آخر الأخبار

الحسيني: "شياطين التفاصيل" تحيط بالحكم الذاتي.. والوحدة تفكك "القنبلة"

شارك

في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، وبعد تصويت مجلس الأمن الدولي لصالح المقترح المغربي بشأن الصحراء المغربية، نبه تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، إلى ضرورة الانتباه إلى تحديات مختلفة في هذه المرحلة الجديدة، تهم التخطيط للحكم الذاتي وتنفيذه، حتى لا تضيع مكتسبات الوحدة الترابية للمملكة، مع تقديمه اقتراحات؛ من بينها مبدأ “الاشتراطية” لتفكيك ما أسماه “القنبلة الموقوتة” التي كشف تركيبها.

مستقبل الأجيال

قال تاج الدين الحسيني، خلال فعاليات الدورة الثامنة والعشرين من “جامعة مولاي علي الشريف” المنظمة بالريصاني، إن مستقبل الوحدة الترابية للمملكة ومستجداتها الأممية تهم الأجيال الصاعدة، مردفا: “مضى نصف قرن من الزمان على انطلاق المسيرة الخضراء، وبعد قرار مجلس الأمن نعيش مرحلة جديدة من تاريخ المغرب”.

وأردف المتدخل: “القرار نقطة فصل حاسمة بين مجال زمني للصراع بين قوى خير تؤسس لمجتمع إقليمي ودولي قائم على الاستقرار ومبادئ السلام والتنمية، وقوى أخرى تريد خلخلة التوازن الإقليمي وإدخال المنطقة إلى متاهات الحرب والخسارة. ومع صدور قرار مجلس الأمن، لم نعد نعيش مرحلة الصراع من أجل تثبيت السيادة وترسيخها، بل مرحلة أخرى من بناء السيادة وتأثيثها، من خلال بناء الحكم الذاتي”.

مصدر الصورة

وتابع أستاذ العلاقات الدولية: “لا يمكن للنظام الجزائري أو غيره قول إن القرار جاء مفتوحا على اختيارات متعددة؛ بما فيها إمكانية تنظيم الاستفتاء، وتحقيق الانفصال بأي وسيلة من الوسائل، رغم أن هذا الخطاب يروج في ساحة النظام الجزائري”، ومغربيا “ينبغي أن تكون استراتيجيتنا محكمة حتى لا نقع في الحبائل، وتكون استراتيجية بمثابة خطة وطنية طويلة الأمد، تحدد الأهداف ووسائل التقييم والتنفيذ، حتى تتطابق النتائج التي يفترض تحقيقها، مع الرؤية الاستراتيجية التي يتم وضعها، وتتطلب وجود تكتيكات ووسائل فرعية للدفع بها نحو الأمام”، ومن بين ما ينبغي أن تهتم به “محور مستقبل تنفيذ الحكم الذاتي أولا، وثانيا الإطار الإقليمي والجهوي بما في ذلك التعاون مع النظام الجار الجزائري”.

“مبدأ الاشتراطية”

ذكّر تاج الدين الحسيني بتوجيه الملك محمد السادس “خيرة مستشاريه من أجل التعامل مع الأحزاب والفاعلين المدنيين” حول خطة الحكم الذاتي، ثم استدرك قائلا: “إن المشروع يتطلب مجالا أكثر شمولا للحوار، وعلى الأقل ينبغي أن تكون خلية مشتركة، أو مجلس أعلى للدبلوماسية لجمع الدبلوماسية الرسمية ممثلة في وزارة الخارجية، مع باقي أطياف المجتمع المدني، والدبلوماسية الموازية من جامعات وأحزاب سياسية وبرلمانين… مع دفاتر تحملات للأطراف لتنفيذ المشروع الوطني، ومتابعة تحقيق الاستحقاقات، وتوحيد وجهات النظر على المستوى الدولي حتى لا نقع في تناقضات”، وأن يفضي هذا “إلى موقف يُلتَزَم به”.

ودافع الحسيني على قيام مرحلة المفاوضات على مبدأ أسماه “الاشتراطية”، مسترسلا في شرحه: “القرار يقول: الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية. والمجتمع الدولي يعترف صراحة بالسيادة المغربية على الإقليم، وهي سيادة مرنة بالحكم الذاتي. وعملية تنفيذ الحكم الذاتي ينبغي أن تمارس الحكم في إطار دولة واحدة. والمغرب مرفوع الرأس ينبغي أن يقول إنه لا مجال لوجود طرف يسمي نفسه ‘جمهورية’، وينبغي أن يمحى من الاتحاد الإفريقي”.

وفي نقطة أخرى، ذكّر الحسيني بأن المغرب من وضع الملف لدى لجنة تصفية الاستعمار في اللجنة الرابعة، “وهناك تنكر الآن لأن المغرب من وضعه” خلال مرحلة الاستعمار الإسباني، و”كان يفترض عند توقيع اتفاقية مدريد صرفه من اللجنة الرابعة؛ لكن مع قوة تحالفات النظام الجزائري آنذاك بقي مفتوحا”، مما يعني أنه اليوم بعملية تصويت داخل الجمعية العامة “يمكن أن تفضي إلى سحب الملف من هذه اللجنة”.

مصدر الصورة

أما بالنسبة للمنطقة العازلة التي “كان الطرف الآخر يسميها المناطق المحررة”، فأبرز أستاذ العلاقات الدولية أنه “لم يعد لها مبرر، ويمكن أن يدخل المغرب في مسيرة سلام قائمة على التعايش مع النظام الجار، وينبغي إنهاء مهمة المينورسو (…) واستعادة المنطقة العازلة”.

شيطان التفاصيل

سطّر تاج الدين الحسيني على أن “الشياطين تكمن في التفاصيل”، منبها إلى مسألة انتقال السكان من تندوف إلى المغرب، مع ذكره أن “اعتبار الأمر تصفية استعمار، وأن الصحراويين شعب… ترهات منذ القديم؛ فلم يسبق لمجلس الأمن وصف المغرب بالدولة المستعمرة، أو تندوف بأنهم شعب، بل يقول أرض النزاع، والساكنة”.

لكن لا يعني هذا أن تسير العملية دون كثير من التدقيق؛ “لأنها قنبلة موقوتة للمستقبل؛ فهم يقولون إن عدد ساكنة تندوف 300 ألف، مع رفضهم الدائم لإحصاء الساكنة. وفي مشروع الحكم الذاتي المغربي لسنة 2007، ذكر تاج الدين الحسيني أن المجلس الانتقالي هو من سيتكلف، وأن سبيله هو الانتخابات والاقتراع الذي يهم 75 في المائة من الساكنة الصحراوية تحت السيادة المغربية، ويطرح هنا سؤال ما طريقة تمثيلها؟” مع رفضه ما أسماه “ترهات لا يمكن قبولها مثل اعتبار “البوليساريو” الممثل الوحيد للصحراويين؛ لأن هناك سكانا صحراويين مرتبطين بالسيادة المغربية، وهم الساكنة الأساسية، والبقية عشرون إلى ثلاثين في المائة من الموجودين في تندوف، والبقية من مالي والنيجر وموريتانيا وقلب الجزائر، بناء على إحصاء إسباني يعود إلى سنة 1975”، مع ذكره أن الأمر يتطلب “مسألة الضبط لقبائل المغرب والموجودة في تندوف، وهو ما يمكن أن يتم بطريقة مرنة، رغم توالي الأجيال”.

وأكد تاج الدين الحسيني أن الانتقال من تندوف إلى المغرب “ينبغي أن يتم بطريقة متدرجة ومتوالية من لدن المغرب المعني بتطبيق الحكم الذاتي”، وهو ما ينبغي أن يعتمد “الاشتراطية التي ستؤدي إلى انهيار استراتيجية” الطرف الآخر، مع تحذيره من أن “تنفيذ المشروع بطريقةِ الآخر، ستؤدي إلى كارثة كبرى”، دون أن يعني هذا “عدم التعامل مع الأطراف الدولية المؤثرة في العملية”.

مصدر الصورة

الجبهة الداخلية

في “لحظة الحقيقة” هذه، أكّد الحسيني على أن “خير شعار محلي، هو دعم الجبهة الداخلية بشكل لم يسبق له مثيل (…) للوصول إلى أحسن النتائج”، ونادى بخطاب موحد؛ لأن “أحسن صورة لتطبيق تقرير المصير هو نموذج الحكم الذاتي، وهو آلية من آلياته. ولا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ولا قرارات مجلس الأمن أو قرارات تقرير المصير الخاصة، لحديث عن الاستفتاء بوصفه نموذجا”؛ بل إنه طبق في 4 نزاعات دولية مستعصية من أصل ثمانية عشر نزاعا وأدى إلى نتائج كارثية.

وتابع أستاذ العلاقات الدولية: “داخليا، علينا النظر في المغاربة، من الآن فصاعدا، كتلة موحدة؛ أي الوحدة في إطار التنوع، بتعدد مشاربنا يوحدنا المغرب ونظام الملكية والنظر نحو المستقبل… وكلنا؛ الأمازيغيون والعرب والأندلسيون والأفارقة والصحراويون والعبريون… بوثقتنا الواحدة هي الوحدة الشاملة. والمكونات تبقى ثابتة. ومع المجتمع الخارجي، علينا أن نكون حصنا موحدا”.

وتشبث تاج الدين الحسيني بالحل المغاربي، مضيفا: “المغرب والجزائر، هما الجذعان الرئيسيان لقيام أي مغرب كبير بالمنطقة، واستراتيجية الاتحاد المغاربي في سنة 1990 كانت واعدة؛ أي وضع منطقة التبادل الحر، ثم الاتحاد الجمركي، وسوق مغاربية مشتركة بعد ذلك، ثم النظر في الاتحاد الشامل بعد ذلك (…) وهي آمال كانت تحقق لنا الكثير من الحبور… لكن اليوم نعيش وضعية غامضة، تهدد بالحرب التي قد تكون مقبلة، اللهم إلا إذا طرأت معجزة بين الطرفين… فالدراسات الاستراتيجية تبين أن الاختلال الاستراتيجي الإقليمي يكون نذير حرب… والجزائر أكبر مستورد للسلاح في إفريقيا… أكثر من مصر ونيجيريا (…)

وعلى المستوى الإقليمي، دافع المحاضر عن “الصلح مع الجزائر”، مع الاستمرار في روافع الشراكة التنموية بين المغرب ودول جنوب الصحراء وإفريقيا الغربية عبر المكتب الشريف للفوسفاط، ورافعة “مشروع التحالف الأطلسي الذي له ما بعده في القريب”، و”خط غاز نيجيريا المغرب”.

مصدر الصورة

أما “على المستوى الشامل” فإن “القضية الأكثر أهمية، هي التعاون مع الأمين العام المقبل للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي، وقبل هذا تدعيم وجودنا الاستراتيجي في المجتمع الدولي، ورفع الاعترافات من 120 دولة إلى كل دول العالم”، مع عدم استبعاد المتحدث إمكان تغير مستقبلي “في ظل الإطار الديمقراطي لجنوب إفريقيا”، وتطلعه إلى أن يكون مسار الولايات المتحدة الأمريكية على “المسار الصحيح” ببناء قنصلية لها في العيون كما وعدت.

وختم تاج الدين الحسيني مداخلته بقول إن “سياسة المكانة لا تكتسب فقط بالشعارات؛ بل بالعمل الجدي في الميدان، والمغرب قد أخذ المسافة الأكبر في المجال، عندما استطاع استراتيجيا” الدخول على طريق الحرير، وتعزيز التواصل مع جنوب الصحراء الإفريقية والعالم العربي، وتعزيز حضوره العالمي عبر الرياضة. ثم أجمل المحلل قائلا: “كيفما كان الحال، فإن المستقبل واعد؛ لكن علينا طرح الإشكالات والانتباه إليها حتى لا نقع في أخطاء قاتلة تفسد ما بنيناه خلال خمسين سنة”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا