آخر الأخبار

رحلة العمر: بين التسول والأزبال وجشع التجار.. ظواهر سلبية تظلل أطهر بقاع الأرض (الحلقة 15) - العمق المغربي

شارك

سلسلة رحلة العمر.. انطباعات حاج مغربي

الحج ليس مجرد سفر أو تنقل بين شعائر وأمكنة، بل هو عبور روحي عميق يعيد صياغة علاقة المسلم بربه ونفسه والعالم من حوله، فمنذ أن نادى الخليل إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، ظل هذا الركن العظيم يجمع المسلمين من كل فج عميق، في مشهد مهيب تتجلى فيه وحدة الأمة ومساواتها أمام الله.

في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “العمق”، يوثق الحاج المغربي أحمد الطلحي، المنحدر من مدينة طنجة والخبير البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، تفاصيل رحلته إلى الديار المقدسة خلال موسم 1446 هـ، بعد سنوات طويلة من الانتظار والدعاء.

بين الشوق قبل السفر، والسكينة في المشاعر، والمواقف المؤثرة في عرفات والطواف، يقدم الطلحي شهادة صادقة وتأملات روحية وإنسانية وتنظيمية، يشارك من خلالها القارئ مواقف لا تُنسى، ونصائح قد تعين المقبلين على هذه الفريضة العظيمة.

ـــــــــــــ

الحلقة 15: بين التسول والأزبال وجشع التجار.. ظواهر سلبية تظلل أطهر بقاع الأرض

خلال مقامنا بالديار المقدسة أثار انتباهنا وانتباه عدد من الحجاج الذين تواصلنا معهم، انتشار عدد من الظواهر السلبية التي تتسبب في انزعاج الحجاج والمعتمرين من جهة، وتشوه صورة بلد الحرمين الشريفين، من جهة ثانية، بالرغم من الجهود الكبيرة والمشهودة التي تقوم بها السلطات السعودية لمحاربة هذه الظواهر.

ويمكن حصر هذه الظواهر السلبية في ستة ظواهر، وهي كالتالي:

1- ظاهرة التسول:

تنتشر هذه الظاهرة بشكل قوي في محيط المسجد الحرام والمسجد النبوي والطرق المؤدية إليهما وفي الأسواق القريبة منهما، بالرغم من قيام الأجهزة الأمنية بمحاربتها، وشاهدنا مرارا عمليات الكر والفر بين الأمن والمتسولين. كما أن نسبة كبيرة من العمال في الحرمين الشريفين يتسولون خفية أيضا.

وترجع التقارير الإعلامية والأمنية السعودية أسباب تفاقم الظاهرة إلى عوامل عادية مثل الفقر والبطالة وإلى امتهان التسول وإلى “عصابات منظمة تدير عمليات التسول وتستغل الأشخاص الضعفاء” مكونة أساسا من “مخالفي أنظمة الإقامة والعمل”.

وطبعا لهذه الظاهرة آثارا سيئة تتمثل في: إزعاج الحجاج والمعتمرين، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين عموما وساكنة بلاد الحرمين خصوصا، واستغلال الأطفال وذوي الإعاقات البدنية والذهنية…

ولمحاربة هذه الظاهرة وجب مضاعفة الجهود الأمنية وتغليظ العقوبات، وتوفير الحماية الاجتماعية لجميع الفقراء، والتوسع أكثر في تقديم الدعم لهم، وتوعية السكان والحجاج والمعتمرين بعدم تقديم المال للمتسولين لأن ذلك يشجع هذه الظاهرة أكثر وبدلا من ذلك دعم الجمعيات والهيئات المختصة في دعم الفقراء والمحتاجين.

وهناك طريقة أنيقة للتسول تعرض لها عدد من الحجاج، وبذلت محاولة معي ولكنها لم تنجح. بحيث يأتيك شاب وسيم بلباس أنيق وأنت جالس في المسجد، يسلم عليك ويريد التعرف عليك، ثم يطلب منك أن تساعده للسفر إلى بيت عائلته لأنه طالب علم أو أن تساعده لأنه المعيل الوحيد لعائلته وغيرها من الادعاءات. وبالنسبة لي لم ولن تنجح معي هذه الخدع، لأنني واع بسلبيات الظاهرة ويجب محاربتها، وأن الصدقة ينبغي أن توجه لمن نعرفهم معرفة جيدة من ذوي الحاجات الحقيقية ولكنهم يتعففون عن السؤال، أو توجه للمؤسسات المختصة في التنمية الاجتماعية والأعمال الخيرية.

وهناك ظاهرة مماثلة للتسول الواضح، هو تسابق الحجاج والمعتمرين لأخذ الصدقة، ومنهم من يقف في طوابير طويلة لأخذ الصدقة، وأحيانا بلباس الإحرام. وهذا في نظري، من الناحية الأخلاقية، لا ينبغي أن يقوم به الحجاج، لأنهم بذلك يزاحمون الفقراء وقد يمنعون بعض الفقراء من أخذ هذه الصدقة التي هم أحق بها من الحجاج الذين من المفروض أن لهم الاستطاعة المالية التي هي شرط لأداء فريضة الحج، والاستطاعة المالية تعني قدرة الحاج على سداد كل النفقات.

2- الباعة المتجولون:

تنتشر ظاهرة الباعة المتجولين أيضا في محيط المسجد الحرام والمسجد النبوي، وهي تحارب كذلك من قبل الأمن، ونعاين ونشاهد يوميا عمليات الكر والفر بين الأمن والباعة المتجولين، وأكثرهم من النساء.

وتساهم هذه الظاهرة في الازدحام وإعاقة حركة المرور وإزعاج الحجاج والمعتمرين، وتخلف كميات كبيرة من النفايات يوميا، وتؤثر سلبا على موارد التجارة المقننة، كما أن نسبة كبيرة من السلع التي يبيعونها بأثمنة أقل مقارنة بأثمنة المحلات التجارية هي عبارة عن سلع مزورة أو ناقصة الجودة.

ولعلاج هذه الظاهرة، وجب استمرار السلطات في تنظيم الباعة المتجولين في أسواق خاصة، وتوفير فرص عمل قارة لنسبة منهم، وتشديد المراقبة الأمنية ومتابعة الفاسدين في الإدارة والأمن الذين يتسترون على الظاهرة ولا يحاربونها كما يجب.

مصدر الصورة

3- جشع التجار:

تجار مكة يضرب بهم المثل، في الجشع وفرض أسعار مبالغ فيها على سلعهم، فيقال التاجر الفلاني كتجار مكة في أسعار سلعه المرتفعة.

وللأسف تكون المبالغة في رفع الأسعار أساسا خلال موسم الحج والأوقات التي يكون فيها عدد كبير من المعتمرين كرمضان والمولد النبوي، بسبب ارتفاع الطلب. وهذا يسيء أولا للتجار أنفسهم ولسكان وسلطات البلد ثانيا، كما يسيء أيضا إلى صورة التاجر المسلم عموما. وكما هو معلوم أن أكبر الدول الإسلامية دخلها الإسلام ليس بالفتوحات ولكن بأخلاق التجار المسلمين الذين كانوا يتعاملون بها مع سكان هذه البلاد.

وارتفاع الأسعار في الأماكن المقدسة يشمل جميع السلع التي يحتاجها الحجاج والمعتمرون وفي مقدمتها المواد الغذائية والهدايا بمختلف أنواعها.

ولعلاج هذه الظاهرة وجب ما يلي:

– أن تقوم السلطات بمراقبة الأسعار وإجبار التجار على إظهار أسعار السلع وتشديد العقوبات على المخالفين

– توعية الحجاج والمعتمرين بالتسوق المبكر وليس في فترات الذروة وأن يتم التسوق كذلك في الأسواق الشعبية التي بها أسعارا منخفضة بعض الشيء

– أن يعمد المشترون إلى السؤال عن الأسعار في متاجر وأسواق مختلفة والمقارنة بينها

– أن يقوم الحاج بالتفاوض على السعر النهائي وأن يشتري بالجملة لأن سعرها أقل بكثير من سعر التقسيط.

4- انتشار السلع الأجنبية:

لاحظنا خلال تجولنا في أسواق الديار المقدسة أن أغلب السلع المعروضة مصدرها بلدانا غير إسلامية وأساسا من الصين، والثياب الفاخرة مثلا من كوريا الجنوبية. ومن الأفضل أن يتم عرض السلع المنتجة في البلدان الإسلامية، لأن ذلك يعزز التعارف بين المسلمين ويساهم في التعرف على عادات وتقاليد واقتصاديات الدول الإسلامية من جهة، ولأن السلع الأجنبية متوفرة في جميع أسواق البلدان الإسلامية، من جهة ثانية.

5- المبالغة في توظيف العمالة الأجنبية:

بالرغم من تشجيع السلطات السعودية الشباب السعودي على العمل في مشاريع القطاع الخاص، إلا أن الزائر لمكة والمدينة والمدن الأخرى يلاحظ أن أغلب العمال هم أجانب، وهذا ما يفسر بالتركيبة السكانية للبلد، فحسب الهيئة العامة للإحصاء بلغ عدد المقيمين الأجانب في عام 2024 حوالي 15.7 مليون نسمة بنسبة 44.4 بالمائة من مجموع السكان المقدر عددهم ب35.3 مليون نسمة.

وفي الحرمين الشريفين وفي أسواق وفنادق ووسائل النقل بمكة والمدينة، نجد أغلب العاملين من الأجانب، وبإمكان شباب البلد العمل في هذه الأماكن، لأن هذه المهن لا تتطلب تكوينا عاليا ومهارات كبيرة.

ومع ذلك، يمكن أن نسجل إيجابيا ما شاهدناه من بداية عمل شباب البلد من الجنسين في بعض الأماكن، كالفنادق وفي بعض المتاجر الفخمة. وفي الحرمين أغلب النساء العاملات فيه إن لم يكن كلهن من أهل البلد.

6- قلة النظافة في أطهر بقاع الأرض:

من الظواهر المعيبة لنسبة كبيرة من الحجاج والمعتمرين، رميهم للنفايات في الفضاءات العمومية وعدم المحافظة على نظافتها، بالرغم من الانتشار الكبير لصناديق القمامة من مختلف الأحجام. وكان من الأولى أن تكون الأماكن المقدسة أنظف الأماكن على وجه الأرض لأنها أولا أطهر بقاع الأرض، وثانيا لأن النظافة من الإيمان والحجاج والمعتمرون من المفترض فيهم أن يتحلون بالأخلاق العالية وأن يكونوا هم القدوة. لكن الواقع، خصوصا مشاهد النفايات التي يخلفها الحجاج في مشعر عرفات في يوم الحج الأكبر، وفي مزدلفة، وفي مخيمات مشعر منى تعطي صورة سلبية على الحجاج وعلى المسلمين عموما.

وفي المقابل، والشهادة لله، السلطات السعودية تسخر إمكانيات ضخمة لجمع النفايات ولعمليات التنظيف. ويمكن أن أقول بأن هناك مبالغة في عدد العاملين في النظافة ويمكن الاستغناء عن نسبة كبيرة منهم إذا كان هناك التزام من قبل الحجاج والمعتمرين في المحافظة على النظافة.

مصدر الصورة

ومن الظواهر المقززة التي لاحظتها أيضا والتي تدل على تخلف وضعف تحضر نسبة من الحجاج والمعتمرين، بل وبعدهم عن أخلاق الإسلام الراقية، أذكر ما يلي:

– التفل في الطرقات والفضاءات العمومية، بما في ذلك بصق النخامة

– رمي قنينات الماء بعد الانتهاء من شربه، وحتى صحن الكعبة لم يسلم من قنينات الماء المرمية

– انتشار التدخين قرب المسجد الحرام والمسجد النبوي وفي المشاعر المقدسة، وأحيانا بلباس الاحرام

– الوضوء بماء زمزم، حيث يتكاسل البعض ولا يذهب إلى الأماكن المخصصة للوضوء والمنتشرة بوفرة فيتوضأ بماء زمزم على الحاويات المخصصة لجمع النفايات الصلبة. وبالرغم من جواز الوضوء بماء زمزم شرعا، إلا أن الفقهاء يرون أن يُخصص ماء زمزم للشرب لما فيه من بركة وشفاء، وأن يتم الوضوء في الأماكن المخصصة له.

مصدر الصورة

ـــــــــــ

* أحمد الطلحي: إطار مغربي وخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا