اهتزت مدينة برشيد، صباح الخميس الماضي، على وقع جريمة مروعة راح ضحيتها خمسيني، بعد تعرضه لاعتداء قاتل بواسطة حجر من طرف شخص يعاني من اختلالات عقلية، في واقعة وقعت بفضاء عمومي وأثارت حالة من الذعر والصدمة وسط الساكنة.
وبحسب مصادر محلية، كان المعتدي في حالة هيجان شديد قبل أن يفاجئ الضحية ويوجه له ضربة قوية على مستوى الرأس، أردته قتيلا بعين المكان.
وفور إشعارها، انتقلت عناصر الأمن والسلطات المحلية إلى موقع الحادث، حيث جرى توقيف المشتبه فيه ووضعه رهن التدابير المعمول بها، فيما نقلت جثة الضحية إلى مستودع الأموات بالمستشفى الإقليمي قصد إخضاعها للتشريح الطبي، في انتظار ما ستسفر عنه الأبحاث القضائية.
في سياق متصل، أصدرت التنسيقية الإقليمية لفعاليات وهيئات المجتمع المدني ببرشيد بيانا شديد اللهجة، عبرت فيه عن قلقها البالغ إزاء هذه الجريمة، معتبرة أنها ليست حادثا معزولا، بل نتيجة مباشرة لفشل واضح في تدبير ملف المختلين عقليا، وتقصير خطير تتحمل مسؤوليته الدولة والسلطات الإقليمية والمحلية.
وأكد البيان أن مدينة برشيد تشهد، منذ مدة، تزايدا ملحوظا في أعداد المختلين عقليا المتجولين بالشوارع، في غياب أي سياسة عمومية واضحة للتكفل والعلاج، محذرا مما وصفه بـ“الترحيل غير المعلن” لهؤلاء الأشخاص من مدن كبرى نحو برشيد، دون توفير شروط الرعاية أو الحماية، لا لهم ولا للمواطنين.
وشددت التنسيقية على أن الحق في الحياة والأمن حق دستوري لا يمكن التساهل في حمايته، معلنة تحميل الدولة والسلطات الإقليمية المسؤولية الكاملة عما وقع، نتيجة الإهمال والتقاعس في معالجة هذا الملف الاجتماعي والإنساني الحساس.
وطالبت التنسيقية، في بيانها، بالوقف الفوري لسياسة ترحيل المختلين عقليا إلى مدينة برشيد، وإحداث وتجهيز مراكز متخصصة للعلاج والرعاية النفسية، تتوفر على الأطر الطبية والاجتماعية اللازمة، بدل ترك هؤلاء المواطنين عرضة للتشرد والخطر. كما دعت إلى وضع استراتيجية وطنية استعجالية تضمن، في آن واحد، حماية الساكنة وصون كرامة الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية، باعتبارهم مواطنين لهم كامل الحقوق.
وفي تصريح خص به العمق، قال جلال العناية، الفاعل الجمعوي والحقوقي بمدينة برشيد، وعضو التنسيقية، إن المدينة أصبحت تشهد توافد أعداد متزايدة من المشردين المختلين عقليا من مختلف الأعمار والأجناس، معتبرا أن الأمر لم يعد يبدو عفويا.
وأوضح العناية أن عددا من المواطنين باتوا يتحدثون عن “عملية منظمة” تهدف إلى إخلاء بعض المدن الشمالية، وكذا المدن المقبلة على احتضان تظاهرات رياضية كبرى، على حساب مدن أخرى تقع بوسط المملكة، من بينها برشيد، التي تحولت، بحسب تعبيره، إلى قبلة للمشردين والمختلين عقلياً، في ظل غياب حلول عملية وجدية من طرف الجهات المعنية.
وتعيد هذه الجريمة المأساوية إلى الواجهة إشكالية التوازن بين الحق في الأمن الجماعي وواجب الدولة في توفير الرعاية والعلاج للفئات الهشة، خصوصا الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية ونفسية، وهي إشكالية طالما نبهت إليها فعاليات حقوقية ومدنية، محذرة من أن استمرار المقاربة الأمنية أو الإهمال الإداري، دون معالجة صحية واجتماعية شاملة، لا يؤدي إلا إلى تكرار المآسي.
المصدر:
العمق