مجيباً عن خمسة أسئلة آنية لفرق من الأغلبية والمعارضة بمجلس المستشارين، حول “التدابير الحكومية المتخذة للحماية من الفيضانات وتداعياتها على البنيات التحتية والساكنة”، أقرّ نزار بركة، وزير التجهيز والماء، بأنه “رغم الإجراءات الاستباقية لمصالحنا بالأرصاد الجوية سُجلت أضرار بسبب فيضانات الأودية والشِّعاب، من بينها أضرار بالبنيات التحتية الطرقية وانقطاع حركة السير في 141 مقطعا طرقياً”، معددا منها “53 مقطعا من الطرق الوطنية، و38 مقطعا من الطرق الجهوية، و50 مقطعا من الطرق الإقليمية؛ من بينها 69 منشأة فنية (4 قناطر بطاطا وميدلت وفجيج وجرادة) و47 منشأة مائية مُبلطة radiers و18 منشأة مائية من صنف dalots”.
وأضاف بركة، الذي اعتلى منصة الغرفة الثانية للبرلمان خلال جلسة الأسئلة الشفهية الأسبوعية، مساء الثلاثاء، أن “المغرب من البلدان التي تواجه إشكالية التغيرات المناخية، وهذه الأخيرة تؤدّي إلى المظاهر القصوى لتطرف المناخ الذي تمظهَرَ في ست سنوات متتالية من الجفاف، وفيضانات عشناها ابتداء من نهاية شهر غشت الماضي”، لافتاً إلى “خطورة المظاهر القصوى للتغيرات المناخية المتواترة التي أدت إلى تساقطات مطرية استثنائية وغير مسبوقة”، وفق تعبيره.
وأبرز وزير التجهيز والماء، في معرض جوابه المفصل، أن “الحكومة والوزارة قامت بوضع نظام مندمج للمساعدة على تدبير مخاطر الفيضانات هو الأول من نوعه على مستوى التراب الوطني لتجاوز الإشكاليات”، غير أنه استدرك قائلا: “وجب الإقرار بأن ما عشناها في الأسابيع الماضية تساقطات استثنائية”.
“في ظرف ساعات قليلة تساقطَت ما بين 47 و115 مليمترا من الأمطار، ما كان له وقع على المنشآت المائية والأودية التي بلغت حمولات مائية قياسية لم يسبق لنا أن عشناها منذ 1000 سنة (تحدُث مرة في كل ألف سنة)”، يردف الوزير الذي استعان بلغة الأرقام، موردا أن “حوض المْعيدر” بإقليم زاكورة سجل معدل 3171 مترا مكعبا للثانية، فيما 2300 متر مكعب/الثانية بحوض درعة السفلى (إقليم طاطا).
قال المسؤول الحكومي ذاته: “لحماية الساكنة والبنيات التحتية من الفيضانات اتخذت الحكومة والوزارة العديد من التدابير الاستباقية”، عدَّدَ أبرزها في “العمل على تحديث وعصرنة شبكة القياس المناخية والهيدرومناخية ووضع أجهزة الرصد والمراقبة” وزاد معلقا: “نرى من الضروري أن تكون هناك استباقية وإنذار في مثل هذه الحالات لضمان سلامة المواطنين”.
“كما عملنا على إنجاز البنيات التحتية اللازمة من طرف مصالح الوزارة ووكالات الأحواض المائية عبر حماية 250 موقعاً مهدَّداً بالفيضانات بكل جهات المملكة، في 250 جماعة ترابية”، يفيد بركة، معتبرا أن “السدود المنجزة، سواء التلّية أو الكبيرة منها والمتوسطة، تلعب أدواراً مهمة من أجل الحماية من الفيضانات”، وضاربًا المثال بسَد “فاصك” في منطقة كلميم الذي قام بحماية المدينة والإقليم من فيضانات كارثية، ومشيدا في السياق ذاته بأدوار سد المنصور الذهبي وأكدز ومولاي علي الشريف في التقليل من حدة الأضرار.
وعاد الوزير للتأكيد أن “تدبير الأزمات والمخاطر المناخية يهم عدة قطاعات حكومية تنتهج طريقة تشاركية تعتمد على التعاون المؤسساتي المشترك، والالتقائية من أجل إدارة متكاملة للمخاطر”، مستشهداً بأن “الاستجابة لتداعيات سيول الجنوب والجنوب الشرقي رُصدت لها ميزانية توقعية بـ 2,5 مليار درهم، لتنزيل برنامج إعادة تأهيل المناطق المتضررة من الفيضانات بكل من أقاليم الرشيدية وميدلت وورزازات وتنغير وزاكورة وفجيج وجرادة وتارودانت وطاطا وتزنيت وكلميم وآسا الزاك، وفق توجيهات ملكية”.
زاد بركة شارحا أن دور وزارة التجهيز والماء متمثل في “تحديد برنامج لتأهيل الطرق والمنشآت الفنية المتضررة للأشهر الثلاثة المتبقية من سنة 2024″، معلنًا للمستشارين البرلمانيين أنه تم “انطلاق صفقات تهم 71 مقطعا طرقيا و69 منشأة فنية، فيما يجري الإعداد لصفقات تهم 8 مقاطع طرقية و55 منشأة فنية” خلال 2025 و2026، مستحضراً “القيام بأشغال لفتح الطرق المتضررة التي تتمثل في 141 مقطعا طرقيا ومنشأة فنية”.
كما تواصل الوزارة برامجها للحد من آثار الفيضانات بالمناطق الشرقية والجنوبية الشرقية، وتهم “أحواض كير زيز غريس” عبر تسريع إنجاز سد صغير بآيت الفرسي بإقليم تنغير؛ وبرمجة 6 مشاريع للحماية من الفيضانات، فضلا عن أحواض درعة واد نون: برمجة 13 مشروعا للحماية من الفيضانات؛ ثم برمجة 3 مشاريع للحماية من الفيضانات بحوض ملوية.
إجمالاً أجمعت تعقيبات المستشارين من “فرق الأغلبية” على أنه رغم تسجيل إنعاشها الفرشات المائية والسدود فإن “السيول الجارفة بمناطق الجنوب الشرقي تنبه إلى مفاقمة معاناة الساكنة المتضررة بخسائر مادية وبشرية، خصوصا في أقاليم بعينها، أبرزُها طاطا وتنغير وفجيج وزاكورة، مُنبهين إلى “ضرورة الإسراع في جبر ضرر البنيات الطرقية وخسائر المواطنين الذين يعانون العزلة والهشاشة بالقرى”.
أما بالنسبة للفريق الاشتراكي-المعارضة الاتحادية بمجلس المستشارين فـ”الموضوع يتجاوز قطاع التجهيز والماء إلى مسؤولية مشتركة لباقي القطاعات الحكومية المعنية بالسيول وتداعياتها”، داعياً إلى “التدخل بسرعة وفعالية”. بينما دعا الفريق الاستقلالي إلى “تفعيل أنظمة الإنذار المبكر وتدريب الساكنة المحلية على بروتوكولات حالة الطوارئ المناخية في حالة وقوع كوارث طبيعية”.
في سياق حديثه ضمن تفاعله مع سؤال حول “عمليات الاستمطار الاصطناعي” قال وزير الماء إن “برنامج الغيث يخضع لتدخل علمي دقيق وبمعايير عالمية، بحيث تتم مراقبة الحالة الجوية وتحليلها بدقة، ويتم اجتناب عمليات تلقيح السحب في الحالات القصوى التي يمكن أن تشكل خطورة، والمصحوبة بنشرات الإنذارات”، نافياً في السياق ما روّجَت له مواقع التواصل من علاقة الاستمطار الصناعي بفيضانات الجنوب الشرقي (شهري غشت وشتنبر).
وأوضح الوزير أن “برمجة عمليات الاستمطار تكون خلال الحالات الجوية غير القصوى التي تمتاز بتوفر الشروط المطلوبة لإنجاح عملية تلقيح السحب”، مشددا على أنه “خلال هذه الفيضانات الأخيرة لم يتم استخدام هذه التقنية، بل هي قدرة إلهية”.
وبعد أن بسَط “حصيلة عمليات تلقيح السحب بالوسائل الأرضية والجوية منذ 2021” (140 عملية استمطار صناعي؛ 52 منها بالطائرات)، استعرض بركة “الإجراءات المزمع اتخاذها لتعميم وتطوير برنامج الغيث، عبر تفعيل اتفاقية متعددة الأطراف بمساهمة وزارات التجهيز والماء والداخلية والاقتصاد والمالية والفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، مع إدارة الدفاع الوطني والدرك الملكي (اللجنة العليا الوطنية لبرنامج الغيث)”.