آخر الأخبار

تآمر تقوده مصر داخل أروقة الاتحاد الإفريقي: المفوضية بين أجندة بورتسودان وإجهاض الرباعية

شارك

د. مصطفى عبد السلام

في لحظة تاريخية دقيقة يمر بها السودان، تتكشف خيوط لعبة سياسية معقدة، بطلها هذه المرة مفوضية الاتحاد الإفريقي، التي يُفترض أن تكون حَكماً نزيهاً ووسيطاً محايداً، فإذا بها – بحسب شواهد عديدة – تتحول إلى أداة تخدم أجندة سلطة الأمر الواقع في بورتسودان.

دعت المفوضية خمسين شخصية سودانية للمشاركة في ما سمته “العملية السياسية” يعقد في أديس أبابا في الفترة من 6-10 اكتوبر القادم، غير أنّ هذه الدعوة لم تمر عبر أي قنوات تشاور مع القوى الوطنية الرئيسة، ولا حتى مع رؤساء الدول الإفريقية المعنية مباشرة بالملف السوداني.

الأدهى من ذلك أنّ المفوضية أعلنت موافقتها العلنية على بيان الرباعية، لكنها عملياً تسعى – كما تؤكد المؤشرات – إلى إجهاضه وتفريغه من مضمونه!

ويكفي النظر إلى تركيبة المدعوين: عشر دعوات فقط ذهبت إلى تحالف (صمود)، بينما أُرسلت أربعون دعوة إلى أحزاب وحركات وشخصيات تدور في فلك بورتسودان، جلّها معروف بولائها المعلن للجيش والكيزان ووقوفها مع استمرار الحرب، اغلبهم ينتمي لجماعة (الموز) الذين لا يملكون لا قاعدة شعبية ولا كفاءة تؤهلهم للتأثير في مصير البلاد.

مصادر مطلعة كشفت أن هذه القائمة لم تُعد في أديس أبابا، بل جرى تحديدها في بورتسودان وإرسالها جاهزة إلى موظفي المفوضية.

ولا يمكن فهم هذه الترتيبات من دون الإشارة إلى شخصية محمود علي يوسف، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، الذي تجمعه صلات أيديولوجية بجماعة الإخوان المسلمين، الحليف السياسي لسلطة بورتسودان. أكثر من ذلك، أشارت تسريبات إلى أنّ عدداً من موظفي المفوضية سبق وتلقوا “هدايا” ثمينة عبر وسطاء معروفين مثل إبراهيم غندور وعلي صديق والدرديري محمد أحمد، وهو ما يطرح أسئلة صعبة حول نزاهة الجهاز المفترض أن يكون ضامناً للحل الإفريقي.

محمود علي يوسف أول عربي يرأس مفوضية الاتحاد الأفريقي

وإذا كان بيان الرباعية قد نصّ بوضوح على استبعاد الإخوان المسلمين وواجهاتهم، إلى جانب طرفي الحرب، فإن منطق المفوضية يبدو معكوساً: فهي تدعو داعمي الجيش وتستبعد داعمي قوات الدعم السريع، في مشهد لا يفسر إلا بكون العملية مصممة بالكامل بالتنسيق مع بورتسودان ولمصلحتها الخالصة.

المصادر ذاتها تكشف عن بعد إقليمي آخر: تنسيق المفوضية مع جامعة الدول العربية ومصر، رغم أنّ القاهرة وقعت على بيان الرباعية تحت ضغط مثلث واشنطن والرياض وأبوظبي. غير أنّ نواياها بقيت على حالها: دعم الإخوان في السودان لإبقاء جذوة الحرب مشتعلة، بما يتيح لها الاستفادة من مياه النيل ونهب موارد البلاد. إنها أجندة لا تخدم سوى مصالح ضيقة، ومعادية لمصالح الشعب السوداني.

علاء الدين محمد عثمان

في هذا السياق، يطرح تساؤل مشروع: بأي منطق يصبح الشفيع خضر – وهو بلا قاعدة سياسية – أحد المستشارين في صياغة دعوات المفوضية، بل يُدعى إلى نيروبي ليتولى التنسيق المباشر مع العمامرة وموظفي المفوضية؟ وبأي منطق آخر ينشط علاء الدين محمد عثمان، الموظف (المزدوج) في مكتب البرهان، في عملية الحشد للمؤتمر؟ إن غياب أي تفسير منطقي لا يترك سوى احتمال واحد: نفوذ مصري منسّق مع بورتسودان.

إنّ الخلاصة التي تفرض نفسها بوضوح أنّ المفوضية لا تسعى إلى تنفيذ إعلان الرباعية، بل إلى “تنفيسه” وإفراغه من محتواه عبر ترتيبات شكلية تخدم أجندة السلطة المسيطرة في بورتسودان وحلفائها الإقليميين.

ولذلك، فإن كبح هذا التآمر لا يمكن أن يتحقق إلا بتدخل مباشر وحاسم من رؤساء الدول الإفريقية أنفسهم، عبر الإمساك بخيوط مبادرتهم للسلام في السودان وتنفيذها على الأرض، بالتنسيق مع لجنة تحضيرية سودانية حقيقية تمثل أصحاب المصلحة الفعليين، بعيداً عن وكلاء الحرب وعملاء مصر.

الراكوبة المصدر: الراكوبة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا