حوّلت الدورة العشرون من مهرجان “تيميتار” للموسيقى الأمازيغية والعالمية مدينة أكادير إلى عاصمة ثقافية وموسيقية للقارة الإفريقية، أياما قليلة قبل انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2025، مؤكدة مرة أخرى موقعها كوجهة فنية وسياحية قادرة على احتضان التظاهرات الكبرى ذات البعد القاري.
وعلى امتداد ثلاثة أيام من السهرات الفنية، استقطب المهرجان عشرات الآلاف من المتفرجين، من ساكنة أكادير وزوارها القادمين من مختلف مناطق المغرب، إلى جانب سياح وجماهير إفريقية حلت بالمدينة لمتابعة عروض موسيقية نابضة، جمعت بين الإيقاعات الأمازيغية والإفريقية والعربية، في أجواء احتفالية اتسمت بالدفء الشعبي والتلاقي الثقافي.
وأكدت هذه الدورة الاحتفالية المكانة المتقدمة التي بات يحتلها مهرجان “تيميتار” كمنصة مركزية للحوار الثقافي والتبادل الموسيقي، حيث يلتقي غنى التراث الأمازيغي بالإبداعات المعاصرة والتأثيرات القادمة من مختلف أنحاء القارة الإفريقية والعالم.
وفي هذا السياق، احتضنت منصتا ساحة الأمل ومسرح الهواء الطلق عروضا لفنانين من المغرب وإفريقيا والعالم العربي، في ظروف تنظيمية وتقنية متكاملة، وفّرت شروط السلامة والأمن وجودة العرض وفق معايير عالية.
وعكست برمجة هذه الدورة تنوع التعبيرات الموسيقية وغناها، والزخم البان-إفريقي الذي ميّز مختلف السهرات، وسط تفاعل قوي من جمهور واسع ومتحمس، ضم طلبة من بلدان إفريقية متعددة وساكنة المدينة وزوارها، إلى جانب مشجعي كأس إفريقيا للأمم الموجودين بأكادير، ليشكّلوا لوحة بشرية متنوّعة ارتفعت خلالها الأعلام وتحولت معها كل سهرة إلى لحظة احتفاء جماعي وتلاق إنساني.
وشكلت السهرة الإفريقية محطة بارزة في انطلاقة المهرجان، من خلال برمجة فنية جمعت أسماء وازنة من القارة الإفريقية وامتداداتها في المهجر، مؤكدة مكانة “تيميتار” كفضاء للتلاقي والحوار الموسيقي على الصعيد القاري.
وألهب الفنان الإيفواري ألفا بلوندي أجواء ساحة الأمل بأغانيه الريغية الخالدة التي رددها الجمهور بشكل جماعي؛ فيما قدمت كريس إم عرضا نابضا بإيقاعات الأفرو-بوب المعاصرة المستلهمة من التراث الإيقاعي الكاميروني.
كما بصمت شانيل وإيزابيل نوفيلا على حضور لافت، من خلال عرض صوتي غني مزج بين الأفرو-بوب والجاز والسول، حظي بتفاعل واسع من الجمهور.
أما السهرة الشرقية، التي خصصت احتفاء بالمنتخب الوطني المصري، فقد تميزت بعروض قوية لنجوم صاعدين من مشهد الراب في الشرق الأوسط؛ من بينهم دابل زوكش وويجز، الذي قدم لجمهوره أحدث أعماله الفنية، إلى جانب مشاركة الفنانة مروة ناجي، التي قدمت رفقة أوركسترا هشام تلمودي تحية فنية مؤثرة لكوكب الشرق أم كلثوم، أعادت من خلالها إحياء رصيدها الغنائي بروح تجمع بين الأصالة والحداثة.
واختتمت فعاليات المهرجان بسهرة موسيقية اتسمت بتنوع وغنى التعبيرات الفنية، تنقلت بين الإيقاعات الغجرية الشعبية التي قدّمها الفنان لابِس، والبوب المغربي المعاصر، قبل أن تبلغ ذروتها على إيقاعات العيطة القوية.
وبصمت الفنانة جيلان، إحدى أبرز الأصوات الصاعدة في البوب المغربي، على عرض استعراضي مميز رفقة فرقتها، إلى جانب الفنان نسيم حداد، أحد أعمدة فن العيطة والشعبي، على لحظات قوية في ختام هذه الدورة، حيث انخرط الجمهور في أجواء احتفالية اتسمت بالرقص والترديد الجماعي.
وكما جرت العادة، شكل الفنانون الأمازيغ العمود الفقري لبرمجة مهرجان “تيميتار”، وفاء لتوقيعه الفني القائم على استقبال موسيقى العالم والانفتاح على مختلف التعبيرات الموسيقية في إطار التلاقي والحوار الثقافي.
وألهبت الفنانة فاطمة تبعمرانت ومجموعة إزنزارن، باعتبارهما من الأسماء المؤسسة للذاكرة الفنية الأمازيغية، حماس الجماهير، مجسّدتين صلة متجددة بين الإبداع المعاصر والجذور العميقة لهذا الفن.
وفي السياق ذاته، برز حضور الجيل الجديد من الساحة الأمازيغية بقوة، من خلال تجربة مجموعة AZA التي قدمت عرضا موسيقيا يمزج بين إيقاعات شمال إفريقيا والتأثيرات العالمية؛ فيما أعاد هشام ماسين إحياء أعمال الراحل عموري مبارك بأداء مشحون بالإحساس، وقدم بدر أوعبي لحظة وفاء فنية للفنان الراحل محمد رويشة بحضور نجله. كما أسهم خالد الوعباني في تقديم قراءة معاصرة لفن “تاكروبيت”؛ بينما جسّدت فرق أحواش بنات لوز وأحواش طاطا وأحواش أكلگال البعد الجماعي والتشاركي لفن أحواش في أبهى تجلياته.
وتميزت سهرات المهرجان بتجهيزات تقنية وفنية بمعايير دولية، تعززت هذه السنة بعمل سينوغرافي نوعي يسجل لأول مرة في تاريخ التظاهرة حسب بلاغ للمنظمين، وواكبتها مؤثرات بصرية متقدمة وتقنيات “الماپينغ” من توقيع VJ Kalamour، إلى جانب تصاميم ضوئية ومؤثرات خاصة أضفت بعدا بصريا لافتا.
كما أسهمت سهرات الـDJ، التي أحياها كل من DJ Deekay وSound of Mint ومجموعة Sodfa، في تمديد أجواء الاحتفال بإيقاعات إلكترونية نابضة.
وأبرزت ساحة الأمل، عقب إعادة تهيئتها الشاملة، قدرتها على احتضان أعداد كبيرة من المتفرجين في ظروف تنظيمية ملائمة؛ فيما وفر مسرح الهواء الطلق فضاء يستجيب لمتطلبات الراحة وجودة العرض.
كما ساهمت إعادة تصور قرية “تيميتار” في تحسين جودة استقبال الضيوف والشركاء ووسائل الإعلام، بما يعكس تطور البنية التنظيمية للمهرجان.
وساهمت سلاسة التنظيم والتعبئة المكثفة لمختلف المتدخلين، إلى جانب التنسيق المحكم مع السلطات المحلية والقوات الأمنية والمهنيين في قطاع السياحة، في إنجاح هذه التظاهرة في أجواء آمنة ومنضبطة.
وأتاح تغيير موعد تنظيم المهرجان، الذي اعتاد الانعقاد خلال فصل الصيف، فرصة لجعله بمثابة افتتاح ثقافي محلي لكأس إفريقيا للأمم (2025)، ومنح مدينة أكادير مناسبة إضافية لتأكيد جاهزيتها لاحتضان هذا الحدث القاري البارز.
وفي ختام هذه الدورة، تقدمت جمعية “تيميتار” بخالص عبارات الشكر والتقدير إلى الجمهور والفنانين والسلطات المحلية والقوات العمومية ومهنيي السياحة وأرباب الفنادق والشركاء الإعلاميين، وكافة المتدخلين الذين يسهمون، سنة بعد أخرى، في إنجاح هذا الموعد الثقافي، مجددة موعدها مع جمهورها في الدورة المقبلة، وفية لقيم التوارث والحوار والابتكار الموسيقي.
المصدر:
هسبريس