آخر الأخبار

أشكال جديدة للفساد تحرم المقاولات المتوسطة والصغرى من الصفقات العمومية

شارك الخبر
مصدر الصورة

مُعطيات مقلقة تلك التي كشف عنها الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومُحاربتها مؤخرا بخصوص تعرّض الشركات المغربية لأفعال فساد من أجل حصولها على خدمات لديها فيها حق السنة الماضية؛ إذ رصدت تصريح ما يفوق رُبع المقاولات (26 في المائة) بفقدانها عقدا أو صفقة عمومية بسبب إحدى هذه الأفعال، مُبرزة أن غالبية المقاولات المتضررة تنتمي إلى صنف المتوسطة، الصغرى والصغيرة جدا، وهو ما يفسّره الأرباب بـ”لجوء المفسدين إلى ممارسات جديدة تلتف على رقمنة هذا المجال، تحديدا من خلال البوابة الوطنية للصفقات العمومية”.

ويدفع أصحاب المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة في حديثهم لجريدة هسبريس بأن من بين “تلك الممارسات تفصيل واضعي الصفقة العمومية بنودها على مقاس مقاول كبير ما نظير تقديمه مقابلا ماديا، أو ابتزاز المسؤولين أو الموظفين الجماعيين للمقاولين المتوسطين أو الصغار الفائزين بالصفقة من أجل تمكينهم من الوثائق الإدارية التي تسمح بصرف مستحقاتهم المالية أو المتبقي منها بعد إتمام الأشغال”، مُنبهين رفقة خبراء اقتصاديين إلى أن “هذه الممارسات المسيئة لصورة مناخ الأعمال بالمغرب تعمق الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها هذه المقاولات منذ جائحة كورنا 2019، وتساهم في تسجيل الأرقام القيّاسية لإفلاسها التي تصل إلى 17 ألف مقاولة مفلسة سنويا”.

وكانت الهيئة ذاتها أوضحت في تقريرها السنوي لسنة 2023، أيضا، “تصريح 18% من المقاولات التي أنجزت استثمارات أو خططت لذلك خلال الـ 24 شهرا الماضية، وهي للتذكير تمثل 9% من مجموع المقاولات المستجوبة ( في إطار الشق المرتبط بالمقاولات ضمن البحث الوطني حول الفساد)، أنها تعرضت لشكل من أشكال الفساد”، ملاحظة أن “المقاولات الصغرى والمتوسطة هي أكثر عرضة لذلك مقارنة مع المقاولات الكبرى”.

وعلى صعيد آخر أشار تقرير الجهة ذاتها إلى أن “نسبة 3% من المقاولات التي تم استجوابها صرحت بتعرضها لحالة من حالات الفساد من أجل الحصول على التراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية”.

“التفاف على الرقمنة”

عبد الله الفركي، رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة، أكدّ أن “أعدادا كبيرة من المقاولات المنتمية إلى هذا الصنف مازالت تُحرم من صفقات القطاعات العمومية والجماعات الترابية بسبب استمرار مُرافقة ضروب مختلفة من الفساد لهذه الصفقات، رُغم إحداث البوابة المغربية للصفقات العمومية بغرض ضمان أقصى حد ممكن من الشفافية في هذا المجال”، مُوضحا أن “هذه البوابة ساهمت في الحد من الأشكال التقليدية للفساد التي كانت تشوب هذا الميدان، لكن مازالت هناك أشكال أخرى يلتف من خلالها المفسدون على الرقمنة”.

وأوضح الفركي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “أحد هذه الأشكال يتمثّل في اتفاق واضعي الصفقة العمومية مع المقاول الكبير، مُقابل نظير مالي، على تفصيل هذه الصفقة على مقاسه بتضمينها البنود والمعايير التي تتوفّر في مقاولته، ولا تستجيب لها المقاولات المُنافسة المتوسطة أو الصغرى أو الصغيرة جدا؛ بشكل يجعل هذا المقاول يظهر وكأنه ظفر بالصفقة بشفافية”، مُبرزا أنه “بالنسبة لصفقات البناء والأشغال العمومية على سبيل المثال يتم اللجوء على سبيل المثال إلى وضع شرط انتماء المقاولة إلى الصنف الثالث لإقصاء المقاولات الصغرى والصغيرة والمتوسطة التي لا يحوز أغلبها هذا التصنيف، ولا تتوفّر على الإمكانيات المادية لبلوغه”.

وأوضح رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة أن “الشكل الآخر من الفساد تتعرّض له المقاولات بعد الفوز بالصفقة العمومية وإنجازها؛ إذ تتعرّض خلال سلوكها المساطر الإدارية اللازمة لصرف الأموال المستحقة لابتزازات مُتكررة من المسؤولين الإداريين، ونواب رؤساء الجماعات والموظفين الجماعيين المكلفين بالتأشير على الوثائق”، مُعتبرا أن “طلب العديد من هؤلاء الرشاوى بغاية تمكين المقاولين من الوثائق المرتبطة بالصفقات العمومية أو التراخيص والمأذونيات والرخص الاستثنائية أصبح أمرا مسلما به”، وزاد: “إنهم يعتبرون ‘حلب’ جيوب المقاولين ضروريا في ظل اعتبارهم أجرتهم الشهرية غير كافية”.

وتابع الفركي بأن “هذه الممارسات تزيد من حدة الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تعيشها المقاولات الصغرى والصغيرة جدا والمتوسطة منذ أيام جائحة كورونا؛ التي أدت إلى إفلاس الآلآف منها”، مُوضحا أن “الأرقام المخيفة المعلنة بخصوص عدد المقاولات المفلسة سنويا من هذا الصنف هي أقل من الواقع، لأنها تهم المقاولات المتمتعة بالشخصية الاعتبارية فقط، وتستثني المقاولات الصغيرة ذات الطابع الذاتي ومقاولات الأفراد”.

“تداعيات اقتصادية”

من جانبه أكد محمد جدري، خبير اقتصادي، أن “الفساد الذي يرافق الصفقات العمومية يحرم العديد من المقاولات المتوسطة والصغرى والصغيرة جدا من الاستفادة من طلبيات القطاعات العمومية والجماعات الترابية، وهو ما يؤدي إلى إعاقة نمو رقم معاملاتها ومردويتها وقدرتها على التشغيل”، مُوضحا أن “هذا الحرمان هو من بين الأسباب الأساسية التي تؤدي إلى إفلاس ما يصل إلى 17 ألف مقاولة منتمية إلى هذا الصنف من المقاولات، سنويا”.

وبيّن جدري، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “العراقيل المرتبطة بمناخ الأعمال، وعلى رأسها الفساد والرشوة، تُضعف نمو رقم معاملات المقاولات المتوسطة والصغرى والصغيرة جدا ومردوديتها وكذا قدرتها على التشغيل”، مُبرزا أن “إفلاس هذه المقاولات أو تدهور وضعيتها المالية جراء ضعف ولوجها إلى الصفقات العمومية سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المغربي، بالنظر إلى أنه يعوّل عليها بقوة لخلق فرص الشغل”.

وأوضح الخبير الاقتصادي ذاته أن “هذه الممارسة تأتي تزامنا مع عدم تطبيق القطاعات العمومية والجماعات الترابية المقتضى القانوني الذي يمنح المقاولات المتوسطة والصغرى والصغيرة جدا الحق في الاستفادة من 20 في المائة من الصفقات العمومية؛ وهو ما يكرّس ارتهان خزينتها لمداخيل أنشطة المناولة لدى الشركات الكبرى، رُغم كون نسبة كبيرة من هذه الأخيرة مازالت تبصم على ممارسات التفافية تسمح لها بتأخير ما في ذمتها من مستحقات مالية لفائدة المقاولات المُناولة لديها”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك الخبر

إقرأ أيضا