يشارك المغرب إلى جانب عدد من الدول الأخرى في مناورات “نصرت 2025” التي تستضيفها تركيا في الفترة من 24 إلى 31 أكتوبر الجاري، بمشاركة القوات البحرية والجوية لهذا البلد ولبلدان أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حسب ما أفاد به بيان لوزارة الدفاع التركية.
وتهدف هذه المناورات، التي تجرى بمنطقتي “تشاناك قلعة” و”خليج ساروس”، إلى تعزيز المعرفة والمهارات لدى الوحدات والقيادات المشاركة في تخطيط وتنفيذ وتقييم عمليات الحرب البحرية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون المتبادل وقابلية التشغيل المشترك بين القوات البحرية التركية والقوات البحرية للدول المشاركة.
وتشارك في تمارين “نصرت 2025” وحدات من القوات البحرية والجوية وخفر السواحل التركية، إلى جانب عناصر من “مجموعة الناتو الثانية الدائمة لمكافحة الألغام”، وممثلين عن حوالي 44 دولة، منها المغرب والبحرين والإمارات وإندونيسيا والكويت ومصر والسعودية ودول أخرى.
عبد الرحمن مكاوي، الخبير في الشؤون العسكرية، قال إن “حضور المملكة المغربية في هذا التمرين العسكري متعدد الجنسيات يعد خطوة محورية لتعزيز قدراتها البحرية والجوية، وفتح قنوات تعاون معمّق مع حلفائها الإستراتيجيين في المنطقة، خاصة أن المغرب يوجد في موقع جيوسياسي حساس يواجه تحديات أمنية متزايدة تفرض عليه التطوير المستمر لخبراته العملياتية، خاصة في مجال الحرب بالألغام والمسيرات البحرية”.
وأضاف مكاوي في حديث مع هسبريس أن “مثل هذه المناورات تمنح المغرب فرصة مهمة لتبادل الخبرات مع حلفاء دوليين، والاستفادة من أحدث أساليب التخطيط والتنفيذ والتقييم في تقنيات الحروب ومواجهة التهديدات البحرية، والاطلاع على أحدث التقنيات الضرورية لحماية السواحل وتأمين الممرات البحرية الإستراتيجية كمضيق جبل طارق”.
وسجل الخبير ذاته أن “الحضور المغربي في هذا الحدث العسكري يعكس التزام الرباط بالمعايير الدولية للأمن البحري، ويؤكد قدرتها على العمل المشترك مع مختلف القوى العسكرية في سياقات متعددة”، وزاد: “كما توفر هذه التدريبات منصة متقدمة لتطوير قدرات القوات المغربية بمختلف تشكيلاتها على الابتكار والجاهزية العملياتية لمواجهة التهديدات المتجددة”.
وخلص المتحدث إلى أن “مشاركة المغرب في هذا التمرين تعكس اهتمام القيادة العامة للقوات المسلحة المغربية، في شخص الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، بالعقيدة العسكرية البحرية وفهمه العميق لأهمية الأمن البحري، ولأهمية دمج خبراته الوطنية مع أفضل الممارسات الدولية؛ إذ لا تكتفي المملكة بالمراقبة النظرية فقط، بل تعمل على اختبار قدراتها في بيئات مختلفة وفي إطار من التعاون، بما يعزز جاهزيتها للتعامل مع أي تحديات بحرية محتملة”.
هشام معتضد، الباحث في الشؤون الإستراتيجية، أوضح أن “دعوة المغرب للمشاركة في هذه المناورات تمثل ترجمة دقيقة لوزن الرباط داخل الهندسة الإستراتيجية الجديدة التي تتقاطع فيها مصالح الناتو مع توازنات البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود”، مضيفًا أن “الحضور المغربي في مثل هذه المناورات يعكس اعترافًا ضمنيًا من القوى الغربية بالدور المتنامي للرباط كفاعل أمني موثوق به، يجمع بين الواقعية السياسية والاستقرار العملياتي في بيئة إقليمية شديدة الاضطراب”.
ومن الناحية العسكرية التقنية أكد معتضد أن “المشاركة المغربية تتيح للقوات البحرية الملكية الانخراط في فضاء تدريبي متقدم، يختبر مهاراتها في مجالات حساسة مثل حرب الألغام، التنسيق البحري متعدد الأطراف، وإدارة العمليات المشتركة”، مردفا: “هذه الخبرات ليست مجرد رفاهية عسكرية، بل تمثل استثمارًا مباشرًا في قدرات الردع البحري المغربي، خاصة في ظل التحولات المتسارعة في البحر المتوسط والتهديدات العابرة للسواحل”.
أما من الزاوية الإستراتيجية فاعتبر المصرح لهسبريس أن “المناورات تمثل فرصة للمغرب لتثبيت حضوره في شبكات الأمن البحري متعددة الأطراف، التي أصبحت اليوم منصة غير رسمية لإعادة رسم موازين القوة”، مبرزًا أن “الربح الإستراتيجي الأعمق يكمن في أن المغرب ينجح تدريجيًا في التحول من مستفيد من الأمن إلى مُنتج له، فكل مشاركة من هذا النوع تضيف لبنة جديدة في مسار بناء عقيدة عسكرية مغربية متكاملة، قادرة على التفاعل مع الأطر العملياتية لحلف الناتو دون أن تفقد استقلاليتها الإستراتيجية”.
وتابع معتضد: “ثمّة أيضًا رمزية سياسية دقيقة في هذا الحضور، فبينما تتردد بعض الدول الإقليمية في الانخراط ضمن التمارين متعددة الجنسيات خوفًا من الاصطفاف يذهب المغرب بخطى ثابتة نحو سياسة دفاعية هجينة، قوامها التعاون دون التبعية، والانفتاح دون التفريط في القرار السيادي. هذه القدرة على اللعب في كل الميادين دون فقدان التوازن هي التي تجعل الرباط اليوم فاعلًا يُحسب له حساب في دوائر التخطيط العسكري داخل الحلف الأطلسي”.
المصدر:
هسبريس