قالت فعاليات حقوقية ومدنية مغربية إن “استمرار الأفعال العدائية من المختلين والمشردين، وآخرها الاعتداء الجسدي المميت على موظف شرطة باستخدام السلاح الأبيض ، يُسائل جهود وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة”، معتبرةً أن “ثمار الوعود المتعلقة بإحداث مؤسسات للرعاية، مخصصة أساسًا للأشخاص بدون مأوى من ذوي الاضطرابات العقلية والنفسية، مازال يكتنفها الكثير من الغموض والحيرة”.
المختل البالغ من العمر 63 سنة، الذي اعتقلته عناصر الأمن الوطني بمفوضية الشرطة بمدينة إيموزار، مساء الخميس، بعد الاعتداء على الشرطي، أعاد إلى الواجهة، حسب الفعاليات عينها، “ملف الأشخاص في وضعية هشاشة نفسية ممن يتجولون في الشوارع دون أي رعاية أو احتواء مؤسساتي، في غياب واضح لتدابير استباقية أو سياسات عمومية ناجعة”.
وأكدت التنظيمات عينها لجريدة هسبريس “ضرورة حماية هذه الفئة وحماية المجتمع من الانعكاسات الخطيرة لوضعها”، موردة أن “مثل هذه الحوادث المؤلمة، التي يتكرر وقوعها بين الفينة والأخرى، تُظهر عمق الأزمة التي تعرفها المنظومة المرتبطة بالصحة النفسية، التي يفترض أن تكون من أولويات وزارتي الصحة والحماية الاجتماعية والتضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة”.
علي أعوين، عضو المكتب التنفيذي للشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب، قال إن “استمرار ظاهرة تجول المختلين عقليًا في الفضاءات العامة دون رعاية أو تتبع يشكل تهديدًا حقيقيًا لسلامة المواطنين والأجهزة الأمنية على حد سواء، في ظل تنامي حوادث مؤسفة تبرز هشاشة المنظومة الصحية والنفسية بالمغرب”، مؤكدا أن “هذه الوضعية تسيء لصورة البلد، خاصة وهو مقبل على تظاهرات دولية كبرى، يفترض أن تعكس واقعًا متقدمًا في التعامل مع الفئات الهشة”.
وأضاف أعوين، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “غياب إستراتيجية واضحة المعالم ومسطرة الأهداف لمعالجة هذه الظاهرة ينم عن تقصير مؤسساتي”، محملًا وزارة الأسرة والتضامن الاجتماعي “مسؤولية هذا الفراغ، خاصة في ظل صمتها المريب وعدم إصدارها أي بلاغ رسمي كلما تم تسجيل حادث خطير، وهذا لا يبرز وجود تنسيق أو مشاورات مع وزارة الصحة والحماية الاجتماعية”.
هذا الغياب التام، في تقدير المتحدث، “يمثل إشارة سلبية للرأي العام ويعكس نوعًا من اللامبالاة أمام خطر حقيقي يتفاقم يومًا بعد آخر”، مشددا على أن “الدولة مطالبة بإطلاق ورش وطني استعجالي يرتكز على مقاربة متعددة الأبعاد تشمل الجوانب الصحية، الاجتماعية، القانونية والحقوقية”، ومشيرًا إلى أن “الدول التي تحترم كرامة الإنسان لا تترك المرضى النفسيين عرضة للتشرد والانحراف”.
كما أكد عضو المكتب التنفيذي للشبكة المغربية للتحالف المدني للشباب على “ضرورة توفير الرعاية الصحية والمرافقة الطبية اللازمة لضمان كرامة المختلين وحماية المجتمع في الوقت نفسه”، لافتًا إلى أن “الحماية الاجتماعية ليست مجرد شعارات، بل سياسات عمومية واضحة بإمكانها وقف هذا النزيف المجتمعي”.
وأجمل المتحدث بدعوة الفعاليات الإعلامية ومكونات المجتمع المدني إلى “تحمل مسؤولياتها، من خلال تسليط الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة، والضغط في اتجاه بلورة تصور شامل يعالجها على المدى القصير والمتوسط والبعيد”، معتبرا أن “الرهان اليوم لم يعد فقط في تدبير المرحلة، بل في تقديم صورة إنسانية حضارية للمغرب، بلد الكرامة والحقوق، وليس مشاهد صادمة لمختلين عقليًا يتجولون بلا مأوى أو علاج”.
بدوره قال إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، إن الرابطة تعلن اليوم عن إطلاق دعوة وطنية تحت شعار: “شوارعنا دون مختلين عقليا”، وذلك في إطار “مقاربة حقوقية وإنسانية تهدف إلى حماية المجتمع وضمان كرامة المختلين عقليًا في آنٍ واحد”، موردا أن “المأساة التي أودت بحياة رجل أمن تكشف عن انهيار خطير في منظومة الصحة النفسية والعقلية ببلادنا”.
وأورد السدراوي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “أعدادا كبيرة من المرضى النفسيين يتجولون في الشوارع دون علاج أو رعاية، معرضين أنفسهم والآخرين للخطر، في حين أنهم في الأصل ضحايا تهميش واعتداءات متكررة واستغلال يومي”، مشددا على أن الرابطة “توصي الدولة المغربية بإطلاق حملة وطنية عاجلة لجمع المختلين عقليًا من الشوارع وإدماجهم في مراكز علاجية متخصصة، وبناء وتجهيز مؤسسات جهوية للصحة النفسية تراعي كرامة المرضى وتستجيب للمعايير الدولية”.
كما شدد الحقوقي عينه على “ضرورة توظيف وتكوين الأطر الطبية والاجتماعية لمواكبة هذا الورش الكبير”، وكذا “حماية المختلين أنفسهم من الاعتداءات التي يتعرضون لها في الشارع بسبب هشاشتهم، وإدماج الصحة النفسية ضمن أولويات السياسات العمومية، باعتبارها جزءًا من الحق في الصحة المنصوص عليه في العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية”.
وأورد رئيس الرابطة الحقوقية أن “هذه الخطوة ليست ترفًا اجتماعيًا، بل ضرورة وطنية ملحة، خصوصًا في ظل الاستحقاقات الكبرى المقبلة، مثل تنظيم المونديال، حيث لا يمكن أن نُظهر صورة بلد يترك أبناءه الأكثر هشاشة في الشوارع بلا علاج ولا كرامة، في ظل الصعوبات التي تواجه الحقوقيين والفاعلين المدنيين في إيجاد أماكن مناسبة لهؤلاء المرضى، رغم أن وضعهم يشكل خطرا عليهم ابتداء، ثمّ على محيطهم وأسرهم”.