كشف تحقيق مستقل أجراه خبراء قانونيون ومتخصصون في الشأن العقاري، عن معطيات مفصلة تتعارض بشكل مباشر مع الرواية الإعلامية التي سبقت قرار إنهاء مهام عامل عمالة إنزكان أيت ملول، إسماعيل أبو الحقوق، ليلة 11 شتنبر 2025.
ويشير التحقيق، الذي استند إلى مجموعة من الوثائق الرسمية والمقابلات مع مصادر مطلعة، إلى أن الاتهامات بـ”تحويل وعاء عقاري مخصص لمؤسسة تعليمية إلى مركز تجاري” تفتقر إلى الدقة، وأن المسار القانوني للعقار والترخيص الممنوح له كانا متوافقين مع القوانين الجاري بها العمل.
وجاء قرار إعفاء العامل أبو الحقوق، الذي يُعيين في هذا المنصب منذ غشت 2018، بشكل مفاجئ ودون إعلان رسمي عن الأسباب، حيث تزامن القرار مع نشر مقالات صحفية، ألمحت إلى وجود شبهات استغلال نفوذ وتجاوزات في ملف عقاري يتعلق بشركة “SAKANE 3D”.
وفي هذا السياق، أفاد مصدر مقرب من الشركة بأن المقال تضمن “معلومات مغلوطة” و”تضليلا للرأي العام”، نافيا صحة الوقائع المذكورة، مؤكدا أن الشركة تكبدت خسائر جسيمة جراء الإساءة لسمعتها التجارية، مؤكدا أن المقال بني على تحامل غير بريء دون استقصاء الحقائق من جميع الأطراف.
ويكشف التحقيق الذي أجرته المجموعة بناء على وثائق رسمية، واطلعت عليه جريدة “العمق” وتوصلت بكافة وثائقه، عن مسار قانوني معقد للعقار موضوع الجدل، ينفي تماما الرواية المتداولة إعلاميا، حيث تشير المعطيات إلى أن العقار كان في الأصل في ملك الدولة الخاص، قبل أن تشتريه “المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء للجهة الجنوبية” (ERAC SUD) عام 1989.
ولاحقا، قامت شركة “العمران” (وريثة ERAC SUD) بعملية ضم وتقسيم للأراضي، واستخرجت للعقار رسما عقاريا مستقلا (رقم 18834/60)، وبتاريخ 5 دجنبر 2017، باعت “العمران” هذا العقار لشركة خاصة تدعى “TISLIT SAKAN”، حيث لم تكن عملية بيع تقليدية، بل كانت نتيجة بروتوكول اتفاقي معقد يعود إلى مارس 2016.
وبموجب هذا الاتفاق، تنازلت شركة “BASTIF” (التي يملكها نفس شركاء “TISLIT SAKAN”) عن جزء من أرض تملكها بالدشيرة الجهادية لصالح “العمران” لإنشاء منافذ لمشروع سكني، مقابل أن تفوت “العمران” عقار إنزكان لشركة “TISLIT SAKAN”، مع أداء مبلغ إضافي قدره 2,335,500.00 درهم.
والأهم من ذلك، وفق معطيات التحقيق، أن العقار كان مخصصا كمرفق عمومي في تصميم تهيئة سنة 2002، والذي انتهت صلاحيته القانونية في 2012. وبحسب المادة 28 من قانون التعمير 25.90، فإن عدم قيام الجهات العمومية باقتناء العقار خلال فترة سريان التصميم يؤدي إلى سقوط تخصيصه للمنفعة العامة “بقوة القانون”، وهو ما حدث بالفعل، مما حرر العقار من أي تحملات.
أما الادعاء الأساسي بشأن تحويل أرض مخصصة لمدرسة، فقد كشف التحقيق عن وجود تضليل في الموضوع، حيث أفاد إطار بمصلحة التعمير بجماعة إنزكان أن تصميم التهيئة المصادق عليه في 6 يوليوز 2023 هو الوثيقة القانونية الوحيدة السارية المفعول، أما ما سمي إعلاميا بـ”تصميم تهيئة 2021″ الذي حمل مقترح إنشاء مدرسة على العقار، فلم يكن سوى “وثيقة عمل تحضيرية ودراسة أولية” قدمتها الوكالة الحضرية، لا تكتسي أي صبغة قانونية ملزمة، حيث تم استبعاد هذا المقترح خلال اجتماعات اللجان التقنية والإقليمية لعدة أسباب.
ومن بين تلك الأسباب أن الدراسة الأولية لم تأخذ بعين الاعتبار وجود مدرسة خاصة قائمة بالفعل في الجوار المباشر، مما يجعل إنشاء مدرسة عمومية أخرى غير ذي جدوى، بالإضافة إلى أن مساحة العقار المتبقية بعد خصم الطرق المحاذية لا تتوافق مع معايير وزارة التربية الوطنية، التي تشترط حدا أدنى لا يقل عن 5000 متر مربع للمدارس الابتدائية (رسالة الوزير بتاريخ 2 أكتوبر 1998).
وبناء على ذلك، أجمعت اللجان على استبعاد المقترح، وقامت بتوطين المرفق المدرسي في موقع آخر أكثر ملاءمة ضمن تصميم التهيئة النهائي المصادق عليه، وهو ما يمكن التأكد منه بالرجوع إلى وثائق التصميم.
وبعد أن اشترت شركة SAKANE 3D العقار بتاريخ 27 مارس 2023، تقدمت بطلب رخصة البناء عبر المنصة الرقمية “ROKHAS” بتاريخ 16 غشت 2023، وهو ما اعتبره التحقيق أمرا يفند ادعاءات استغلال النفوذ.
وأشار التحقيق إلى أن الملف خضع للمسطرة القانونية، حيث درسته كل من الوكالة الحضرية، الجماعة، وقسم التعمير بالعمالة، وحصل على الرأي الإيجابي الملزم من الوكالة الحضرية، مشددا على أن حصول الملف على “رخصة استثنائية”، هو مجرد “أكذوبة”، لأن هذا النوع من الرخص لم يعد معمولا به منذ فبراير 2020.
وأضاف التحقيق، أنه على عكس ما يروج عن معاملة تفضيلية، فإن مسطرة الترخيص لهذا المشروع استغرقت قرابة 5 أشهر، وهي مدة أطول من المألوف، مما ينفي أي شبهة تسريع أو استغلال للنفوذ.
وخلص فريق البحث إلى أن القراءة المتأنية للوثائق والمسار القانوني للملف تنفي بشكل قاطع كل ما ورد في المقالات الصحفية التي تطرقت إلى الموضوع، متسائلا “كيف تبيع شركة “العمران” الحكومية عقارا مثقلا بالمنفعة العامة؟، وكيف تقوم المحافظة العقارية بتحفيظ عقار مخصص لمرفق عمومي وتسمح بانتقال ملكيته؟ ولماذا لم تقدم مديرية التعليم أو الجماعة أي تعرض خلال مساطر التحفيظ والبحث العمومي لتصميم التهيئة؟”.
وشدد فريق البحث على أن العقار كان محررا قانونيا من أي تخصيص، وأن عملية الترخيص احترمت كافة الضوابط المعمول بها، معتبرا أن” قرار إعفاء العامل أبو الحقوق استند، على الأرجح، إلى معطيات مغلوطة وفبركة إعلامية”، متسائلا: “ما هي الأسباب الحقيقية وراء القرار الإداري المتسرع بإنهاء مهام العامل إسماعيل أبو الحقوق؟”.
المصدر:
العمق