آخر الأخبار

تحركات جزائرية بالبرلمان الإيطالي تروم تقويض الإجماع الأوروبي حول الصحراء

شارك

ضمن تحركات عدائية متواصلة تستهدف المصالح العليا للمملكة، عادت الجزائر إلى توظيف الواجهة البرلمانية الأوروبية لتمرير أطروحة الانفصال، بعدما نجحت في الدفع بعناصر محسوبة على جبهة البوليساريو الانفصالية إلى داخل البرلمان الإيطالي، الذي احتضن، عبر لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، جلسة استماع خُصصت لممثلين وداعمين للجبهة، وذلك في إطار استغلال الخطاب الحقوقي كورقة ضغط سياسي على روما في ملف الصحراء المغربية.

جرى تنظيم هذه الجلسة، بحر هذا الأسبوع، بحضور ممثلة البوليساريو في إيطاليا فاطمة محفوظ، إلى جانب قيادات من شبكة التضامن الإيطالية مع الجبهة، من بينها نادية كونتي وفالنتينا روفيرسي وفرانشيسكا دوريا، إضافة إلى ممثلة اللجنة الدولية لتنمية الشعوب (CISP)، حيث قدمت مداخلات صيغت بعناية للترويج لأطروحة الانفصال، في تجاهل تام للتحولات التي يشهدها الموقف الأوروبي، الذي بات يميل بشكل متزايد نحو دعم الوحدة الترابية للمغرب واعتبار مبادرة الحكم الذاتي الإطار الأكثر واقعية ومصداقية لتسوية النزاع.

يأتي هذا التحرك في سياق مساعٍ جزائرية للحفاظ على الموقف الإيطالي داخل المنطقة الرمادية، عبر منع أي انتقال سياسي حاسم لروما نحو الانخراط في الإجماع الأوروبي المتقدم حول الصحراء المغربية؛ إذ تفضل الحكومة الإيطالية، إلى حدود الساعة، الإبقاء على خطاب متحفظ يوازن بين شراكتها الاقتصادية المتقدمة مع المغرب، وحسابات ظرفية مرتبطة بعلاقاتها الطاقية مع الجزائر، ما يجعلها عرضة لضغوط متكررة داخل مؤسساتها التشريعية.

ومن داخل البرلمان الإيطالي، برز دور لورا بولدريني، القيادية في الحزب الديمقراطي رئيسة اللجنة الدائمة لحقوق الإنسان، التي انخرطت في الترويج لخطاب يسلط الضوء على ما أسمته “معاناة الشعب الصحراوي”، في قراءة انتقائية تتجاهل بشكل ممنهج واقع الانتهاكات الجسيمة التي تعانيها ساكنة مخيمات تندوف، الخاضعة لسلطة الأمر الواقع، والمحرومة من أبسط حقوقها الإنسانية، في ظل اعتماد شبه كلي على المساعدات الدولية الآخذة في التراجع.

ورغم اعتراف بولدريني بتدهور الأوضاع المعيشية داخل مخيمات تندوف وخضوع ساكنتها لمنطق المساعدات الخارجية، إلا أنها واصلت، في المقابل، توجيه انتقادات للمغرب وللوضع في الأقاليم الجنوبية، في خطاب يترجم ازدواجية مخجلة في التعاطي مع ملف حقوق الإنسان، ويؤكد استمرار توظيف هذا الملف داخل البرلمان الإيطالي كأداة سياسية، تجسد تردد روما في حسم موقفها من نزاع الصحراء، رغم التحولات الإقليمية والدولية التي باتت تجعل كلفة الغموض السياسي أعلى من تبعات الموقف المعلن.

احتكار منابر أوروبية

توجّه حقوقي مُسيّس، علق عليه عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكاووتش” نائب منسقة “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية”، بالقول إن الهجمات التي تقودها السلطات الجزائرية تعاظمت بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، محدثة توترات استراتيجية متزايدة مع المغرب بخصوص نزاع الصحراء، خاصة عقب اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي كرس مقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره الأرضية الأكثر قابلية لإنهاء هذا النزاع المفتعل.

وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذا العداء بات يأخذ منحى أكثر تطرفا داخل الأطر المؤسسية الأوروبية، مشيرا إلى أن الدعم الجزائري المتواصل لجبهة البوليساريو تُرجم إلى جهود ترافعية مكثفة داخل عدد من العواصم الأوروبية، كان آخر تجلياتها الأنشطة التي احتضنها مؤخرا البرلمان الإيطالي.

ولفت الخبير في نزاع الصحراء إلى أن استضافة لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب الإيطالي ممثلين ومؤيدين لجبهة البوليساريو لا يمكن فصلها عن السياقات التي أفرزتها الحركية الدبلوماسية المغربية، وما راكمته من تقدم ملموس في الترافع الدولي حول مخطط الحكم الذاتي ووجوب اعتماده كصيغة نهائية لإنهاء النزاع، مبرزا أن هذه الخطوة تندرج ضمن نسق أوسع تسعى من خلاله الجزائر إلى ضمان تسلل مجموعات موالية للبوليساريو واحتكار منابر داخل المؤسسات الأوروبية.

وشرح أن هذا المسار يقوم على عرض منظور أحادي يقوم على “حق تقرير المصير” والترويج للانفصال عن المغرب داخل تلك الآليات الإقليمية، عبر إثارة شواغل مرتبطة بحقوق الإنسان في الصحراء، رغم افتقارها للصدقية والواقعية، وهي محاولة واضحة لفرملة الدينامية المتنامية داخل الاتحاد الأوروبي الداعمة لمبادرة الحكم الذاتي المغربية.

وكشف المصرح لهسبريس أن منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال حقوق الإنسان بالأقاليم الجنوبية ترصد أن تكثيف هذه الأنشطة يتخذ ثلاثة أوجه متداخلة، أولها سياسي تسعى الجزائر من خلاله إلى تقويض الزخم المتزايد حول الاعتراف بمخطط الحكم الذاتي كأساس جدي لإنهاء النزاع، وفتح النقاش حول تفاصيله على المستوى الدولي، خاصة داخل البلدان الأوروبية المؤثرة، من خلال توظيف ملف حقوق الإنسان للنيل من السيادة المغربية على أقاليمها الجنوبية.

وشدد الفاعل الحقوقي ذاته على أن هذه التدخلات تتم عبر تنسيق استراتيجي جزائري يهدف إلى تذليل العقبات أمام ولوج البوليساريو إلى الآليات الأوروبية، بمرافقة لصيقة من جمعيات الدعم الأوروبية وبعض قاطني مخيمات تندوف، الذين يوجدون، بحسب تعبيره، في وضعية “احتجاز” تُستثمر لضمان الولاء السياسي، واستغلال ذلك في تصعيد خطاب العداء والكراهية ضد المغرب ومصالحه داخل تلك المؤسسات.

وأنهى عبد الوهاب الكاين حديثه بالتأكيد على أن الترويج لوجود اختلالات حقوقية بالصحراء المغربية يبقى ادعاء مجانبا للصواب، ويتعارض مع ما راكمه المغرب من ممارسات فضلى في مجال حماية الحقوق وضمان الولوج إليها، بما يشمل الأقاليم الجنوبية، إلى جانب الجهود التنموية والاستثمارية الرامية إلى تحسين ظروف عيش الساكنة المحلية بكرامة، في مقابل استمرار المطالبة بتسليط الضوء على الأوضاع الحقوقية بمخيمات تندوف، التي تديرها جبهة البوليساريو وتحتضنها الجزائر.

إثارة القلاقل والفوضى

من جانبها، سجلت مينة لغزال، منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية، أن تجدد المناوشات داخل فضاءات الاتحاد الأوروبي ومؤسساته ضد المصالح العليا للمملكة المغربية لا يمكن فهمه خارج سياق الرغبة الجامحة للجزائر في الإضرار بالمغرب على مختلف المستويات، سواء من خلال المس بالوحدة الترابية عبر محاولات اقتطاع جزء من التراب الصحراوي، أو عبر دعم حركات انفصالية وهمية في مناطق أخرى، أو من خلال السعي إلى إثارة القلاقل والفوضى باستغلال حركات احتجاجية للشباب المغربي المطالب بإصلاحات سياسية واقتصادية في أفق استكمال المسار الديمقراطي وتكريس سيادة القانون والعدالة الاجتماعية.

وأوضحت لغزال، ضمن إفادة لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الترويج للرواية التي تسوقها جبهة البوليساريو والجزائر، الساعية إلى إيجاد موطئ قدم لسردية “تقرير المصير” المؤدية إلى مشاريع الانفصال والتقسيم، واستعراض مظلومية الصحراويين القاطنين بمخيمات تندوف والظروف القاسية التي يعيشونها في سياق لجوء غير قانوني، إلى جانب نشر أخبار زائفة حول ارتكاب انتهاكات جسيمة بالأقاليم الجنوبية، يهدف أساسا إلى انتزاع تعاطف دولي يصب في تعزيز موقفي الجزائر والبوليساريو من النزاع، دون أن يكون الغرض الحقيقي هو الوصول إلى حل نهائي لهذا الصراع الإقليمي.

وأكدت المتحدثة ذاتها أن هذه التحركات تجسد في جوهرها ضراوة المنافسة الدبلوماسية المستمرة بين المغرب والجزائر، ومحاولات السلطات الجزائرية التأثير بأي ثمن على سياسات المؤسسات الأوروبية، سواء عبر الضغط على مواقف الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشأن الصحراء المغربية، أو من خلال السعي إلى إضعاف مستويات التعاون الاقتصادي والأمني بين المغرب والاتحاد الأوروبي، أو تقويض أدوار الاستقرار الإقليمي في شمال إفريقيا، أو فرض الرؤية الجزائرية ضمن مسار المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي جدي وعادل لقضية الصحراء.

وشددت الفاعلة المدنية على أنه بالرغم من محاولات جبهة البوليساريو وأنصارها اكتساح بعض الفضاءات داخل المؤسسات الأوروبية، وآخرها لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان الإيطالي، إلا أن هذه التحركات لا يمكنها الصمود أمام المواقف المغربية المعبر عنها بخصوص وجود مخاوف حقيقية إزاء الجهود المنسقة التي تبذلها الجزائر لتوظيف ممثلي البوليساريو ومؤيديها القادمين من مخيمات تندوف بغية الولوج إلى المنابر المؤسسية الأوروبية، في إطار حملة استراتيجية تستهدف تقويض شرعية سيادة المغرب على صحرائه ومواجهة الدعم الأوروبي لمبادرة الحكم الذاتي.

كما استنكرت لغزال ما وصفته بالموقف العدائي للسلطات الجزائرية تجاه المغرب، مشيرة إلى أن هذا النهج يجعل الجزائر ممولا وداعما رئيسيا للترويج لادعاءات البوليساريو داخل الفضاء الأوروبي، عبر اعتماد استراتيجية اختراق مؤسسي تقوم على تأمين جلسات استماع في البرلمانات الوطنية، خاصة بإيطاليا وإسبانيا ودول أوروبية أخرى، غالبا من خلال لجان حقوق الإنسان، بهدف حشد مناصرة برلمانية ضد حكومات تلك الدول، والسعي إلى كسب تأييد منظمات غير حكومية أوروبية تترافع لصالح مواقف البوليساريو داخل المجتمع المدني والمؤسسات الأوروبية.

واسترسلت مينة لغزال بأن هذه الاستراتيجية تشمل كذلك توفير دعم وتمويل سخي لأنشطة تلك المنظمات، إلى جانب رعاية مؤتمرات وندوات ومبادرات بحثية تروج للرواية الانفصالية داخل الجامعات ومراكز التفكير الأوروبية، مؤكدة أن “تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية قام برصد وتوثيق عدد من الأنشطة الأكاديمية بجامعات إيطالية وإسبانية وبريطانية، تبين أنها لا تولي أهمية تُذكر لمعايير النزاهة والموضوعية والشفافية والابتكار العلمي، وتتجاهل بشكل كامل وجهة نظر الصحراويين القاطنين بالأقاليم الجنوبية، رغم تزايد الاعترافات الدولية بجدية مبادرة الحكم الذاتي، والإشادة الأممية بعمل اللجان الجهوية لحقوق الإنسان، وتحسن مؤشرات التنمية البشرية بالصحراء”.

وقالت لغزال، ضمن تصريحها لهسبريس، إن الجهات ذاتها تغض الطرف عن الإشكالات الحقيقية المرتبطة بمخيمات تندوف، وعلى رأسها مسألة السيطرة المفروضة على الساكنة، وغياب أي إحصاء أممي يضمن للصحراويين وضعا قانونيا واضحا وبطاقة لاجئ، إضافة إلى التعبئة السياسية المغرضة التي تحول ساكنة المخيمات إلى أدوات لتنفيذ أجندات الجزائر والبوليساريو في الداخل والخارج، إلى جانب تقييد الولوج الإنساني الدولي إلى المخيمات، وما يرافق ذلك من تساؤلات حول الحكامة، وانتشار الخطابات المضللة، وتجنب أي تدقيق جدي في الأوضاع المعيشية والحقوقية داخل مخيمات تندوف، بما في ذلك القيود المفروضة على حرية التنقل والتعبير، وورود تقارير حول التجنيد القسري وانتهاكات حقوق الإنسان.

وخلصت مينة لغزال إلى أن حضور ممثلين وأنصار للبوليساريو داخل البرلمان الإيطالي لا يشكل حدثا معزولا أو قفزة نوعية في الدبلوماسية الجزائرية، بقدر ما يعكس تبادل مصالح ومنافع بين الجزائر وبعض الفاعلين داخل المؤسسات الأوروبية الداعمين للبوليساريو، الذين دأبوا على تنظيم جلسات استماع وإحاطات للترويج لمواقفهم، مستغلين السياقات المرتبطة بالتحركات المغربية داخل الاتحاد الأوروبي للتشويش عليها، خاصة بالتزامن مع عقد اجتماعات مغربية أوروبية لتعميق الشراكات الاقتصادية، كما حدث سنة 2024 على هامش المحادثات المغربية الإيطالية، إلى جانب تنظيم اجتماعات دورية داخل برلمانات إقليمية ومجالس بلدية إسبانية، ومجموعات عمل بالبرلمان الأوروبي، ومنتديات حقوق الإنسان ببلجيكا وفرنسا، ولجان برلمانية في دول الشمال الأوروبي.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا