في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
اعتبر مفكر وأستاذ جامعي أن المغرب يشهد ما وصفه بـ“تجريف ممنهج للثقافة”، محذراً من أن ما يحدث لا يمكن اختزاله في تراجع القراءة أو تأثير التحول الرقمي، بل يعكس إرادة واضحة لإفراغ المجتمع من أدوات الوعي النقدي.
وأوضح المتحدث، في برنامج “نبض العمق”، أن أزمة الكتاب والمجلة والصحافة الثقافية في المغرب “أزمة مصطنعة”، مشيراً إلى أن القارئ موجود، والكاتب موجود، لكن آليات التوزيع مختلة بشكل متعمد، ما أدى إلى انهيار أرقام المبيعات بشكل غير مبرر.
وسجل أن مجلات ثقافية كانت توزع عشرات الآلاف من النسخ في عقود سابقة، أصبحت اليوم عاجزة عن تجاوز بضع مئات، مؤكداً أن الأمر لا يتعلق بذوق القارئ بقدر ما يرتبط بسوء توزيع “مدبر” يخنق العرض الثقافي الجاد.
وفي السياق نفسه، نبه إلى التغييب شبه التام للمثقف العضوي، مستحضراً أسماء فكرية وازنة، من بينها عبد الله العروي، الذي قال إنه “قيمة فكرية كبرى لا تحظى اليوم بالاهتمام الإعلامي أو الأكاديمي الذي يليق بها”.
وربط المتحدث بين هذا التهميش وصعود “المؤثر الرقمي”، معتبراً أن الخوارزميات الرقمية تلعب دوراً حاسماً في تعميم التفاهة ومحاصرة الخطاب النقدي، عبر آليات تقنية تخدم منطق السوق والهيمنة الرمزية.
كما حمل الجامعة المغربية جزءاً من المسؤولية، معتبراً أنها تحولت تدريجياً إلى فضاء لإنتاج اليد العاملة فقط، على حساب دورها التاريخي في إنتاج الفكر والنقد والمساهمة في النقاش العمومي.
وأكد أن ما يجري ليس ظاهرة مغربية معزولة، لكنه في المغرب أكثر حدة، بسبب تداخل السياسات الثقافية الضعيفة مع اختيارات اقتصادية وإعلامية تضرب في العمق وظيفة الثقافة باعتبارها شرطاً للتقدم والديمقراطية.
وختم بالتشديد على أن الثقافة ليست ترفاً، بل “خط الدفاع الأول” عن المجتمع، محذراً من أن إضعافها يفتح الباب أمام تآكل القيم والوعي والروابط الاجتماعية.
الفرنكفونية تفسد الهوية
واعتبر بلكبير في مشاركته في الحلقة ذاتها من “نبض العمق” أن الإشكال الحقيقي لا يكمن في التعدد اللغوي، بل في توظيف اللغة كأداة هيمنة سياسية وثقافية، تنتج التخلف بدل الحداثة.
وشدد المتحدث على ضرورة التمييز بين اللغة الفرنسية، باعتبارها لغة إنسانية كبرى ساهمت في ترسيخ قيم الديمقراطية والحرية، وبين “الفرانكوفونية” كمشروع سياسي استعماري يوظف اللغة لخدمة مصالح الهيمنة.
وأشار إلى أنه بعد مرور أكثر من 15 سنة على دسترة العربية والأمازيغية كلغتين رسميتين، ما تزال الفرنسية تهيمن على الإدارة والاقتصاد ومراكز القرار، في تناقض صارخ مع مبدأ السيادة اللغوية.
وأوضح أن هذه الوضعية أنتجت ما سماه “تكاملاً سلبياً”، يتمثل في إفقار اللغة العربية وتحويلها إلى لغة تقليدية جامدة، مقابل إفراغ الفرنسية من بعدها التنويري وتحويلها إلى أداة نفعية مرتبطة بالسوق فقط.
وربط المتحدث بين هيمنة الفرانكوفونية واستمرار مظاهر التخلف الثقافي، من قبيل الخرافة والشعوذة والانغلاق، معتبراً أن ضرب اللغة الوطنية هو مدخل لضرب الوعي الجماعي والقدرة على إنتاج حداثة حقيقية.
وأكد أن الإشكال لا يتعلق بالانفتاح على اللغات الأجنبية، بل بغياب مشروع ثقافي وسيادي يدمج اللغات في أفق ديمقراطي، كما حدث في تجارب نهضوية تاريخية، حيث شكل التلاقح اللغوي رافعة للتقدم لا أداة للهيمنة.
وختم بالتنبيه إلى أن أزمة اللغة في المغرب ليست تقنية أو تعليمية فقط، بل أزمة سياسية بامتياز، تعكس اختلالاً في تصور الدولة للثقافة والمعرفة والهوية، محذراً من أن أي إصلاح ديمقراطي يظل هشاً دون حسم هذا الملف.
المصدر:
العمق