أفادت المندوبية السامية للتخطيط في مذكرتها الإخبارية الأخيرة حول وضعية سوق الشغل، بأن معدل البطالة بلغ 12.8 في المئة خلال الفصل الثاني من سنة 2025، مسجلا تراجعا بـ0.3 نقطة مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي.
ورغم أن هذه الأرقام توحي للوهلة الأولى بتحسن نسبي في وضعية سوق الشغل الوطني، إلا أنها، وفق عدد من الخبراء، تخفي وراءها اختلالات بنيوية وتفاوتات مجالية مقلقة.
وحسب المعطيات الرسمية، فقد تراجع عدد العاطلين بـ38 ألف شخص، 33 ألفا منهم في الوسط القروي، مقابل خمسة آلاف فقط في الوسط الحضري.
في هذا السياق، يرى رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، أن هذا الانخفاض لا يعكس بالضرورة تحسنا حقيقيا في سوق الشغل القروي، بل “يخفي وراءه تعقيدات بنيوية يجب التوقف عندها”.
إقرأ أيضا: مندوبية التخطيط تسجل انتعاش سوق الشغل في 2025.. ومعدل البطالة يتراجع إلى 12,8%
ويفسر الغنبوري هذا المعطى بما وصفه بـ”تزايد الهجرة القروية، خصوصا في صفوف الشباب، بسبب تقلص فرص الشغل في القطاع الفلاحي، وضعف العائد الاقتصادي، وغياب بدائل مهنية مستقرة”، مشيرا إلى أن هذا التوجه تؤكده أيضا أرقام الشغل الناقص، الذي ارتفع في الوسط القروي من 11.6 إلى 12.4 في المئة.
ويوضح الغنبوري أن “عددا كبيرا ممن لا يصنفون في خانة العاطلين يشتغلون فعليا في وظائف هشة، إما من حيث عدد ساعات العمل أو ضعف الأجر أو عدم ملاءمة المهام لمؤهلاتهم”، ما يجعل من تراجع البطالة في الوسط القروي مؤشرا على هشاشة اجتماعية متزايدة، وليس تحسنا في الأداء الاقتصادي.
إقرأ أيضا: مندوبية التخطيط: 113 ألف منصب جديد بالمدن مقابل فقدان 107 آلاف بالقرى خلال عام
وعلى مستوى التفاوتات الجهوية، أظهرت المذكرة أن 72.3 في المئة من العاطلين يتمركزون في خمس جهات فقط، وهو ما اعتبره الغنبوري دليلا على خلل عميق في توزيع فرص الشغل، داعيا الحكومة إلى تجاوز المقاربة الإحصائية، والانتقال إلى وضع خارطة تشغيل فعالة ترتكز على العدالة المجالية.
ويقترح الغنبوري أن تشمل هذه الخارطة توجيه السياسات العمومية والبرامج الاقتصادية نحو الجهات المهمشة، وتحفيز الاستثمارات فيها، وتوفير البنية التحتية الضرورية، مع ربط برامج الإدماج المهني بالقطاعات الواعدة محليا.
وشدد الخبير ذاته على أن العدالة في التشغيل تتطلب لامركزية حقيقية في السياسات العمومية، وربطها بالتحفيز الاقتصادي الجهوي، محذرا من تفاقم الفوارق مستقبلا، خاصة في ظل ارتفاع مؤشرات الشغل الناقص على المستوى الوطني، وتسجيله أعلى مستوياته في قطاع البناء والأشغال العمومية.
وفي السياق نفسه، يؤكد الباحث المغربي في قانون الاعمال والاقتصاد في جامعة الحسن الثاني، بدر الزاهر الأزرق، أن البطالة في المغرب “لا تزال مطبوعة بمجموعة من المحددات في مقدمتها أنها بطالة نسوية، بطالة قروية، وبطالة شابة”؛ مشيرا إلى أن المرأة المغربية لا تزال تواجه إشكالات ثقافية ومجتمعية، تحول دون حضورها الفعال في سوق الشغل، رغم أن نسبتها في المجتمع تفوق 50%.
و أشار المتحدث ضمن تصريح لجريدة العمق إلى أن أغلب النساء العاملات يفتقرن إلى التعليم الجيد والتكوين اللازم، مما يجعلهن يزاولن مهام بسيطة بمدخول لا يفي بالحاجات الأساسية، خاصة في قطاعات كالحقول وخدمات النظافة.
وحذر الأزرق من أن هذا “التشغيل الهش” لا يحترم الحدود الدنيا لحقوق الأجراء، إضافة إلى تعرض النساء لمشاكل كبيرة كالتحرش.
ودعا إلى ضرورة تفعيل “التمييز الإيجابي” لصالح المناطق الهشة والفئات المتضررة، كخطوة انتقالية، مع تكثيف المراقبة على الوحدات المشغلة وتشجيع الاستثمار في تكوين النساء ومنحهن المهارات اللازمة للتطور المهني، معتبراً أن هذا التمكين الاقتصادي يمثل “حجر الزاوية لتحسين وضعيتهن الراهنة”.
وخلص في الأخير إلى أنه بالرغم من ما تُظهره الأرقام من مؤشرات إيجابية على السطح، إلا أن واقع البطالة في المغرب يكشف عن هشاشة بنيوية، تتطلب أكثر من مجرد معالجة رقمية، بل تفعيلاً فعلياً لمقاربات عادلة، تُعيد توزيع فرص العمل، وتفتح الباب أمام مشاركة منصفة تضمن الكرامة والاستقرار لكل فئات المجتمع.