آخر الأخبار

تعطيل “القانون الإطار” يطلق يد مؤسسات التعليم الخصوصي لـ”افتراس” جيوب المغاربة

شارك الخبر
مصدر الصورة

منذ دخول القانون الإطار 51.17 المتعلق بإصلاح منظومة التربية والتكوين في المغرب، حيز التنفيذ،  أصبح التعليم الخصوصي محورًا رئيسيًا للنقاش حول جودة التعليم وتكافؤ الفرص. فبالرغم من الرؤية الطموحة التي ينص عليها هذا القانون، يُلاحظ أن العديد من مؤسسات التعليم الخصوصي لم تلتزم ببنوده، مما يعكس ضعف الرقابة على القطاع ويثير تساؤلات حول دور التعليم الخصوصي في تحسين منظومة التعليم، وما إذا كان قادرًا على تحقيق الأهداف المنصوص عليها في القانون الإطار.

وتبرز معطيات أوردها رئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التعليم، عبدالناصر ناجي، أن قطاع التعليم الخاص في المغرب شهد خلال السنوات الاخيرة نمواً غير مسبوق، حيث تضاعفت أعداد تلاميذ التعليم الابتدائي فيه من 16.5% قبل جائحة كوفيد إلى 18.5% اليوم، ووصلت نسبته إلى 11% في الإعدادي و12% في التأهيلي، بينما يشكل عدد مؤسسات التعليم الخاص 40% من مجموع المؤسسات التعليمية في المملكة، وتتجاوز هذه النسبة 50% في التعليم الثانوي.

ويثير هذا التوسع السريع تساؤلات، حول مدى التزام هذه المؤسسات بمبادئ القانون الإطار 51.17 المتعلق بالتربية والتكوين، والذي يهدف إلى ضمان تعليم جيد وميسر لكل المواطنين بعيداً عن منطق السوق.

ويرى متتبعون أن استمرار تجاهل القانون الإطار وترك التعليم الخاص، دون رقابة صارمة يعمق الفجوة الاجتماعية في المغرب، ويضع عبئاً أكبر على الأسر. مشيرين إلى أن الأمر يتطلب التزاما حقيقيا من الجهات المسؤولة لتفعيل مقتضيات القانون الإطار، وضمان الرقابة الفعالة على مؤسسات التعليم الخاص، بحيث يكون التعليم حقا متاحا للجميع، وليس امتيازا للقادرين على أداء مبالغ ضخمة للمؤسسات الخصوصية.

وفي هذا السياق، قال ناجي ضمن تصريح لجريدة “العمق”، إنه بالرغم من كون قطاع التعليم الخاص يساهم سنوياً بنحو 10 مليارات درهم في تخفيف العبء المالي عن ميزانية الدولة، بالإضافة إلى توفير أكثر من 100 ألف فرصة عمل، إلا أن هذا النمو الكبير يرافقه جدل واسع حول تجاوز بعض المؤسسات التعليمية الخاصة للقانون، وسط دعم غير مباشر من بعض الهيئات الرسمية التي تشجع على تحرير الأسعار داخل هذا القطاع.

العرض والطلب

وفي تجاهل تام لمقتضيات القانون الإطار، أكد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة الأسبق، شكيب بنموسى، أن القانون المغربي، لا يخول لوزارته التدخل في تحديد الرسوم التي تفرضها مؤسسات التعليم الخصوصي، وأوضح بنموسى في جواب كتابي على سؤال برلماني بشأن مراقبة واجبات الدراسة وجودة التعليم في المؤسسات الخاصة، أن تحديد الرسوم والواجبات المطبقة في المؤسسات التعليمية الخاصة يبقى، خاضعا لمبدأ العرض والطلب.

وأوضح الوزير الأسبق، أن القانون رقم 06.00، الذي يعتبر النظام الأساسي للتعليم المدرسي الخصوصي، لا يمنح الوزارة صلاحية التدخل في تحديد الرسوم التي تفرضها هذه المؤسسات، مشيرا إلى أن هذا الأمر يخضع لمنطق العرض والطلب ونوعية الخدمات المرغوبة من قبل أولياء الأمور، مؤكدا على أن رسوم التمدرس يتم تحديدها من قبل المؤسسات التعليمية بناءً على نوعية الخدمات المقدمة، وأن هذا التحديد مؤطر بقانون حرية الأسعار والمنافسة.

وأعلنت وزارة التربية الوطنية، في وقت سابق عزمها تطوير آليات لمنح علامة الجودة لمؤسسات التعليم الخصوصي، بهدف تمكين الأسر من الاطلاع على أداء كل مؤسسة واختيار الأفضل لأبنائهم.

وأكد رئيس مؤسسة “أماكن”، أن التعليم الخاص بات مرتكزاً على قانون العرض والطلب، وهو ما يعزز رغبة المستثمرين في دخول هذا المجال الذي يتمتع بربحية عالية ويشهد طلباً متزايداً، حيث دعم مجلس المنافسة هذا التوجه، عبر توصية أصدرها عام 2021 يجيز فيها حرية تكوين أسعار التعليم المدرسي الخاص، معتبراً أن “هذه الحرية تمثل ركيزة أساسية لتعزيز المنافسة وتحسين جودة الخدمات التعليمية المقدمة”.

وسجل الخبير التربوي، أن  هذا الرأي يتعارض مع ما ينص عليه القانون الإطار، الذي ينطلق من رؤية اجتماعية تعتبر التعليم خدمة عمومية، تستوجب مراعاة خصوصيات المجتمع المغربي وضرورة الابتعاد عن تسليع هذا القطاع الحيوي، وفق تعبير ناجي.

ويُلزم القانون الإطار مؤسسات التعليم الخاص، بعدة ضوابط واضحة.فوفقًا للمادة 13، يجب أن تكون هذه المؤسسات منفتحة على جميع الفئات الاجتماعية، لا سيما الأسر ذات الدخل المحدود، بما يضمن استفادتها من التعليم. كما تلزم المادة ذاتها مؤسسات التعليم الخاص بالمساهمة في تحقيق التعليم الإلزامي والمساواة في الفرص، مما يضعها في موضع التكامل مع المدرسة العمومية، لا كمشروع ربحي مستقل.

أما المادة 14 من القانون الإطار، فتنص على ضرورة التزام مؤسسات التعليم الخاص بالمعايير التربوية والإدارية والتنظيمية التي تحددها الدولة، خاصة تلك المتعلقة بالجودة والشفافية. وتشدد المادة أيضًا على أهمية تحديد رسوم التسجيل والدراسة والإطعام والنقل المدرسي بكل وضوح وشفافية، وذلك من أجل حماية الأسر من التكاليف الباهظة، فضلًا عن وجوب الالتزام بمراقبة الأداء التعليمي.

ومع ذلك، يشير رئيس “أماكن”، إلى أن هذه المبادئ غالباً ما تظل حبراً على ورق وسط غياب شبه تام لآليات المراقبة الفعالة. ولفت إلى أن وزارة التربية الوطنية، أقرت نفسها بأن لجان المراقبة التابعة لها لم تتمكن من زيارة أكثر من 27%، من المؤسسات الخاصة خلال الموسم الدراسي 2017-2018، مما يكشف عن صعوبة تطبيق القانون في أرض الواقع، ويؤكد حاجة هذا القطاع إلى رقابة جادة.

الضبط والمراقبة

وأوضح المتحدث ذاته، أن المادة 2 من القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، تكرس مبدأ حرية أسعار السلع والمنتوجات والخدمات اعتمادا على العرض والطلب. إلا أنه يحق للإدارة التدخل، من أجل تحديد أسعار بعض السلع والمنتوجات والخدمات، وتستفيد من هذا التقنين للأسعار حاليا، مجموعة من الخدمات مثل النقل والخدمات الطبية بالإضافة إلى الكتب المدرسية. باستثناء خدمات التعليم الخاص التي لم تخضع لهذا التقنين رغم أن القانون الإطار تبنى صراحة هذا الاختيار، وهو ما يبين قدرة أرباب التعليم الخاص على التأثير على القرارات المتخذة ولو كانت في بعض الأحيان متعارضة مع القانون الإطار.

وأضاف الخبير التربوي، أن القانون الإطار، يشدد على أن التعليم حق أساسي لجميع المغاربة، وينص على وجوب عمل مؤسسات التعليم الخاص بما يتفق مع المصلحة العامة، وليس كسلعة تجارية، مسجلا أن ترك التعليم الخاص في إطار حرية الأسعار، يدفع العديد من الأسر إلى اللجوء إليه كحل اضطراري هروباً من واقع المدرسة العمومية، مما يزيد من الضغوط المالية على الأسر، خاصة في ظل غياب معايير واضحة للجودة التي يجب أن تلتزم بها هذه المؤسسات.

ويرى ناجي، أن السياسة المتبعة من طرف وزارة التربية الوطنية، تتجه نحو التركيز على المدرسة العمومية، وترك التعليم الخاص يتطور وفق قواعد المنافسة في دعم واضح لرأي مجلس المنافسة، وتخل صارخ لما جاء به القانون الإطار، من مقتضيات تحث على التقنين والضبط والمراقبة وتحديد الأسعار.

وخلص المتحدث إلى أنه “إذا كان هذا التوجه صائبا في المنطلق الذي تأسس عليه والمتمثل في أن تقوية المدرسة العمومية سيجعل من الذهاب إلى التعليم الخاص اختيارا وليس اضطرارا”، فإن الوضع الحالي المتسم بالإقبال على التعليم الخاص هروبا من أزمة المدرسة العمومية لا يستقيم بتاتا مع التوجه المذكور، فضلا عن ذلك، فإن عدم وضع معايير الجودة التي ينبغي أن تنضبط إليها المدرسة، لا يسمح بحماية حق المواطن الذي يختار التعليم الخاص أو يضطر إليه في تعليم ذي جودة.

 

 

العمق المصدر: العمق
شارك الخبر

إقرأ أيضا