آخر الأخبار

المنصات الرقمية تُغير قواعد الاقتصاد.. هل يتأخر قانون الشغل المغربي؟ - العمق المغربي

شارك

لا يزال العمل عبر المنصات الرقمية يثير نقاشا متزايدا حول طبيعة العلاقة التي تربط بين الشركات والعاملين لديها، خصوصا ما يتعلق بعنصر “التبعية”، الذي يعتبر أساسيا في تحديد ما إذا كان الشخص أجيرا أم عاملا مستقلا.

في النماذج التقليدية، تقوم التبعية على سلطة المشغل في توجيه الأجير، مراقبته، إصدار التعليمات له، وحتى معاقبته في حالة الإخلال. لكن مع التطور التكنولوجي، تغيرت هذه المعادلة، حيث أصبحت الرقابة تتم عن بعد من خلال تطبيقات وأنظمة رقمية، ما أتاح للشركات ممارسة سلطتها بأسلوب جديد غير مباشر.

منصة “InDrive” تمثل نموذجا لهذا التحول. تأسست المنصة سنة 2012 في روسيا وتوسعت عالميا لتعمل اليوم في أكثر من 40 دولة، من بينها المغرب، حيث تنشط في مدن كبرى مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، طنجة، وأكادير. وتتميز هذه المنصة بتمكين السائقين والركاب من التفاوض مباشرة على تسعيرة الرحلة، بعيدا عن نظام التسعيرة الثابتة، وهو ما يمنح مرونة أكبر للطرفين ويجعلها تختلف عن أغلب منافسيها.

ورغم هذه المرونة، تحتفظ المنصة بحق مراقبة جودة الخدمة عبر تقييمات الزبائن، استقبال الشكاوى، واتخاذ إجراءات تأديبية قد تصل إلى تعليق أو حظر الحسابات. هذا النوع من الرقابة يطرح تساؤلات قانونية حول ما إذا كان يعكس علاقة تبعية تستدعي إخضاع المستخدمين لقانون الشغل.

وفي السياق ذاته، تشير إحصائيات منظمة العمل الدولية إلى أن أكثر من 84 في المئة من سائقي الأجرة عبر المنصات الرقمية يعتمدون على دخلهم منها كمصدر رئيسي للعيش، وتصل هذه النسبة إلى 90 في المئة في صفوف عمال التوصيل، مما يعكس الأهمية المتزايدة لهذه التطبيقات كمصدر رزق لفئات واسعة من المجتمع.

لكن في المقابل، تفرض هذه المنصات ضوابط مشددة على المستخدمين، تشمل التحقيق في شكاوى الزبائن، وفرض عقوبات مثل الخصم من الأجر أو توقيف الحساب، ما يجعل الخط الفاصل بين العمل الحر والعمل المأجور أكثر غموضا.

عدة أنظمة قضائية حول العالم نظرت في قضايا مشابهة. بعض المحاكم اعتبرت أن حرية المستخدم في تحديد أوقات العمل تضعف عنصر التبعية، بينما ذهبت محاكم أخرى إلى أن وجود الرقابة والعقوبات يثبت علاقة شغلية قائمة.

وفي ظل هذا الغموض، يبرز السؤال: هل لا تزال قوانين الشغل التقليدية عاجزة عن مواكبة التحولات التي فرضتها المنصات الرقمية؟ أم أن الوقت قد حان لإقرار إطار قانوني جديد يحدد بوضوح الحقوق والواجبات للطرفين؟

في محاولة للإجابة، استطلعت جريدة “العمق” رأي الأستاذ علال الدين، الباحث في قانون الشغل والعلاقات التعاقدية، والمحامي بهيئة الرباط، والباحث بسلك الدكتوراه بجامعة محمد الخامس.

أكد الأستاذ علال أن العلاقة الشغلية تُبنى على وجود عقد واضح، يلتزم فيه الأجير بتقديم خدماته تحت إشراف وتبعية المشغل، مقابل أجر محدد. أما في حالة المنصات الرقمية مثل “InDrive”، فالوضع يختلف.

وأوضح أن هذه المنصة لا تتوفر على ترخيص قانوني لمزاولة نشاطها في المغرب، ما يجعل وضعيتها غير قانونية من حيث المبدأ، ويطرح إشكالا في تحديد الإطار القانوني للعلاقة بينها وبين المستخدمين.

وأضاف أن عنصر التبعية يظل الحاسم في تحديد طبيعة العلاقة، مشيرا إلى أن مستخدمي المنصة لا يتلقون تعليمات مباشرة من إدارتها، ولا يخضعون لتحديد مسبق لأوقات العمل أو طبيعة المهام، مما يعني غياب التبعية القانونية أو الاقتصادية.

وشدد علال على ضرورة التمييز بين العمل عن بعد والعمل عبر المنصات الرقمية. فالأول يُعد شكلا من أشكال عقد الشغل، يخضع فيه الأجير لتوجيه وإشراف المشغل، بينما الثاني يقوم على علاقة تعاقدية تجارية بين المستخدم والمنصة.

وأشار إلى أن مستخدمي المنصات الرقمية يتلقون أجورهم مباشرة من الزبائن وليس من المنصة، ما يعزز الطابع التجاري للعلاقة، ويبعدها عن أن تكون علاقة شغلية.

وردا على سؤال حول أحقية مستخدمي المنصة في المطالبة بالحد الأدنى للأجور، أوضح الأستاذ علال أن ذلك غير ممكن قانونيا، لعدم وجود علاقة عمل بينهم وبين المنصة.

واختتم مداخلته بالتأكيد على أن العمل عن بعد يظل خاضعا لقانون الشغل طالما توفرت شروطه، وفي مقدمتها عنصر التبعية، في حين أن العمل عبر المنصات الرقمية يخرج عن هذا الإطار بسبب غياب العلاقة التبعية التقليدية أو القانونية، مما يجعله أقرب إلى العمل الحر منه إلى العمل المأجور.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا