آخر الأخبار

مصداقية مقترح الحكم الذاتي في الصحراء المغربية تربك حسابات البوليساريو

شارك

في وقت يواصل المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا جولته في المنطقة، لعرض مقترحات جديدة بشأن نزاع الصحراء المغربية، سارعت جبهة البوليساريو الانفصالية إلى التعبير عن امتعاضها من الطرح الذي كشف عنه خلال لقائه بزعيمها إبراهيم غالي بمخيمات تندوف، معتبرة أنه يشكل “تحولا خطيرا” لا ينسجم مع مواقفها التقليدية.

وفي أول تفاعل رسمي مع مقترح دي ميستورا أصدرت الأمانة العامة للجبهة بيانا بنبرة تحذيرية، دعت فيه أنصارها إلى “التعبئة والتجنيد” خلال الاستحقاقات المقبلة، في سياق ما وصفتها بـ”التطورات الخطيرة” التي تواجه مشروعها، معلنة في الوقت ذاته تأجيل مؤتمرها السابع عشر إلى موعد لاحق.

ووفق ما نقلته الأبواق الدعائية للجبهة، والممولة بسخاء من لدن الجزائر، فإن مقترح دي ميستورا يتعارض مع خيار “الاستفتاء”، الذي مازالت قيادة البوليساريو تتمسك به، رغم تزايد القناعة الدولية باستحالة تنزيله ميدانيا، وتأكيد قوى وازنة أن مبادرة الحكم الذاتي المغربية تمثل الحل الواقعي الوحيد.

وفي انتظار ما ستسفر عنه مناقشات مجلس الأمن الدولي المرتقبة بشأن الملف الشهر القادم تبدو جولة دي ميستورا مؤشرا على بداية إعادة تشكيل مسار التسوية، بما يعزز الطرح المغربي القائم على مبادرة الحكم الذاتي كأرضية وحيدة قابلة للتنفيذ على الصعيدين الإقليمي والدولي.

وفي هذا الصدد قال سعيد بوشاكوك، باحث مهتم بقضايا التنمية والمجال، إن الجولة التي قادت المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا إلى مخيمات تندوف تندرج في إطار مهامه الدبلوماسية المعتادة قبل رفع تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة، لعرضه على أنظار مجلس الأمن خلال أكتوبر المقبل، لافتا إلى أن “ما حملته هذه الجولة من إشارات أكد بشكل واضح أن الحل الوحيد الذي يلقى إجماعا دوليا متناميا هو مبادرة الحكم الذاتي المغربية”.

وأوضح بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ردود الفعل الانفعالية الصادرة عن قيادة البوليساريو عقب لقاء دي ميستورا تكشف حجم الإرباك الداخلي؛ إذ لجأت إلى خطاب يتأرجح بين التهديد والرفض في مواجهة وجاهة الموقف المغربي وقوة تأثيره المتعاظمة في الساحة الدولية.

وسجل الباحث في خبايا النزاع أن قرار تأجيل المؤتمر العام للجبهة ليس سوى ذريعة فاشلة تعكس تناقضات وصراعات الأجنحة داخل القيادة، التي لم تعد تمثل إلا نفسها، بينما يغلب على النسيج المجتمعي لساكنة المخيمات شعور الإحباط، واقتناع متزايد بجدوى الحكم الذاتي ورغبة أكيدة في العودة إلى الوطن الأم.

وتابع المتحدث ذاته: “إن الشعارات التي كانت ترفعها قيادة البوليساريو تحت عناوين البطولة والحماس فقدت بريقها، بعدما أبان خيار الحكم الذاتي عن واقعيته ومصداقيته باعتباره الإطار الكفيل بتحقيق الديمقراطية والتنمية والأمن والاستقرار، وتأسيس مسار بناء منتج يخدم ساكنة الصحراء والمنطقة برمتها”.

وخلص المحلل السياسي نفسه إلى أن كل محاولات قيادة البوليساريو لعرقلة المسار الأممي أو إضاعة مزيد من الوقت ليست سوى رهان خاسر، في ظل تحول المبادرة المغربية إلى قاعدة مرجعية للحل داخل أروقة المنتظم الدولي.

من جانبه يرى بقادة محمد فاضل، رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية لحركة “صحراويون من أجل السلام”، أن قضية الصحراء لم تعد شأنا محصورا في نطاق جغرافي ضيق، بل تحولت إلى ملف ذي أبعاد إستراتيجية يتقاطع فيه البعد السياسي مع المصالح الدولية في زمن العولمة.

وأضاف بقادة، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الرؤية التي حملها المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا ليست اجتهادا شخصيا، بل تجسيد لإرادة المنتظم الدولي الساعي إلى بلورة مقاربة واقعية ومتوازنة، موضحا أن “مقترح الحكم الذاتي المغربي بات يحظى بتأييد دولي متنام، باعتباره الصيغة الوحيدة القابلة للتنفيذ على الأرض”.

وعن بيان جبهة البوليساريو أكد المهتم بالنزاع المفتعل أن لغة “العنتريات” التي وسمت خطابها انعكست سلبا على مصداقية طرحها السياسي، بعدما فقدت اعترافات دولية عدة، مبرزا أن “قرار تأجيل مؤتمرها السابع عشر يعكس ارتباكا داخليا وصراعات بين الأجنحة أكثر مما يعكس انسجاما سياسيا”.

واسترسل المحلل ذاته: “إن البوليساريو تجد نفسها أمام منعطف مصيري، بين الاستمرار في الارتهان للنظام الجزائري أو البحث عن طرح سياسي ينسجم مع التوجه الأممي والدولي نحو الحكم الذاتي”، مضيفا أن “هذه التحولات تضع القيادة الانفصالية في مواجهة حتمية مع رغبة متزايدة داخل المخيمات في التغيير والبحث عن بدائل أكثر واقعية”.

وأورد المتحدث عينه أن حركة “صحراويون من أجل السلام” تشكل أحد أبرز تجليات هذا التحول، إذ تمكنت، رغم حداثة عهدها، من إيجاد صدى واسع إقليميا ودوليا عبر تقديم رؤية سياسية تقوم على التوافق والانفتاح، وتنسجم مع المساعي الأممية الرامية إلى إنهاء النزاع وفق قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”.

وأنهى محمد فاضل بقادة حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن مبادرة الحكم الذاتي المغربي باتت اليوم حجر الزاوية لأي مقاربة للحل، وأن استمرار قيادة البوليساريو في التشبث بخطاب إقصائي وراديكالي ليس سوى مضيعة للوقت أمام مسار دولي يتجه يوما بعد يوم نحو الواقعية السياسية والتسوية النهائية.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا