في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
على الطريق الرابط بين عرصة الزيتون وغابة عين الشقف بمدينة فاس، تقف بقايا مبنى صناعي كانت يوما ما قلبا نابضا بالحياة والإنتاج.
هنا، حيث كان يقع مصنع تركيب الدراجات النارية “سيميف”، الذي لا يمثل مجرد وحدة صناعية منسية، بل هو فصل كامل من تاريخ مدينة فاس الاقتصادي والاجتماعي، ورمز لحلم مغربي في تحقيق الاكتفاء الذاتي الصناعي.
في سبعينيات القرن الماضي، لم يكن هذا المصنع مجرد بناء، بل كان أحد أبرز القلاع الصناعية في المغرب. تخصص في تركيب الدراجة النارية الأيقونية “بيجو 103”، التي تحولت من مجرد وسيلة نقل إلى رمز للشباب والطبقة الشعبية في تلك الحقبة.
كان المصنع رافعة اقتصادية حقيقية للعاصمة العلمية، حيث وفر مئات فرص الشغل المباشرة وغير المباشرة، وشكل مركزا للتكوين في الصناعات الميكانيكية، مانحا الأمل لأجيال من العمال والأسر.
محمد، ستيني كان شاهدا على تاريخ المصنع، يروي بذكريات يمتزج فيها الفخر بالأسى قائلا: “كان المصنع مدينة صغيرة متكاملة، تدخل المواد الأولية من جهة، وتخرج الدراجة جاهزة من جهة أخرى بعد المرور عبر أقسام التحضير والتركيب والتشطيب (الفينيسيون). لقد بدأ المصنع في منتصف الستينيات بمساهمة من شركة بيجو الأم، وكنا نرى المستقبل مشرقا”.
وفي السياق ذاته، أكد بلال بداوود، وهو فاعل جمعوي بفاس، أن المصنع كان بإمكانه إنقاذ المدينة من شح البطالة وكسب تنمية اقتصادية في مجال الدراجات النارية وتفادي استيراد الدراجات النارية السريعة التي خلقت جدلا كبيرا وتسببت في حوادث سير خطيرة.
سقوط العملاق
لكن هذا الحلم الصناعي بدأ يتهاوى تدريجيا منذ بداية الثمانينيات، وصولا إلى إغلاقه اهذا المصنع الذي يستغل مساحة قدرت بالهكتارات في عام 2004، تاركا وراءه فراغا اقتصاديا وجرحا اجتماعيا.
لم يكن السقوط مفاجئا، بل كان نتيجة تراكمات لعدة عوامل متشابكة، كان أبرزها غياب رؤية استراتيجية، حيث افتقرت الشركة إلى خطط تطوير طويلة الأمد تتجاوز مجرد تجميع القطع المستوردة. فبدلا من الانتقال إلى التصنيع المتكامل والمتسلسل، ظلت رهينة للأسواق الخارجية وتقلباتها.
أما السبب الثاني فكان هو التبعية للخارج، حيث إن الاعتماد الكلي على استيراد المكونات جعل المصنع هشا أمام أي تغيرات في سياسات الشركة الأم أو تقلبات السوق الدولية.
ثالث سبب كان هو مناخ استثماري غير موات، حيث واجه المصنع، كغيره من المشاريع الكبرى آنذاك، بيئة عمل تفتقر للدعم المؤسساتي والتمويل اللازم للتوسع والمنافسة، بالإضافة إلى تحديات نقابية معقدة.
ويذكر أحد الشهود أن “النقابة كانت حاضرة بقوة، لكن في النهاية وجد الكثير من العمال أنفسهم في الشارع دون حقوق كاملة، في سيناريو يذكر بمأساة مركب النسيج (كوطيف)”.
أما السبب الرابع فتجلى في ضعف سياسات الاحتضان، إذ لم تكن هناك سياسة وطنية ومحلية واضحة لاحتضان مثل هذه الصناعات الكبرى وتشجيعها على التطور ومواكبة المستجدات.
درس لم يكتمل بعد
أضحى المصنع أطلال شبه مهجور شاهدا صامتا على فرصة ضائعة وتطرح قصته أسئلة حيوية حول الحاضر والمستقبل الاقتصادي لمدينة فاس ومدى استغلاله للرفع من الاسثمار بالعاصمة العلمية.
في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، تصبح الحاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى لخلق مناخ استثماري جذاب ومستقر يضيف بلال في حديثه.
ويرى مراقبون أن المستثمر، سواء كان محليا أو أجنبيا، لم يعد يبحث فقط عن الامتيازات الضريبية، بل عن الثقة في المؤسسات، والشفافية في التدبير، وبنية تحتية قوية، ورؤية واضحة ومستمرة.
باقي التفاصيل في الفيديو: