آخر الأخبار

عصمت دندش .. المؤرخةُ محاميةُ "المرابطين" و"أستاذة الأجيال" بالجامعة المغربية

شارك الخبر
مصدر الصورة

“دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا”، “دراسات أندلسية في السياسة والاجتماع”، “المرأة بين التراث والمعاصَرة”، “الأندلس في نهاية المرابطين ومستهل الموحّدين”، عناوين من بين أخرى أثرت بها المؤرخة المصرية المغربية الراحلة عصمت دندش المكتبات القارئة بالعربية، بعدما مسار مديد كانت فيه من روّاد الكتابة في تاريخ الغرب الإسلامي، و”أستاذة للأجيال” في تاريخ المغرب والأندلس والحضارة الإسلامية.

الأكاديمية عصمت دندش، التي ووريت الثرى بالعاصمة الرباط، بعد عقود من العطاء المعرفي تدريسا وتأطيرا وبحثا وتحقيقا، كانت رفيقة درب الأكاديمي الراحل محمد بنشريفة، بارزِ الأثر في مجال الأدب الأندلسي كتابة وتحقيقا وتدريسا وتأسيسا للبحث في الموضوع، أثرت المكتبات العربية بتحقيقات آخرها “سراج المريدين في سبيل الدين” للقاضي أبي بكر بن العربي المعافري، الصادر في ستة أجزاء.

وأعادت منشورات “دار الأمان” قبل أربع سنوات نشر مجموعة من كتب المؤرّخة عصمت دندش بعدما نفدت من السوق، وهي: “دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا 1038م- 1121م”، ودراسة وتحقيق مؤلّف أبي العباس بن العريف “مفتاح السّعادة وتحقيق طريق الإرادة”، و”الأندلس في نهاية المرابطين ومستهلّ الموحِّدين، عصر الطّوائف الثّاني 1116م- 1151م.. تاريخ سياسي وحضارة”.

موئل للطلبة

في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية قال الأكاديمي خالد الصمدي، كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي، إن “الدكتورة عصمت دندش جمعت ما بين الجانب التاريخي والاجتماعي والجانب الشرعي في الدراسات المغربية الأندلسية؛ وهذا نادر، ففي الجامعة المغربية كان إما التخصص في التاريخ وعلم الاجتماع، أو التخصص في العلوم الشرعية، وكان جديدها الجمع بين الأمرين، ما ميز فكرها، فكانت قراءتها متفاعلة بين التاريخ والمجتمع والعلوم، وخاصة حول الغرب الإسلامي في العصر الوسيط”.

وزاد الصمدي: “الفقيدة عصمت دندش أستاذتنا القادمة من مصر، وزوجة أستاذنا جميعا محمد بنشريفة، التحقت في تخصص التاريخ المغربي الأندلسي على وجه التحديد، وفضلت الاستقرار بالمغرب”، مردفا: “عرفتها من خلال دراساتها وأبحاثها لما كنت أنجز دبلوم الدراسات العليا نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات بالرباط، فأطروحتي كان فيها الجانب التاريخي والشق الثاني مدرسة فقه الحديث”.

وتابع المصرّح ذاته: “رغم أننا كنا ندرس الدراسات المغربية الأندلسية في دار الحديث، ونهتم بها علميا، إلا أننا لم نكن نهتم بها كثيرا تاريخيا واجتماعيا، وهي ومحمد بنشريفة كانا موئل الطلبة في هذا المجال”.

واسترسل كاتب الدولة السابق المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي: “أنجزت الأطروحة واستفدت من دراساتها وأبحاثها إلى أن عُيِّنَت عضوا في لجنة المناقشة لدبلوم الدراسات العليا، وفي المناقشة التي دامت حوالي ست ساعات كانت مداخلتها متميزة تاريخيا وفي تطوير الموضوع وتجويده، وبفضل ملاحظاتها وتوجيهاتها تم اختيار الكتاب من طرف وزارة الأوقاف بإذن من جلالة الملك الحسن الثاني للطباعة والنشر”.

أستاذة الأجيال

المؤرخ إبراهيم القادري بوتشيش قال إن المؤرخة عصمت دندش “إحدى شموس المعرفة، وإحدى قاماتها العلمية الشامخة، البحاثة الألمعية الأطروفة، والمعلّمة المربية، أستاذة الأجيال، المؤرخة المصرية الطلعة؛ وقد رحلت وهي في عزّ عطائها الفكري، وشموخها العلمي، بعدما كانت خريجة جامعة عين شمس بالقاهرة من العلماء العاملين المتقين، عصامية ناسكة في محراب البحث، واستقصاء التراث الأندلسي الذي مخرت عبابه جيئة وذهابا، واستخرجت درره عن طريق التحقيق العلمي الرصين”.

وذكر المؤرخ ذاته في تصريح لهسبريس أن “الفقيدة منذ أن التحقت بكلية الآداب بوجدة اختارت ثلاثة مسارات بحثية جعلتها بمثابة مشروع حياة: مسار البحث والتأليف في تاريخ الأندلس، وخصوصا الحقبة المرابطية – الموحدية، ومسار تحقيق التراث الأندلسي، في جوانبه الفكرية والصوفية، ومسار الدراسات النسائية التي جمعت فيه بين تاريخ نساء المغرب والأندلس وقضايا المرأة المعاصرة”.

وسجّل بوتشيش أن المؤرخة الراحلة “أدت رسالة تعليمية وتربوية مشرفة، إذ كانت أستاذة لوذعية، وهبها الله بسطة في اللّسان، وقوة في البيان، وغزارة في العلم، وطلاوة في الحديث، فكانت بارّة بطلبتها، قريبة من مشاغلهم حتى سكنت قلوبهم، واعتُبِرت بذلك أستاذة للأجيال، حيث تكوّن على يديها مجموعة من الباحثين، وأشرفت على عدد من رسائل الماجستير والدكتوراه”، وتابع: “يضاف إلى شخصيتها العلمية الجانب الإنساني، فهي مصرية المولد والنشأة، بيد أنها أحبت المغرب حد النخاع، وعشقت أهل مدينة وجدة التي اشتغلت في جامعتها منذ افتتاحها إلى سنة 1984، وخلالها كسبت صداقة عدة عائلات، منها عائلة أخت لي كانت تجاورها في السكن، وبقيت في علاقة معها حتى بعد مغادرتها مدينة وجدة. وكانت تخصني بدفئها العلمي منذ تعرفت عليها في هذه المدينة، وإن لم يحل ذلك دون تطبيق صرامتها ‘القاسية’ أثناء مناقشتها أطروحتي لدكتوراه الدولة سنة 1991. (…) ومن بين الأفكار التي كانت تدافع عنها الوحدة المذهبية في المغرب، إذ كانت تشير لي دائما إلى أن سيادة المذهب المالكي ووحدته في المغرب عصم هذا البلد الطيب من شرّ الفتن الواقعة في المشرق العربي”.

وحول العطاء العلمي للعالمة الراحلة قال المصرح ذاته: “منذ أن أنجزت المؤرخة المصرية الطموحة رسالتها للماجستر في موضوع ‘دور المرابطين في نشر الإسلام في غرب إفريقيا’ وهي تقدم إنتاجات تاريخية في غاية الأهمية، نحتت فيها أسئلة جديدة، فتحت بها أبواباً كانت موصدة، وخاصة في التاريخ العلائقي بين المغرب والأندلس وغرب إفريقيا، لتنتقل بعد ذلك في أطروحتها للدكتوراه في موضوع ‘الأندلس في نهاية المرابطين ومستهل الموحِّدين: عصر الطوائف الثاني’ نحو استقصاء الجوانب الحضارية للأندلس في مرحلة معتمة وشديدة الحساسية، وهي فترة الانتقال من الدولة المرابطية إلى الدولة الموحدية، وهي مرحلة تحول يصفها ابن خلدون بمرحلة الأفول الحضاري وانهيار العمران”.

ثم واصل المؤرخ المغربي: “بعد هذين الإنجازين المتميزين تبدأ المؤرخة (…)اختراق عدد من البقع المنسية في الحقبة التاريخية التي تخصصت فيها، فألّفت عدداً مهمّاً من التّأليفات الرّائقة، والمصنّفات الشّائقة التي زادت من تخصيب تلك الحقبة بإضافات جديدة، في شكل ورقات بحثية رصينة نشرتها في مجلات علمية، أو في شكل كتب بالغة القيمة من قبيل كتاب ‘أضواء جديدة على تاريخ المرابطين’ الصادر ببيروت سنة 1991، و’دراسات أندلسية في السياسة والاجتماع’، الصادر في بيروت أيضا سنة 2009”.

حكمة وعمقٌ في الفهم

المؤرخ المغربي البارز إبراهيم القادري بوتشيش قال إن الأكاديمية عصمت دندش “في كل مؤلفاتها ومقالاتها أبرزت عُمقا في الفهم، وقوّة في التّأمّل، وسداداً في تشخيص القضايا والإشكاليات؛ وكانت محامية ناجحة في الدفاع عن المرابطين، ودحض ترهات وافتراءات المستشرقين، واتهاماتهم الباطلة التي كالوها لهم، ولم تكن تقنع بالسائد المتواتر حول الدولة المرابطية، بل كانت تنبش في بعض القضايا الشائكة حتى ولو أن الأمر جرّ عليها انتقادات بعض الباحثين، لكنها كانت تحاورهم بقدر كبير من الحكمة والحصافة واللباقة، مثلما حدث لها مع المرحوم الدكتور عبد الهادي التازي في مسألة أسباب عودة يوسف بن تاشفين للمغرب بعد معركة الزلاقة، إذ ناقشته بهدوء وتؤدة، مدافعة عن أفكارها بأدب جمّ؛ وهو ما يبينه كتاب: ‘أضواء جديدة على تاريخ المرابطين'”.

وواصل بوتشيش: “الفاحص لمؤلفات المرحومة دندش يلاحظ كذلك ما تميزت به من دقة وفرط في الإتقان، وحسن البيان، وشدّة تحرّ، من خلال وضع فهارس الأعلام والأماكن والقبائل وغيرها من الفهارس، والحرص أيضا على التوثيق الدقيق، ووضع الصور والخرائط التوضيحية”.

وفي مجال التحقيق بيّن المؤرّخ أنه كان للراحلة فيه “القدح المعلّى، بفضل ما امتلكته من سعة الإطّلاع، وتوقّد الذهن، والحرص على الدقة والضبط والتحرّي، والتسلّح بالصبر؛ وقد بدأت تجربتها في التحقيق من خلال رسالة الماجستير التي نشرتها سنة 1988، وفيها حققت في ملحق أضافته إلى رسالتها الجامعية بعنوان ‘رسائل أبي بكر بن العربي’ (…)”، وزاد: “الأهمية نفسها تكتسيها تحقيقات المرحومة المؤرخة دندش لنوادر مخطوطات التراث الأندلسي الصوفي، سواء في تحقيقها لمخطوطة ‘مفتاح السعادة وتحقيق طريق السعادة’، لأبي العباس أحمد بن محمد ابن العريف الصِّنْهاجي (…) أو مخطوطة ‘سِراج المريدين في سبيل الدِّين’، للقاضي أبي بكر بن العربي (…) في 6 أجزاء، بدار ابن حزم ببيروت، التي انكبت على تحقيقها ما يربو عن ست سنوات من الفحص والتدقيق والضبط”.

وشدّد الأكاديمي ذاته على أن عصمت دندش “أسدت بهذه التحقيقات المنيفة خدمة كبيرة للباحثين، وأثرت خزانة تاريخ وتراث الأندلس بهذه التحف من النصوص المحققة”.

ومن بين ما اهتمت به الفقيدة في مشروعها العلمي، وفق شهادة إبراهيم القادري بوتشيش ذاتها، “دراسة القضايا النسائية اعتمادا على التاريخ والواقع النسائي العربي؛ ففي كل مؤلفاتها كانت حريصة على إبراز أدوار النساء في المغرب والأندلس، وعاداتهن وتقاليدهن، ومنجزاتهن العلمية، ونظرة المجتمع إليهن، حريصة على انتشالهن من زوايا التهميش والنسيان، فأماطت بدراساتها المتنوعة اللثام عن كثير من الوجوه النسائية التي كان لها موطئ قدم في التحولات التي حدثت في مسار الدول”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك الخبر

إقرأ أيضا