آخر الأخبار

رحلة العمر: مزارات المدينة المنورة.. ذاكرة السيرة النبوية وأماكن للاعتبار (الحلقة 3) - العمق المغربي

شارك

سلسلة رحلة العمر.. انطباعات حاج مغربي

الحج ليس مجرد سفر أو تنقل بين شعائر وأمكنة، بل هو عبور روحي عميق يعيد صياغة علاقة المسلم بربه ونفسه والعالم من حوله، فمنذ أن نادى الخليل إبراهيم عليه السلام في الناس بالحج، ظل هذا الركن العظيم يجمع المسلمين من كل فج عميق، في مشهد مهيب تتجلى فيه وحدة الأمة ومساواتها أمام الله.

في هذه السلسلة التي تنشرها جريدة “العمق”، يوثق الحاج المغربي أحمد الطلحي، المنحدر من مدينة طنجة والخبير البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية، تفاصيل رحلته إلى الديار المقدسة خلال موسم 1446 هـ، بعد سنوات طويلة من الانتظار والدعاء.

بين الشوق قبل السفر، والسكينة في المشاعر، والمواقف المؤثرة في عرفات والطواف، يقدم الطلحي شهادة صادقة وتأملات روحية وإنسانية وتنظيمية، يشارك من خلالها القارئ مواقف لا تُنسى، ونصائح قد تعين المقبلين على هذه الفريضة العظيمة.

ـــــــــــــ

الحلقة الثالثة: مزارات المدينة المنورة.. ذاكرة السيرة النبوية وأماكن للاعتبار

بالإضافة إلى المزارات التي فيها أجر ودعوة نبوية لزيارتها، توجد بالمدينة المنورة مزارات لم يرد فيها نص بزيارتها، ولكنها مهمة من ناحية أخذ العبرة والوقوف على الأماكن التي ورد ذكرها في السيرة النبوية.

1- موقع معركة أحد:

وهو من المواقع التاريخية الأكثر مزارا في المدينة المنورة، يبعد عن المسجد النبوي بحوالي أربعة كيلومترات. وفيه دارت معركة أحد التي انهزم فيها المسلمون بسبب عدم انصياه الرماة لأوامر النبي ﷺ، وفيها كسرت رباعيته وشج في وجهه وجرحت شفته ﷺ.

والموقع يتكون من ثلاثة وحدات مجالية: جبل أحد، وجبل الرماة، ومقبرة شهداء أحد

– جبل أحد:

يبعد جبل أحد قرابة أربعة كيلومترات شمال المسجد النبوي. سمي بهذا الاسم لتوحُّده عن الجبال التي حوله، فيظهر منفردًا عن بقية الجبال. يمتد على شكل سلسلة من الشرق إلى الغرب، بطول سبعة كيلومترات وعرض يتراوح ما بين كيلومترين وثلاثة كيلومترات، ويصل ارتفاعه إلى 1077 مترا.

لجأ إليه الرسول ﷺ حينما انتقلت كفة المعركة لصالح المشركين، وتبعه أبو سفيان، مفاخرا ومرددا: اعل هبل، فرد عليه الصحابة رضوان الله عيهم: بل الله أعلى وأجل. وحينما لجأ إليه الرسول ﷺ وصحابته رجف بهم، فضربه برجله وخاطبه عليه الصلاة والسلام قائلا: “اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان” (رواه البخاري)، ويقول أهل العلم أن المقصود بالصديق هو أبو بكر الصديق والشهيدان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم.

وكان عليه الصلاة والسلام يحبه، ففي الحديث الذي رواه البخاري عن أنس بن مالك، وفيه أن النبي ﷺ قال: “هذا جبل يحبنا ونحبه”، وفي حديث آخر: ” جبل أحد جبل من جبال الجنة”.

وكان رسول الله ﷺ يضرب به المثل لكبر حجمه، ووردت أحاديث كثيرة بذلك، من مثل:

* قال عليه الصلاة والسلام في مدح صحابته والثناء عليهم: “والذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مُد َّ أحدهم ولا نصيفه”

* “لو كان لي مثل أحد ذهبًا ما يسرني أن لا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيء أرصده لدين”

* عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “قال رسول الله ﷺ لمعاذ ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد دينا لأداه الله عنك، قل يا معاذ: اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك”

* حديث فضل صلاة الجنازة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَكَانَ مَعَهُ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ مِنَ الأَجْرِ بِقِيرَاطَيْنِ؛ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أَنْ تُدْفَنَ؛ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطٍ” (أخرجه الشيخان).

– جبل الرماة:

هو جبل صغير يقع بجانب جبل أُحد، وسمي كذلك، لأن الرسول ﷺ وضع عليه خمسينا صحابيا ممن يتقنون رمي السهام تحت إمارة عبد الله بن جبير، وأمرهم أن يثبتوا فيه ولا يغادروه. لكن، لما رأى البعض منهم أن المشركين انهزموا وفروا نزلوا من الجبل لجمع الغنائم بالرغم من أن أميرهم حاول منعهم، فاستغل خالد بن الوليد الذي كان يومئذ مشركا هذه الثغرة والتف مع عدد من المشركين على جيش المسلمين، وانقلبت بذلك نتيجة المعركة لصالح المشركين.

– مقبرة شهداء أحد:

وهي المقبرة التي دفن فيها الرسول ﷺ شهداء أحد، وكان عددهم يربو نحو سبعين شهيدا من الصحابة، وكان من بينهم حمزة بن عبد المطلب عم الرسول ﷺ الذي قتله وحشي ومثلت بجثته هند بنت عتبة ولقبه رسول الله ﷺ بسيد الشهداء.

2- مسجد القبلتين:

كانت القبلة في الصلاة في بادئ الأمر نحو المسجد الأقصى، وكان الرسول ﷺ يدعو الله إلى أن تصبح القبلة هي الكعبة المشرفة، فاستجاب الله تعالى لدعائه. قال تعالى: “َقدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ” (البقرة/ 144).

فبينما كان الرسول ﷺ يصلي جماعةً في الناس نزلت هذه الآيات وهو في الركعة الثانية، فغيّر اتجاه القبلة أثناء أداء الصلاة نفسها نحو البيت الحرام وتبعه الصحابة الذين كانوا يصلون خلفه وغيروا قبلتهم نحو الكعبة المشرفة.

وتوجد في هذا المسجد اليوم زخرفة في أعلى الجدار المقابل للمحراب، تشير إلى اتجاه القبلة السابق، نحو المسجد الأقصى.

3- مسجد الغمامة:

يقع بالقرب من المسجد النبوي على بعد 500 مترا تقريبا. وهو مسجد بناه الخليفة عمر بن عبد العزيز في الموضع الذي صلى فيه رسول الله ﷺ صلاة العيد والاستسقاء. وسمي كذلك، لأنه حينما كان رسول الله ﷺ يصلي صلاة الاستسقاء، إذ بغمامة حجبت الشمس عنه.

4- مسجد أبي بكر الصديق:

يقع بالقرب من مسجد الغمامة، وهو مسجد أقيم في المكان الذي كان يصلي فيه أبو بكر الصديق رضي الله عنه صلاة العيد زمن خلافته.

5- المساجد التاريخية الأخرى:

توجد بالمدينة المنورة العشرات من المساجد التاريخية، ولقد بدأت السلطات السعودية مشكورة في ترميمها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: مسجد عمر بن الخطاب الذي بني في المكان الذي كان يصلي فيه الخليفة عمر بن الخطاب صلاة العيد، ومسجد علي بن أبي طالب وهو المكان الذي كانت تصلى فيه أيضا صلاة العيد في عهد الخليفة علي بن أبي طالب، ومسجد الفتح وكان مصلى رسول الله ﷺ خلال غزوة الأحزاب، ومسجد جهينة وبلي الذي خطه الرسول ﷺ بيده وصلى فيه أيضا، ومسجد الجمعة أو مسجد عاتكة في بني سالم وفيه صلى الرسول ﷺ أول جمعة…

6- معالم تاريخية أخرى:

كما توجد بالمدينة المنورة، عدد من المعالم الأثرية التي لم تحظ لحد الآن بالعناية اللازمة، أو أن التعريف بها والترويج السياحي لها لا يزال ضعيفا، مثل:

– سقيفة بني ساعدة:

توجد بالقرب من المسجد النبوي، وهي المــكان الــذي اجتمــع فيــه الصحابة رضي الله عنهم وبايعوا فيه أبا بكر الصديق ليكون أول خليفة للمسلمين

– بئر غرس:

هي إحدى الآبار النبوية السبع “أريس، غرس، رومة، بئر حاء، بضاعة، البصة، العهن”. وقد قامت السلطات السعودية مشكورة بفتحها مؤخرا للزوار بعد ترميمها وتهيئتها

– بستان سلمان الفارسي:

بستان سلمان الفارسي وهو كان المقابل لتحريره من العبودية، حيث اشترط سيده عليه أن يزرع 300 نخلة مقابل عتقه، فقام النبي ﷺ وصحابته بتهيئة البستان، وغرس عليه السلام بيديه الكريمتين جميع النخيل.

– ثنية الوداع:

ثنية الوداع هي منطقة تاريخية تقع عند مدخل المدينة المنورة كان يودع فيها المسافرون إلى مكة، وعندها استقبل الصحابة وأهل يثرب، كما كانت تسمى المدينة آنذاك، رسول الله ﷺ حينما هاجر إليها قادما من مكة، وهي المذكورة في نشيد “طلع البدر علينا” الذي أنشد عند استقباله.

– مواقع الغزوات والسرايا:

أهم الغزوات التي كانت في المدينة المنورة أو بالقرب منها: غزوة بني النضير، وغزوة الخندق، وغزوة بني قريظة. فيما موقع غزوة بدر فيقع على بعد 150 كلم من المدينة المنورة)

7- متاحف متنوعة:

يوجد في المدينة المنورة عدد من المتاحف أهمها:

– متحف المدينة الذي تمت تهيئته في محطة الحجاز للسكك الحديدية التي تأسست عام 1908

– مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

– متحف دار المدينة للتراث العمراني والحضاري

– معرض عمارة المسجد النبوي

– المعرض والمتحف الدولي للسيرة النبوية والحضارة الإسلامية

الخلاصة ، أنه توجد معالم أثرية وتاريخية مهمة في المدينة، للأسف لا يعرفها الكثير من الزوار. وتحتاج إلى العناية بها وترميمها وتهيئتها أولا، والترويج لها ثانيا، وبرمجتها في رحلات منظمة ثالثا. وأقترح على السلطات المغربية والوكالات السياحية المغربية أن تضم المزارات إلى باقة الخدمات التي تقدم للحجاج والمعتمرين المغاربة.

ـــــــــــ

* أحمد الطلحي: إطار مغربي وخبير في البيئة والتنمية والعمارة الإسلامية

العمق المصدر: العمق
شارك

الأكثر تداولا اسرائيل حماس حرب غزة

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا