آخر الأخبار

المسطرة المدنية.. الغلوسي: القضاء الدستوري انتصر للشرعية وصحح انحرافات تشريعية خطيرة - العمق المغربي

شارك

أسقطت المحكمة الدستورية مجموعة من مواد مشروع القانون رقم 23.02 الذي يتعلق بالمسطرة المدنية، أبرزها المادة 17 التي تمنح النيابة العامة الحق في الطعن في الأحكام القضائية النهائية.

وأكدت المحكمة، في قرارها “ملف عدد: 303/25 رقم “255/25 م.د”، بعد إحالة رئيس مجلس النواب للقانون المتعلق بالمسطرة المدنية في صيغته النهائية كما صادق عليها مجلس المستشارين في قراءة ثانية، أن “المواد 17 (الفقرة الأولى) و84 فيما نص عليه المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من أنه:” أو يصرح بذلك، أو أنه من الساكنين معه من الأزواج أو الأقارب أو الأصهار ممن يدل ظاهرهم على أنهم بلغوا سن السادسة عشر، على أن لا تكون مصلحة المعني في التبليغ متعارضة مع مصلحتهم”، غير مطابقة للدستور”.

كما نصت المحكمة في هذا القرار غلى أن “المادة 90 (الفقرة الأخيرة) و107 (الفقرة الأخيرة) و364 (الفقرة الأخيرة) و288 و339 (الفقرة الثانية) و408 و410 في الفقرتين الأوليين منهما فيما خولتا للوزير المكلف بالعدل من تقديم طلب الإحالة من أجل الاشتباه في تجاوز القضاة لسلطاتهم أو من أجل التشكك المشروع و624 (الفقرة الثانية) والمادة 628 (الفقرتان الثالثة والأخيرة)، غير مطابقة للدستور”.

كما قضت المحكمة ذاتها أن “المقتضيات التي أحالت على المقطع الأخير من الفقرة الرابعة من المادة 84، في المواد 97 و101 و103 و105 و123 في فقراتها الأخيرة و127 و173 و196 في فقراتها الأولى و204 في فقرتها الثالثة و229 في فقرتها الأولى و323 و334 و352 و355 و357 في فقراتها الأخيرة و361 في فقرتها الأولى و386 في فقرتها الأخيرة و500 في فقرتها الأولى، و115 و138 و185 و201 و312 و439، غير مطابقة للدستور كذلك”.

انتصار للشرعية الدستورية

اعتبر محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، أن “قرار المحكمة الدستورية يعد انتصارًا لمبدأ الشرعية الدستورية وحماية الحقوق والحريات”، ملفتا أن المحكمة تدخلت لوقف عدد من “الانحرافات” التشريعية التي جاءت بها حكومة يغلب عليها طابع تقاطع المصالح بين السلطة والمال، وفق تعبيره، حيث أظهرت هذه الأخيرة ميولًا متزايدًا نحو تقييد حقوق الدفاع والنيل من ضمانات المحاكمة العادلة، يضيف المتحدث ذاته.

وأبرز الغلوسي، في تصريح لجريدة “العمق المغربي”، أن هذا الانتصار “تمثل في قرار المحكمة برفض مجموعة من المقتضيات الواردة في مشروع قانون المسطرة المدنية، وعلى رأسها المادة 17، التي كانت مثار جدل واسع، إذ منحت النيابة العامة صلاحية الطعن في الأحكام القضائية النهائية دون أي تقيد بآجال زمنية، وهو ما يمس بشكل مباشر استقرار المعاملات ويقوض مبدأ الأمن القانوني، بل ويدفع الأفراد إلى الشعور بانعدام الحماية القضائية”، وفق تعبيره.

كما ذكر رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام أن “المحكمة الدستورية أبطلت مقتضيات مرتبطة بإجراءات التبليغ، مثل المادة 84، التي اعتبرت أن تبليغ الوكيل أو أي شخص يصرح بمعرفته أو تعامله مع الشخص المعني، بمثابة تبليغ قانوني سليم، وهي صيغة تفتقر إلى الضمانات وتُنذر بتقويض حق الدفاع من أجل حل إشكالات تقنية على حساب المبادئ الجوهرية للعدالة”، وفق تعبيره، مستغربا من “تصريحات وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الذي اقترح تبليغ الأطراف عبر الرسائل الهاتفية القصيرة، بل وأعرب عن تفكيره في تفويض شركات التوصيل الخاصة بمهمة تبليغ الأحكام، في توجه يعكس ضعفًا مؤسسياً في تصور العدالة ويمس بمكانة القضاء كضامن للحقوق”، على حد قوله.

الحكومة ليست هي الدولة

يرى محمد الغلوسي أن قرار المحكمة الدستورية ببطلان مجموعة من مواد مشروع قانون المسطرة المدنية يؤكد أن “الحكومة ليست هي الدولة لأنها حريصة، وفق تعبيره، على احترام الشرعية الدستورية والمكتسبات الحقوقية والقواعد القانونية والقضائية المتأصلة منذ عقود من الزمن، والتي لايمكن العبث بها، على حد قوله، إرضاء لتطلعات نخبة سياسية”.

وقال بهذا الصدد” “قرار المحكمة الدستورية كان واضحًا في التأكيد على أن الحكومة لا تختزل الدولة، وأن احترام الشرعية الدستورية وحماية المكتسبات القانونية والقضائية المتراكمة لعقود لا يمكن التفريط فيهما لإرضاء نزعات سياسية تسعى إلى إحكام السيطرة على المجال التشريعي والقضائي”.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن “ما وقع يمكن اعتباره تنبيها حازما لحكومة يغلب على أدائها التشنج السياسي والخطاب الدعائي، في ظل ممارسات تتسم بالتضييق على الحريات، وتهديد المجتمع المدني، وتوظيف الآليات التشريعية لخدمة أقلية مستفيدة من استمرار الفساد والإفلات من العقاب”، يضيف الغلوسي.

كما تطرق الغلوسي لإلغاء المحكمة أيضًا المادتين 107 و364 من نفس المشروع، واللتين تمنعان المحامين من التعقيب على مذكرات ومستنتجات المفوض الملكي، مما “يشكل مسًّا خطيرًا بحقوق الدفاع ومخالفة صريحة للمبادئ الدستورية والمعايير الدولية”، وفق تعبير المتحدث ذاته.

المسطرة الجنائية والمحكمة الدستورية

من جهة أخرى، انتقد محمد الغلوسي ما اعتبرها “مواصلة الحكومة ترددها في إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية، مخافة الطعن في عدد من مواده المثيرة للجدل، وفي مقدمتها المادة 3 التي تمنع النيابة العامة من تحريك المتابعة في ملفات نهب المال العام إلا بشروط مقيدة، في وقت منحت فيه الحكومة في مشروع المسطرة المدنية (المادة 17) للنيابة العامة سلطات مطلقة في الطعن في أحكام قضائية نهائية دون قيد أو شرط قبل إسقاذها، على حد قوله.

وقال بهذا الصدد: “هذه المفارقة الصارخة تطرح تساؤلات جدية حول توجهات الحكومة ومدى التزامها بمبدأ المساواة أمام القانون. فهي حين يتعلق الأمر بحقوق عامة المواطنين، توسع من صلاحيات النيابة العامة، لكنها تُقيدها حين يتعلق الأمر بالمتورطين في الفساد والاعتداء على المال العام”.

وأكد الغلوسي أن “الجمعية المغربية لحماية المال العام تشدد على ضرورة إحالة مشروع قانون المسطرة الجنائية على المحكمة الدستورية قبل المصادقة عليه، لضمان احترام الدستور وحماية مبدأ استقلال النيابة العامة، لا سيما أن المادتين 3 و7 من المشروع تمثلان تهديدًا جديًا لجهود مكافحة الفساد، وتُظهران ميلاً لاستعمال البرلمان كأداة تشريعية لتحصين لوبيات الفساد من المساءلة”، على حد تعبيره.

وأشار إلى أن “هذين المقتضيين يتعارضان مع التزامات المغرب الدولية، خصوصًا تلك المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي صادق عليها المغرب ونشرت في الجريدة الرسمية، إضافة إلى ما يشكله ذلك من انتهاك صريح للدور الدستوري للمجتمع المدني في تقييم السياسات العمومية والمساهمة في تخليق الحياة العامة”.

واعتبر الغلوسي أن “استمرار هذا المسار التشريعي المقلق، دون رقابة دستورية صارمة، يُنذر بتكريس ثقافة الإفلات من العقاب والتراجع عن المكتسبات الديمقراطية والحقوقية التي راكمها المغرب خلال العقود الأخيرة”.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا