كشف مشروع قانون المالية لسنة 2026 عن أربع أولويات كبرى ترسم ملامح مرحلة جديدة، حسب ما جاء في المذكرة التوجيهية التي وجهها رئيس الحكومة إلى مختلف القطاعات الوزارية. وتتمثل هذه الأولويات في تعزيز إقلاع الاقتصاد الوطني، وتحقيق التوازن بين التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والمجالية، وتوطيد أسس الدولة الاجتماعية، وتسريع الإصلاحات الهيكلية الكبرى، إضافة إلى الحفاظ على توازن المالية العمومية.
وفي إطار تنفيذ التوجيهات الملكية، شددت المذكرة على ضرورة تعبئة مختلف آليات النمو والاستثمار والإصلاح، من أجل تعزيز الصلابة الاقتصادية والتنافسية الوطنية، مؤكدة في الوقت نفسه على الأهمية الخاصة التي يوليها الملك محمد السادس لمبدأ العدالة المجالية، من خلال تقليص الفوارق الاجتماعية والجهوية في إطار رؤية تنموية شاملة ومتوازنة على الصعيد الوطني.
وفي هذا السياق، أكد الخبير الاقتصادي بدر زاهر الأزرق أن هذه المذكرة تعكس بوضوح التوجهات التي حملها الخطاب الملكي الأخير، وخاصة ما يتعلق بظاهرة “مغرب السرعتين”. وأوضح أن بعض الجهات استفادت بشكل كبير من الاستثمار العمومي وتحولت إلى واجهات اقتصادية وسياحية للمملكة، في حين بقيت جهات أخرى على هامش التنمية، تعاني من ضعف في البنيات التحتية وقلة في الفرص الاقتصادية، دون أن تنال نصيبها من الاستثمار العمومي.
إقرأ أيضا: تفاعلا مع خطاب العرش.. الحكومة تعلن عن إطلاق جيل جديد من برامج التنمية الترابية
وأشار الأزرق، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، إلى أن المذكرة جاءت لتؤكد على ضرورة توجيه الإنفاق العمومي بشكل تفضيلي نحو المناطق المهمشة والجهات الأقل استفادة، بهدف تقليص الفوارق وتحقيق نوع من الإنصاف المجالي. لكنه تساءل في المقابل: هل يكفي ما تبقى من عمر الحكومة لتنزيل هذه التوجيهات وتنفيذ الرؤية المعلنة؟
وأضاف أن الحكومة قد تجد نفسها مقيدة بعامل الزمن، لكنها مطالبة على الأقل بتصحيح مسار عدد من السياسات العمومية، خصوصا تلك التي أغفلت مسألة التماسك الاجتماعي وتثمين الموارد المحلية وتعزيز علاقات التكامل بين الجهات.
إقرأ أيضا: “مالية 2026” تراهن على الفلاحة والصناعة والسياحة والتجارة الخارجية لتقليص البطالة
وفي جانب آخر، توقف الخبير الاقتصادي عند ملف التشغيل، الذي وصفه بأحد أعقد التحديات التي تواجه الحكومة، في ظل ارتفاع معدل البطالة إلى ما يفوق 13 في المئة. ورغم التوقعات بتحقيق معدل نمو يتجاوز 4 في المئة، إلا أن هذا الرقم يظل غير كاف لخلق فرص الشغل الكافية، خاصة بعد تراجع أداء القطاع الفلاحي وضعف مساهمة قطاعات أخرى في خلق مناصب العمل.
كما نبه الأزرق إلى مجموعة من الإكراهات التي قد تعيق تحقيق أهداف المذكرة، من بينها محدودية الموارد الجبائية، وهيمنة القطاع غير المهيكل على حوالي 70 في المئة من الأنشطة الاقتصادية، إضافة إلى استمرار العجز التجاري، وارتفاع كلفة المشاريع الكبرى، مثل تنظيم كأس العالم، ومشاريع البنية التحتية الضخمة، إلى جانب التمويل المتزايد لبرامج الحماية الاجتماعية.
وسجل الخبير أيضا أن ما يسمى بـ”مغرب الهامش” بدأ يعبر عن مطالبه بشكل أكبر، مشيرا إلى احتجاجات سكان بوكماز والمناطق القروية الأخرى، والتي باتت تطالب بنصيبها من التنمية والاستثمار العمومي، ما يفرض على الحكومة الإسراع في تقديم حلول ملموسة وعاجلة.
وختم الأزرق تصريحه بالتأكيد على أن الحكومة تقف اليوم أمام مفترق طرق في سنة الحصيلة، بين طموحات كبرى وإكراهات واقعية، ما يطرح سؤالا حاسما: هل ستتمكن الحكومة من تحقيق اختراق حقيقي في ملفي الفوارق المجالية والتشغيل، أم سيتم ترحيل هذه الأهداف إلى ولاية حكومية جديدة؟