترشيح أو التصريحات الفردية المقدمة من قبل مترشحين بدون انتماء سياسي إرفاقها بلوائحهم”، يشير أستاذ العلوم السياسية عبد الغني السرار.
وتابع الأستاذ بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة أن هذه الشروط كانت “تعجيزية إلى حد ما”، خاصة ما يتعلق بجمع التوقيعات، فضلا عن كونها لم تكن مخصصة حصريا للشباب، وهذا الحق الذي أعطاه المشرع للمستقلين لم تسقطه التعديلات التي طالت القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب في نسختيه (2026 و2021)، بيد أن المادة 24 منهما كانت تمنع الترشيحات المتعددة.
إشكاليات متعددة
واعتبر المحلل السياسي والخبير في القانون الدستوري رشيد لزرق أن تشجيع الشباب دون الخامسة والثلاثين على الترشح كمستقلين “خطوة ذات دلالات سياسية ودستورية عميقة”، لأنها تندرج ضمن روح الفصل 30 من الدستور الذي يضمن حق كل مواطن ومواطنة في التصويت والترشيح دون تمييز، كما تعكس إرادة الدولة في تجديد النخبة السياسية وضخ دماء جديدة في المؤسسات التمثيلية.
واستدرك لزرق، في تصريح لجريدة “العمق”، “غير أن تخصيص دعم عمومي بنسبة 75% من المصاريف الانتخابية يطرح إشكاليات متعددة تتعلق بمدى انسجام هذا التوجه مع فلسفة النظام الحزبي كمقوم أساسي للحياة السياسية المنصوص عليه في الفصل 7 من الدستور”.
ونبه إلى أن هذا الإجراء قد يفتح المجال أمام مبادرات فردية ذات طابع ظرفي، ما يهدد وحدة التمثيل البرلماني ويفتح الباب أمام بلقنة المشهد السياسي وصعوبة تشكيل الأغلبية الحكومية، “خصوصا إذا لم تُضبط العملية بمعايير صارمة تضمن الجدية والالتزام بالمسؤولية السياسية”.
ومن جهة أخرى، يضيف المتحدث، “يثير الجانب المالي والتنظيمي تساؤلات حول قدرة الدولة على مراقبة نجاعة صرف هذا الدعم ومدى تكافؤ الفرص بين المرشحين المستقلين والأحزاب المنظمة، إذ تظل هذه الأخيرة متفوقة من حيث الخبرة اللوجستيكية والقدرة على التعبئة الميدانية”.
تمييز إيجابي
ويرى السرار أن هذا التعديل يعتبر تدبيرا سياسيا يدخل في إطار “التمييز الإيجابي” الممنوح لهذه الفئة العمرية التي ظلت بعيدة، “أو إن صح التعبير تم استبعادها عن قصد من المشهد السياسي، بالرغم من أن المادة 26 من القانون التنظيمي رقم 11.29 المتعلق بالأحزاب السياسية كانت تنص على ضرورة توسيع مشاركة الشباب في التنمية السياسية للبلاد، وإشراكهم في الأجهزة المسيرة للأحزاب”.
لكن، يضيف المتحدث، أغلب الأحزاب كانت “تميل إلى إقصاء وتهميش الشباب من الأجهزة المسيرة وتجاهلهم بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية”، حيث ظلت نخب حزبية تسيطر وتتحكم في التزكيات الحزبية بمنحها لأشخاص ليس لهم رصيد معرفي أو نضالي سوى أنهم يملكون من الموارد المالية ما يجعلهم يخوضون الاستحقاقات الانتخابية حتى لو كان الأمر على حساب نفقتهم الخاصة.
وأضاف أن الأحزاب السياسية التي كانت تنظر إلى الشباب كخزان انتخابي هي نفسها اليوم من تضايقت من هذه التدابير التشريعية الرامية إلى تعزيز وتحفيز مشاركتهم في الاستحقاقات الانتخابية، “لأنها اعتادت استغلال صوت الشباب بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية والتوظيف السياسي والظرفي لقضايا الشباب في حملاتها الانتخابية، كما اعتادت توزيع التزكيات على أساس زبائني”.
هذا الخلل في تدبير التزكيات الذي ينضاف إلى عطب تنظيمي آخر يتمثل في تمسك نفس الوجوه بالزعامة، يقول السرار، جعل من الأحزاب السياسية تدبر بمنطق المقاولات الخاصة، عوض أن تكون خزانا لصناعة النخب القادرة على تدبير الشأن العام بمستوييه الوطني والترابي، “مما أفرز أزمة حكامة تدبيرية داخل المؤسسات المنتخبة وساهم في عزوف ونفور الشباب عن المشاركة السياسية”.
بين البلقنة وإعادة الثقة
“أما بخصوص بعض مناضلي الأحزاب السياسية الذين يرون أن من شأن هذه الخطوة أن تساهم في بلقنة البرلمان وتشتيت المشهد السياسي وإضعاف الأحزاب السياسية، فيمكن القول إن موقفهم هذا لا يستند إلى مبررات واقعية وموضوعية، لأن حالة التردي أو الموت الإكلينيكي الذي وصل إليه المشهد الحزبي الحالي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون مشاركة الشباب أسوأ منه”، يضيف السرار.
واعتبر أن الحكم على هذا التدبير قبل تفعيله فيه نوع من المبالغة أو التضليل من قبل مناضلي بعض الأحزاب السياسية، خاصة وأن هذه التجربة لا زالت في بدايتها التأسيسية، بل من غير المستبعد أن يكون لها وقع إيجابي على الأحزاب السياسية بخلق دينامية سياسية داخل المشهد الحزبي وإضفاء جاذبية على العمل السياسي، بحسب تعبيره.
ومن الناحية السوسيولوجية، يقول لزرق، فإن تمكين الشباب من خوض التجربة الانتخابية بشكل مستقل قد يعيد بعض الثقة إلى فئة فقدت الإيمان بجدوى الوساطة الحزبية، منبها إلى أنه قد يتحول إلى مجرد تعبير احتجاجي ظرفي لا يؤسس لمسار تمثيلي مستدام، في غياب تأطير سياسي ومواكبة مؤسساتية.
وتابع رشيد لزرق أن التحدي الحقيقي يكمن إذن في إيجاد توازن بين حق الترشح الحر ومبدأ التأطير الحزبي المنظم، حتى لا يتحول الإصلاح الانتخابي إلى عامل تفتيت بدل أن يكون رافعة لتجديد النخبة وتعزيز المشاركة السياسية الفاعلة، بحسب تعبيره.
المصدر:
العمق