"آليات عسكرية قديمة تم تحويلها إلى قنابل متنقلة هائلة الحجم، تُزرع في قلب الأحياء السكنية وتُفجّر عن بعد لنسف مبان سكنية بأكملها، وتحول الأشخاص الذين تصيبهم لفتات في لحظات، تأثيرها أمر وأشد من القصف".
هكذا يصف علم الغول من سكان مدينة غزة سلاحاً يراه الغزيون لأول مرة خلال كل الحروب التي عايشوها من قبل، يعرف باسم "الروبوتات المفخخة" التي زاد الجيش الإسرائيلي من وتيرة استخدامها مؤخراً.
يقول الغول لبي بي سي: "هذه الروبوتات قد تكون دبابات أو ناقلات جند قديمة لا تصلح للاستخدام، يأخذونها ويعملون على حشوها بالمواد المتفجرة، ثم يطلقونها في شوارع مدينة غزة، ويتحكمون فيها عن بعد، فبعد وضعها في المنطقة المستهدفة بدقائق يحدث انفجاراً مدوي للغاية، وتتحول السماء للون الأحمر القاني في ثوان معدودات، وتمتد شظايا الانفجار لمساحة 500 متر مربع في المنطقة، ويُحدث دمارًا هائلًا في المكان، وإن كان في محيط الانفجار أشخاص فلن يظهر لهم أي أثر، حتى الأشلاء تكون مفتتة ولا نجدها سليمة.
ويكمل الغول، وهو يعمل متطوعاً في بعض الأحيان للمساعدة في انتشال جثامين ضحايا الحرب من أهل غزة، وصف تأثير استخدام هذه الروبوتات على الأحياء السكنية قائلاً: المباني تنسف بالكامل أو تصبح وكأنها مفرغة، حسب قربها من الروبوت المنفجر، لكن في كل الأحوال تصبح الرؤية واضحة تماماً أمام القوات الإسرائيلية، ولا يعيق وضوحها أي شيء، كأنها عملية تمشيط.
أما عن تأثيرها على سكان مدينة غزة فيقول الغول الذي شهد أثار دمارها: لقد مات الكثيرون بسببها، عائلات بأكملها مُسحت، كانوا في بيوتهم وعندما انفجر الروبوت انهارت بيوتهم فوقهم، وما زال بعضهم حتى الآن تحت الأنقاض في منطقة الزيتون ومنطقة الشيخ رضوان وجباليا.
واختتم حديثه قائلاً: الجيش الإسرائيلي يلجأ لاستخدام هذه الروبوتات للتأكد من عدم وجود عناصر من المقاومة أو عبوات ناسفة مزروعة، وغالباً ما يحدث ذلك في وقت الليل، وتستمر الانفجارات حتى الساعة السابعة صباحاً".
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة إن الجيش الإسرائيلي نفذ، منذ 13 أغسطس/آب الماضي، عملية عسكرية برية داخل مدينة غزة، أسفرت عن مقتل 1100 شخص وإصابة 6008 آخرين، وفق إحصاءات صادرة عن الجهات الصحية والرسمية في القطاع.
وبحسب البيان، شملت العملية العسكرية قصفاً جوياً مكثفاً بأكثر من 70 غارة مباشرة نفذتها طائرات مقاتلة، إضافة إلى تفجير أكثر من 100 روبوت متفجر في مناطق مأهولة بالسكان، لا سيما داخل الأحياء السكنية في مدينة غزة والشمال، مما أدى إلى موجات تهجير قسري واسعة النطاق.
نضال فوزي أحد قاطني مدينة غزة يضع استخدام "الروبوت المتفجر" في سياق أوسع، متسائلاً عما إذا كانت غزة قد تحولت إلى حقل تجارب للأسلحة الإسرائيلية، خاصة وأن هذا السلاح يبث الرعب في نفوس الأهالي لا سيما النساء والأطفال ويدفعهم إلى النزوح القسري، خاصة أنه يوظف بشكل أساسي في الأحياء الضيقة والأزقة ذات الكثافة السكانية المرتفعة على حد وصفه.
ويروي فوزي تجربته الشخصية مع هذا السلاح والتي يصفها بالمروعة قائلاً: " أنا من أبناء حي الشجاعية، لذلك هذه ليست المرة الأولى التي أرى فيها هذا السلاح، رأيته في العملية العسكرية التي شنها الجيش الإسرائيلي شمال القطاع منذ بضعة أشهر، وحينها أيضاً كان يصدر لنا تعليماته بالنزوح".
وأضاف: أول مرة شاهدته كنا في منتصف الليل، وكنت أنظر من نافذة المنزل، فرأيت روبوت ضخم على هيئة مستطيل تسحبه آلية عسكرية وقامت بوضعه بجانب الحائط، ثم رحلت الآلية وخلفته وراءها، فصرخت في أفراد أسرتي كي نغادر فوراً، وتركنا خلفنا كل شيء، وما هي إلا دقائق بعد مغادرتنا حتى سمعنا دوي الانفجار الذي لم نسمع له شبيهاً من قبل.
يمضي فوزي في تذكر هذه اللحظة قائلاً: كنا وكل من هرب مثلنا قبل تفجير الروبوت في الحي السكني مشتتي الذهن، لا نفكر سوى في الابتعاد والمغادرة أملاً في النجاة من هذا الوحش الحديدي المفخخ الذي رأيناه، وهذا بالظبط ما يتم تكراره معنا اليوم في مدينة غزة.
ويختتم فوزي شهادته بوصف مؤلم لمصير ضحايا انفجار هذه الروبوتات قائلا: "شاهدتهم في حي الزيتون، الشهداء تحولوا لأشلاء صغيرة، لدرجة أنك لو شاهدتها ستعتقد أنها أشلاء شهيد استشهد منذ أيام وجسده تحلل، أما على بعد حوالي 100 متر من الروبوت المنفجر فقد شاهدت شهداء بجثامين كاملة غير ممزقة لكن يبدوا أنهم سقطوا بسبب قوة الانفجار والضغط الهوائي والاختناق، هذا هو الروبوت المنفجر أصعب وأخطر سلاح رأيناه حتى الآن في هذه الحرب".
يقول هاني البسوس، أستاذ الدراسات الأمنية والاستراتيجية والذي عمل سابقاً في قطاع غزة وحالياً يتواجد خارجه، في حديثه لبي بي سي إن الجيش الإسرائيلي يقوم حالياً باستخدام المركبات المفخخة المتفجرة التي يتحكم بها عن بعد من قبل وحدات الهندسة.
ويوضح البسوس أن الجيش قام بتطويرها بزيادة كمية المتفجرات فيها بهدف تسهيل تدمير مناطق مختلفة في القطاع سواء مناطق سكنية أو أنفاق أو مبان كبيرة دون أي مواجهة مباشرة مع فصائل فلسطينية مسلحة و"هذا أيضاً بغرض تقليل تكلفة المواجهة العسكرية ولضمان عدم وقوع ضحايا في جانب قوات الاحتلال الإسرائيلي"، بحسب قوله .
ويشرح البسوس أن الآليات المفخخة تم استخدامها في الانفاق وتم استخدامها في مناطق سكنية لهدم مربعات سكنية مختلفة حيث أنها تؤدي لحجم انفجار كبير جداً.
لم تختلف شهادة كارم الغرابلي من سكان مدينة غزة كثيراً عن الشهادة السابقة، إذ قدم شهادة حية عن التأثير البصري والنفسي المدمر لانفجار "الروبوت"، حتى على مسافات بعيدة نسبياً، مما يوضح القوة التدميرية الهائلة لهذا السلاح بحسب تصريحاته لبي بي سي.
ويروي تجربته الشخصية مع هذا السلاح قائلاً: "أنا رأيت ذلك في منطقة الشجاعية خلال مجزرة دار جندية. كنت أبعد عن مكان الانفجار حوالي 400 متر، ورغم ذلك، الشظايا والحجارة كلها وصلتنا إلى البيت، لقد أحدثت خراباً في بيتي وأنا على بعد 400 متر كاملة، كما أحدثت حالة من الرعب الشديد بين الأطفال، وأضاءت المنطقة بشكل مخيف، كانت هذه أول مرة أرى فيها السماء باللون بالأحمر، وحدثت إضاءة قوية داخل البيت، كان المنظر مخيفاً جداً".
فريق بي بي سي نيوز عربي تواصل مع أفيخاي أدرعي المتحدث الرسمي للجيش الإسرائيلي للحصول على رد عن الاتهامات الموجهة لهم باستخدام "الروبوتات المفخخة" ضد المدنيين في هذه الحرب فقال:
"نحن لا نتحدث عن طرق عمل القوات العسكرية الإسرائيلية، لكن أستطيع القول أننا نستخدم وسائل مختلفة منها المبتكر جداً ومنها النوعي جداً والذي يستخدم لأول مرة من أجل الوصول إلى الهدف"، والقضاء على من وصفهم بـ "إرهابيي حماس" وللحفاظ على حياة الجنود الإسرائيليين وكذلك المدنيين.
من جانبه يوضح المدير العام لوزارة الصحة الفلسطينية الدكتور منير البرش أن الجيش الاسرائيلي بدأ يعتمد بشكل يومي على روبوتات متفجرة داخل مدينة غزة، في "تكتيك يشكل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين ويضاعف حجم الكارثة الإنسانية في القطاع".
ويقول البرش إن هذه الروبوتات تحمل كميات هائلة من المتفجرات تصل إلى سبعة أطنان، ويتم تفجير ما بين سبعة إلى عشرة روبوتات يومياً في أحياء مختلفة من المدينة، ما أدى إلى موجات نزوح واسعة.
وأشار في تغريدات له على حسابه في منصة إكس إلى أن جميع سكان شرق غزة اضطروا إلى النزوح نحو غرب المدينة، مما رفع الكثافة السكانية إلى نحو 60 ألف نسمة في الكيلومتر المربع الواحد، وهو مستوى غير مسبوق يزيد من خطورة الأوضاع المعيشية، مؤكداً أن الاستهداف الإسرائيلي للمدنيين بات "يومياً وممنهجاً"، محذراً من أن استمرار استخدام هذه الروبوتات سيقود إلى "مجازر جماعية ودمار شامل للبنية السكنية، خاصة في ظل غياب قدرات إنقاذ وإغاثة كافية بفعل الحصار"، على حد قوله.
منذ إعلان الجيش الإسرائيلي عن بدء المرحلة الثانية من عمليته العسكرية في قطاع غزة يقول سكان ونازحون قرب مدينة رفح الفلسطينية جنوبي القطاع، والتي تبعد بنحو 40 كم عن شمال غزة، أنهم يسمعون أصوات دوي انفجارات كبيرة قادمة من مدينة غزة وذلك بفعل الروبوتات المفخخة التي بات الجيش الإسرائيلي يستخدمها بكثرة مؤخراً.
وفي ذات السياق ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية ومن بينها صحيفة "يسرائيل هيوم" أن الجيش الإسرائيلي يشن هجوماً عنيفاً في مدينة غزة، وأن دوي الانفجارات الضخمة يُسمع ويٌشعر بها في تل أبيب التي تبعد نحو 70 كيلومتراً عن غزة.