كشف التقرير السنوي الثاني عشر حول الاستقرار المالي، الصادر عن بنك المغرب وهيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي والهيئة المغربية لسوق الرساميل، عن استمرار نمو التمويلات التشاركية في قطاع السكن، رغم حالة الركود التي تعرفها السوق العقارية الوطنية، في وقت أكد فيه خبير اقتصادي أن تطور الأبناك التشاركية يجري وفق سياسة مدروسة لا تهدف إلى تهديد الأبناك التقليدية، بل إلى خلق توازن بنكي بديل.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور ياسين عليا، أستاذ الاقتصاد وباحث في السياسات العمومية، إن واضعي السياسة المالية في المغرب تعمدوا منذ البداية ألا يكون للأبناك التشاركية أثر مهدد لسوق الأبناك التقليدية، موضحا أن الهدف كان هو إتاحة بديل مصرفي موازٍ، يندمج تدريجيا في المشهد المالي الوطني، دون أن يُحدث اضطرابا في التوازن القائم.
واعتبر عليا، في تصريح لجريدة “العمق”، أن تجربة الأبناك التشاركية تُعد واعدة جدا، مشيرا إلى أنها بصدد كسب ثقة متنامية داخل السوق الوطنية، لكنها لا تزال تواجه تحديات تحول دون توسعها بشكل كبير، خصوصا في قطاع التمويلات العقارية، حيث لا يرى المستهلكون فرقا اقتصاديا واضحا بينها وبين الأبناك التقليدية.
وأضاف الخبير أن تقارب هوامش الربح التي تعتمدها الأبناك التشاركية مع الفوائد البنكية التقليدية، يُبقي على نوع من الالتباس لدى الزبناء، ويجعل التعامل مع هذه المؤسسات مرتبطا في الغالب بـقناعات دينية، أكثر من كونه اختيارا مبنيا على مزايا اقتصادية واضحة.
وتعكس معطيات التقرير المذكور هذا التوجه، إذ سجلت التمويلات التشاركية الموجهة للسكن خلال سنة 2024 نموا بنسبة 16 في المائة، لتبلغ 25 مليار درهم، تُمنح أساسا على شكل مرابحات عقارية تقدمها البنوك والنوافذ التشاركية.
وفي المقابل، استقرت قروض السكن الإجمالية عند حدود 265 مليار درهم، محافظة على نفس نسبة النمو المسجلة سنة 2023 والمحددة في 1.5 في المائة، وهي نسبة اعتُبرت دون المعدلات التاريخية، ما يعكس ركودا مستمرا في السوق العقارية، وحالة من التريث في قرارات الاقتناء من طرف الأسر المغربية، في ظل مناخ اقتصادي يتسم بعدم اليقين.
وأشار التقرير أيضا إلى أن القروض ذات السعر الثابت لا تزال تمثل 93 في المائة من إجمالي التمويلات العقارية، فيما تراوحت أسعار الفائدة المطبقة على 79 في المائة من القروض بين 4 و6 في المائة، مسجلة ارتفاعا بنقطتين أساسيتين مقارنة بسنة 2023.
أما القروض بفائدة بين 6 و8 في المائة، فقد تراجعت إلى 11 في المائة، في حين لم تتجاوز حصة القروض بفائدة أقل من 4 في المائة نسبة 9 في المائة.
وفي هذا السياق، شدد الدكتور عليا على أن للأبناك التشاركية فرصا حقيقية للعب أدوار أكبر، شريطة تنويع منتجاتها وتوسيع عروضها، خصوصا في قطاع العقار، الذي يشهد تراجعا في الإقبال وارتفاعا مستمرا في الأسعار، ما يؤثر سلبا على مردودية المؤسسات البنكية بشكل عام.
وختم الخبير تصريحه بالتأكيد على أن تطور الأبناك التشاركية في المغرب يسير بوتيرة تصاعدية محسوبة، وفق تصور تدريجي يروم تعزيز التعدد البنكي دون خلق منافسة صدامية مع الأبناك التقليدية، بما يضمن تنوع الخيارات أمام المستهلك المغربي ضمن إطار من الاستقرار المالي والرقابة المتوازنة.