آخر الأخبار

عطش تحت واجهة خضراء بالعيون .. 47% من مياه التحلية تضيع والسكان يستغيثون - العمق المغربي

شارك

يبدأ محمد، سائق “كوير”، يومه بمشقة مزدوجة. يستعد لجولة جديدة من نقل الركاب بين أحياء المدينة الشاسعة على متن سيارته التي تعد شريان حياة للكثيرين في ظل ندرة سيارات الأجرة بالعيون، لكن مشكلة أخرى وأكثر إلحاحا تؤرقه: لليوم الخامس على التوالي، لم تجد قطرة ماء طريقها إلى صنبور منزله لتروي ظمأه وظمأ أطفاله.

في إحدى جولاته الصباحية، وبينما يشق طريقه في شوارع حي الوفاق المكتظة بأشغال التهيئة، يستوقفه مشهد أصبح يستفزه يوميا. عمال يثبتون عشبا أخضر على جنبات الطرقات، ورشاشات المياه ترويه بسخاء. لم يتمالك محمد نفسه وهمس بمرارة: “عجباً لهؤلاء! يروون العشب ويتركون السكان يموتون من العطش”.

إنها مفارقة يعيشها محمد كل يوم، فهو كسائق “كوير” يجوب المدينة بأكملها، يرى بعينيه المشاريع التجميلية التي تستهلك المياه بوفرة، بينما ينقل في سيارته أناساً أنهكهم البحث عن الماء. يقول بحرقة: “تطور البنية التحتية للمدينة لا يعكس حقيقة ما نعانيه. ما نفع هذه المشاريع دون ماء؟ كل ما نريده هو الماء فقط”.

أصوات من قلب المعاناة

قصة محمد ليست حالة معزولة، بل هي صدى لمعاناة آلاف الأسر في العيون التي تواجه أزمة عطش مزمنة. الانقطاعات المتكررة والطويلة للمياه، التي يسميها السكان “العيافة”، أججت غضبا واسعا عبرت عنه تعليقات المواطنين.

يقول أحدهم بحدة: “الأحرى أن نقول إن سكان العيون ما زالوا يعانون من المشكلة ذاتها منذ سنوات: انعدام الماء، الذي هو في الأصل غير صالح للشرب”. ويضيف آخر بلهجة لا تخلو من سخط: “من العار والفضيحة أن نتحدث عن تنمية الأقاليم الجنوبية وصرف المليارات على الساحات وأشجار النخيل ومشاريع شكلية، بينما المدينة لا تزال تعتمد على الشاحنات الصهريجية، وأسطح منازلنا مليئة بالخزانات”.

واعتبر مواطنون ضمن تعليقاتهم على الموضوع هذه الخزانات التي تعتلي أسطح المنازل، رمزا لأزمة مستمرة وفشل في التدبير، رغم الوعود المتكررة بالقضاء على هذه الظواهر.

وتتجلى المفارقة الصارخة في أن هذه الأزمة تتفاقم في وقت تتباهى فيه المدينة بمشاريع وواجهات خضراء تلتهم كميات هائلة من المياه. ففي تصريح سابق، كشف وزير التجهيز والماء نزار بركة، أن المساحات الخضراء في مدينة العيون تستهلك ما يقارب 3000 متر مكعب من المياه يوميا دون أن يبين مصدر هذه الكميات الضخمة.

هذا الواقع المرير لخصه مواطن بتهكم: “من المفارقات أننا لا نجد الماء، بينما النافورات والأشجار والساحات العامة تُروى بوفرة!”. ويتساءل آخر بحرقة: “أين هي التنمية التي يتغنون بها طوال السنة؟ مدينة بحجم العيون بدون ماء صالح للشرب، بينما بعض القرى المجاورة تتوفر عليه. إنها حقاً مهزلة”.

على الرغم من تدشين محطات جديدة لتحلية مياه البحر بكلفة ملايين الدراهم لزيادة القدرة الإنتاجية، فإن الأزمة ما زالت قائمة. المشروع الذي كان من المفترض أن ينهي المعاناة لم ينجح في ضمان تدفق المياه بشكل مستمر، مما يطرح تساؤلات جدية حول كفاءة التخطيط والتنفيذ.

وتزداد معاناة المواطنين مع الفواتير التي لا تعكس واقع الاستهلاك. يشكو مواطن قائلاً: “لسنوات والوضع على حاله، ولا حياة لمن تنادي. والمصيبة أن الماء مقطوع دائماً، ورغم ذلك تصلنا فواتير بـ 600 و700 درهم حتى عندما نكون مسافرين. وإذا أردت أن تشتكي، يكون الجواب: ‘ادفع أولاً، ثم قدم شكايتك’. اللهم إن هذا منكر!”.

إلى أن تتحول الوعود إلى واقع ملموس في الصنابير، يبقى سكان العيون، مثل محمد، عالقين بين واجهة مدينة حديثة تتزين بالعشب الأخضر، وواقع يومي قاسٍ يطبعه العطش والبحث المضني عن الماء. ويبقى السؤال معلقاً في هواء المدينة الحار: إلى متى ستستمر هذه المفارقة المؤلمة، حيث تُعطى الأولوية للمظهر على حساب حاجة الإنسان الأساسية؟

الشبكة متهالكة و47% من ماء التحلية تضيع

كشف المدير الجهوي للمياه بالمناطق الصحراوية عن الأسباب الحقيقية وراء الانقطاعات الأخيرة في توزيع الماء الصالح للشرب بمدينة العيون، عازيا المشكلة بشكل أساسي إلى عطب مفاجئ في إحدى القنوات الرئيسية وتفاقم الوضع بسبب التهالك المتقدم لشبكة التوزيع.

وأوضح المسؤول الجهوي في توضيحاته أن البنية التحتية لشبكة المياه في العيون قديمة ومتهالكة، حيث لا يتجاوز مردودها 53%، مما يؤدي إلى ضياع كميات كبيرة من المياه المنتجة عبر محطات التحلية. وأشار المصدر إلى أن هذه الشبكة صممت في الأصل لنقل المياه المالحة، ومع مرور الزمن تدهورت حالتها بشكل كبير، مما يجعلها عرضة للأعطاب المتكررة.

وأكد المصدر ذاته أن الحادث الأخير كان عبارة عن عطب مفاجئ وغير متوقع، تمثل في كسر قناة رئيسية على عمق كبير تحت الأرض، مما جعل عملية الإصلاح معقدة وتطلبت وقتا طويلا. ووفقا للمدير الجهوي، استغرقت فرق الصيانة حوالي 24 ساعة لإصلاح العطب، وهي فترة كانت كافية لنفاد مخزون المياه في خزانات المواطنين.

وأضاف أن تزامن هذا العطب مع فترة استهلاكية مرتفعة، شملت الدخول المدرسي وعودة السكان من العطل الصيفية، زاد من حدة الأزمة. وتابع المصدر أن نمط الاستهلاك في مدينة العيون فريد من نوعه، حيث يعتمد السكان بشكل كلي على تخزين المياه في خزانات منزلية، مما يخلق ضغطا هائلا وفوريا على الشبكة بمجرد عودة التزويد، حيث يسعى الجميع لملء خزاناتهم في وقت واحد.

وختم المصدر تصريحه بالتأكيد على أن الوضع العام لتوزيع المياه في المدينة شهد تحسنا ملحوظا منذ عام 2023، وأن هذا الانقطاع يظل حادثا معزولا ومرتبطا بعوامل تقنية وطارئة، مشددا على أن الفرق التقنية تبذل جهودا مستمرة لضمان استمرارية الخدمة رغم التحديات الكبيرة التي تفرضها قدم الشبكة.

نقلنا توضيحات المسؤول الجهوي لخبير في قطاع الماء الذي أوضح أن اعتراف المسؤول بمردودية شبكة لا تتجاوز 53 % يؤكد حجم الكارثة، حيث يعني أن 47% من المياه المنتجة من محطات التحلية تضيع قبل وصولها للمستهلك، وهو ما يمثل خسارة تقارب نصف الإنتاج الإجمالي.

وأكد المصدر ذاته أن هذا الهدر الهائل يخلق أزمة محاسباتية خانقة للمكتب الوطني للكهرباء والماء، خاصة وأن تكلفة إنتاج المتر المكعب الواحد من المياه المحلاة تتجاوز 10 دراهم، وهو ما يشكل عبئا ماليا كبيرا واستنزافا للموارد.

وتساءل الخبير عن مصير الميزانيات الضخمة التي يرصدها المكتب الوطني عادة لإصلاح وتجديد الشبكات المتهالكة في المناطق ذات المردودية المنخفضة، مشيرا إلى أن استمرار الوضع في العيون يطرح علامات استفهام حول التدبير المالي والتقني للمكتب.

وتابع الخبير أن سوء التسيير الذي أدت إليه هذه الوضعية هو السبب المباشر الذي دفع وزارة الداخلية إلى اتخاذ قرار سحب قطاع توزيع الماء من المكتب الوطني وإسناده إلى الشركات الجهوية متعددة الخدمات، في خطوة ستبدأ فعليا اعتبارا من فاتح أكتوبر 2025 بكافة الأقاليم الجنوبية.

إدانة ومطالبة بحلول جذرية

وفي سياق متصل، أدانت الجمعية المغربية لحماية المستهلك بشدة الانقطاعات المتواصلة والمتكررة لمياه الشرب التي تعاني منها ساكنة إقليم العيون، معتبرة أن هذا الوضع يشكل خطرا حقيقيا على صحة وسلامة المواطنين، خاصة في ظل موجة الحر الاستثنائية التي تجتاح المنطقة.

وكشف رئيس الجمعية، لميسي عبد الناصر، في تصريح لجريدة “العمق”، أن الجمعية تلقت شكاوى عديدة من المواطنين عبر الهاتف والبريد الإلكتروني، مما دفعها للتواصل الفوري مع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب بقطاع الماء في العيون. وأوضح المصدر أن المكتب أفاد بوجود إشكالية تقنية في قنوات التوزيع، مؤكدا أن المصالح التقنية قد باشرت بالفعل أعمال المعالجة والإصلاح.

وأكد عبد الناصر أنه رغم تثمين الجمعية للمجهودات التقنية المبذولة، فإن تكرار هذه الظاهرة سنويا يطرح تساؤلات جوهرية حول الحلول المعتمدة. وأشار المصدر ذاته إلى أن هذا الانقطاع يمثل انتهاكا صريحا لحقوق المستهلك الأساسية، حيث يعتبر الحق في الماء حقا إنسانيا لا يجوز حرمان أي مستهلك منه، خصوصا الفئات الأكثر هشاشة ككبار السن والأطفال.

وأضاف رئيس الجمعية أن التزام الأسر بتسديد فواتير الاستهلاك بشكل منتظم يقابله إجبارهم على تحمل تكاليف إضافية باهظة لشراء المياه عبر الصهاريج، وهو ما وصفه ب “ضرائب خفية” وازدواجية غير مقبولة في الأداء، معتبرا أن هذا الوضع ليس مجرد إخلال بالخدمة، بل هو استغلال مالي إضافي يثقل كاهل المواطنين.

وطالبت الجمعية، وفقا لما أورده المصدر، المكتب الوطني للكهرباء والماء بتقديم توضيح مفصل وشامل حول الأسباب الحقيقية وراء هذه الانقطاعات، ووضع خارطة طريق زمنية واضحة لحلول هيكلية ودائمة بدلا من الإصلاحات الترقيعية المؤقتة. كما دعت الشركة الجهوية المكلفة بالتوزيع مستقبلا إلى العمل الفوري على تطوير وتحديث البنية التحتية لشبكة المياه لتعزيز قدرتها على مواجهة ذروة الاستهلاك والتحديات المناخية.

وناشدت الجمعية السلطات والهيئات الرقابية المعنية بالتدخل العاجل لضمان التزام الجهات المسؤولة بتقديم خدمة مستمرة وبجودة عالية. وشددت على أنه من غير المقبول في سنة 2025 أن تظل قضية توفير الماء، المورد الحيوي، هاجسا يؤرق المواطنين ويعكر صفو حياتهم.

واختتم المصدر ذاته تصريحه لجريدة “العمق” بالتأكيد على أن الجمعية ستتوخى كافة السبل القانونية والتحركات الميدانية للدفاع عن حقوق المستهلكين وضمان توفير هذه الخدمة الأساسية بشكل مستدام ومنصف للجميع.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا