رغم ما وصفه تقرير المؤسسات والمقاولات العمومية المرفق بمشروع قانون المالية لسنة 2026 بـ“التحسن الملموس” في آجال الأداء، إلا أن الأرقام المعروضة تكشف أن القطاع العام لا يزال بعيدا عن الالتزام الكامل بالقواعد القانونية، وأن التأخر في سداد الفواتير ما زال يشكل عبئا ماليا خانقا على المقاولات.
فمنذ إحداث مرصد آجال الأداء، تم إرساء نظام لتتبع أداء الفواتير مدعوم بآلية الغرامات المالية بموجب القانون رقم 69.21، الذي دخل حيز التنفيذ في يوليوز 2023. غير أن أول تقييم رسمي للمنظومة، الذي عرض في اجتماع المرصد بتاريخ 10 يونيو 2025، أبان عن استمرار مظاهر خلل واضحة، رغم التحسن النسبي المسجل.
فقد بلغ عدد المقاولات الخاضعة لواجب التصريح بنهاية سنة 2024 ما مجموعه 17.636 مقاولة، من بينها فقط 72 مؤسسة ومقاولة عمومية، في حين ظلت أكثر من نصف المقاولات (53,4%) تصرّح بوجود فواتير متأخرة، وهو ما يعكس استمرار ثقافة التأجيل وضعف الالتزام بالمواعيد القانونية.
وبحسب التقرير، بلغت الغرامات المؤداة 1,5 مليار درهم، ساهمت فيها المؤسسات والمقاولات العمومية بنسبة 48%، وهو مؤشر على أن القطاع العام لا يزال من أبرز المتأخرين في الأداء رغم الإجراءات التصحيحية المعلنة.
كما صرّحت المقاولات الخاصة بفواتير متأخرة بلغت قيمتها 29,094 مليون درهم، تمثل 50,8% من المبلغ الإجمالي المصرح به، ما يعكس انتشار الظاهرة على نطاق واسع.
ورغم أن متوسط آجال الأداء بالمؤسسات والمقاولات العمومية بلغ 34,8 يوما في يونيو 2025، أي أقل من نصف الحد الأقصى القانوني المحدد في 60 يوما، إلا أن هذا المعدل يخفي تفاوتات كبيرة بين المؤسسات، خاصة تلك التي تعاني من تراكم الديون والمستحقات غير المؤداة.
التقرير أشار كذلك إلى أن الحكومة اضطرت إلى عقد اجتماعات تنسيقية بين وزارة الاقتصاد والمالية والوزارات الوصية والمؤسسات العمومية المعنية لإجراء تشخيص دقيق للوضع، واعتماد خرائط طريق لتسوية المستحقات المتراكمة “بشكل تدريجي”، وهو ما يعكس أن التحسن ما زال جزئيا ومحدود الأثر على الميدان.
في غضون ذلك، أكد تقرير المؤسسات والمقاولات العمومية أن التأخر في الأداء لا يزال من أبرز مواطن ضعف التدبير العمومي، وأن معالجة الظاهرة تتطلب تغييرا في ثقافة التسيير والشفافية، أكثر من مجرد إقرار آليات مراقبة أو فرض غرامات مالية.