كشفت الأرقام الصادرة عن المجلس الأعلى للسلطة القضائية برسم 2024 عن تحول اجتماعي عميق في مفهوم الزواج بالمغرب، حيث سجلت إحصاءات الطلاق ارتفاعا مقلقا تهيمن عليه مسطرة “التطليق للشقاق” إلى جانب “الطلاق الاتفاقي”. وبيّن التقرير أن نحو 97% من حالات الطلاق تتم عبر هاتين المسطرتين، وهو ما دفع الخبراء للتحذير من أن “التيسير الإجرائي” لمدونة الأسرة لإنهاء الزواج لا يعني بالضرورة تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية بعد الطلاق.
أوضحت نجية تزروت، رئيسة شبكة الرابطة إنجاد ضد عنف النوع، أن الغالبية العظمى من حالات الطلاق عبر الشقاق والاتفاق تشير إلى أن مدونة الأسرة سهلت إجراءات إنهاء الزواج مقارنة بالوضع قبل عام 2004. وأضافت أن هذا الرقم يعكس تحولا في طبيعة الزواج، إذ لم تعد النساء رهينات لمسطرة التطليق التقليدي أو لسلطة الزوج، بل صرن يلجأن إلى القضاء لإنهاء العلاقة ضمن الحماية القانونية لمسطرة الشقاق. ومع ذلك، أشارت إلى أن هذا التيسير غالبا ما يكون إجرائيا وليس حقوقيا، أي أنه يسهل فك الرابطة الزوجية دون ضمان عدالة اقتصادية أو اجتماعية للطرف الأضعف بعد الطلاق.
إقرأ أيضا: أزيد من 40 ألف حالة طلاق بالمغرب في 2024.. والزواج ينتهي وديا في 97% من الحالات
في السياق نفسه، أعربت تزروت عن قلق حقوقي متزايد من أن ارتفاع الطلاق الاتفاقي قد يخفي إكراها واقعيا، حيث تلجأ النساء للتنازل عن حقوقهن المادية مثل النفقة والمتعة والسكن لتجنب طول وتعقيد المساطر القضائية والخوف من النزاع. وحذرت رئيسة شبكة الرابطة إنجاد من أن هذا التنازل لا يعبر دائماً عن إرادة حرة، بل عن “إكراه واقعي” يفرضه بطء العدالة أو الحاجة النفسية للانفصال السريع، مما يفرغ مبدأ العدالة بين الزوجين من محتواه العملي، ويحول الطلاق الاتفاقي أحيانا إلى تنازل غير متكافئ على حساب المرأة والأطفال.
بعد صدور الأحكام، يواجه النساء والأطفال تحديا آخر يتمثل في تنفيذ النفقة. وأوضحت تزروت أن أبرز الصعوبات تتمثل في ثلاثة محاور رئيسية: تعقيد المساطر وطولها، تهرب الأزواج من الأداء وعدم توفر دخل رسمي يمكن الحجز عليه، وضعف دور صندوق التكافل العائلي وعدم كفايته. وشددت على أن هذه العراقيل تؤدي إلى إضعاف الحماية الاقتصادية للأم والطفل، وتجعل الكثير من الأحكام القضائية حبر على ورق، ما يفرغ مبدأ “العدالة الاجتماعية بعد الطلاق” من مضمونه.
اختتمت نجية تزروت تحليلها بالدعوة إلى مراجعة شاملة وعميقة لمدونة الأسرة، مؤكدة أن الأرقام الحالية تشكل مؤشرا قويا على الحاجة إلى التغيير. وطالبت بأن تركز المراجعة ليس فقط على تبسيط المساطر، بل على ضمان توازن حقيقي بين الحق في إنهاء العلاقة وحماية الطرف الأضعف. وأوضحت أن المواد التي تحتاج إلى تعديل تشمل بالأساس المواد المنظمة للطلاق والتطليق (من 78 إلى 94) لتسريع المساطر دون الإضرار بالحقوق المادية، إضافة إلى المادة 84 وما يليها الخاصة بالمستحقات بعد الطلاق، وضرورة مراجعة المواد 168 و190 المتعلقة بالنفقة والحضانة لإقرار آليات تنفيذ ناجعة وسريعة.
 المصدر:
        
             العمق
    
    
        المصدر:
        
             العمق