كشفت مصادر مطلعة لجريدة “العمق” عن تفاصيل مثيرة تتعلق بتقرير أنجزتها أقسام الشؤون الداخلية في عدد من عمالات وأقاليم جهة الدار البيضاء–سطات، والتي وضعت اليد على تجاوزات خطيرة وممارسات “تحايلية” ينتهجها رؤساء جماعات ترابية.
وتهدف هذه الممارسات، بحسب المصادر ذاتها، إلى شراء السلم الاجتماعي داخل مجالسهم وضمان الولاءات السياسية، عبر تبديد المال العام في امتيازات غير قانونية، وذلك في سباق مع الزمن قبل حلول الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.
وأفادت المعطيات المتوفرة بأن عددا من رؤساء الجماعات لجؤوا إلى أساليب ملتوية للحفاظ على أغلبياتهم الهشة أو لاحتواء غضب المعارضة، من أبرزها كراء سيارات فارهة من وكالات خاصة خارج إطار الحظيرة الجماعية الرسمية (Parc Auto)، وتوزيعها على منتخبين ومستشارين نافذين، كما رصدت التقارير استفادة بعض المنتخبين من عطل “باذخة” وامتيازات عينية ومادية لا تستند إلى أي مسوغ قانوني أو حاجة تدبيرية حقيقية.
وأكدت المصادر أن هذه الخطوات لا علاقة لها بتجويد المرفق العمومي، بل تُستعمل كأدوات لـ”الترضيات السياسية”، حيث تحولت ميزانيات بعض الجماعات إلى وسيلة لضمان “صمت” الأصوات المعارضة، وثنيها عن تقديم ملتمسات الإقالة أو رفع شكايات إلى سلطات الوصاية والمحاكم المختصة.
ويأتي لجوء الرؤساء إلى هذه الأساليب في سياق يتسم بتنامي الخوف من “المساءلة القضائية”، حيث أشارت المصادر إلى أن العديد من رؤساء الجماعات باتوا يعيشون تحت وطأة “هاجس السجن”، خاصة مع تزايد وتيرة المتابعات التي تحركها غرف جرائم الأموال وقضاة التحقيق.
وما زاد الطين بلة بالنسبة لهؤلاء المسؤولين، هو تغير خريطة التحالفات والمواجهات؛ إذ لم تعد الشكايات تقتصر على جمعيات المجتمع المدني أو المعارضة التقليدية، بل سُجلت حالات عديدة قام فيها مستشارون من داخل “الأغلبية المسيرة” برفع دعاوى قضائية ضد رؤسائهم، تتهمهم باختلالات جسيمة في التدبير المالي، والتلاعب في الصفقات العمومية، واستغلال ممتلكات الجماعة لأغراض شخصية.
وعلى المستوى المالي، أوضحت المصادر أن عمليات كراء السيارات تتم في كثير من الأحيان بخرق سافر للمساطر القانونية المنظمة للصفقات وسندات الطلب، ودون مبررات موضوعية تقتضيها مصلحة المرفق. ويشكل هذا السلوك عبئا إضافيا يثقل كاهل ميزانيات جماعية تعاني أصلا من شح الموارد وضعف المداخيل، مما ينعكس سلبا على الخدمات المقدمة للمواطنين وتأخر إنجاز المشاريع التنموية.
ويتم توظيف هذه السيارات، وفقا للتقارير، في تنقلات خاصة وعائلية للمنتخبين والمقربين منهم، بعيدا تماما عن الأغراض الإدارية المعلنة، مما يرسخ ثقافة “الغنيمة” داخل المؤسسات المنتخبة.
وحذرت المصادر ذاتها من أن سياسة “شراء الصمت” وتوزيع الامتيازات قد توفر “هدنة مؤقتة” لرؤساء الجماعات، لكنها تفرغ الآليات الديمقراطية للمراقبة والمحاسبة من محتواها، وتحول دورات المجالس من فضاءات للنقاش العمومي وخدمة الصالح العام إلى بورصة لتدبير التوازنات والمصالح الشخصية.
وختمت المصادر حديثها بالتأكيد على أن هذه التقارير الإدارية المنجزة من طرف أقسام الشؤون الداخلية لن تبقى حبيسة الرفوف، بل من المرجح أن تتحول إلى إحالات رسمية على القضاء الإداري والجنائي، مما ينذر بزلزال سياسي قد يطال رؤوسا كبيرة في الجهة، وينهي المسار السياسي لعدد من المنتخبين المتورطين في تبديد أموال دافعي الضرائب.
المصدر:
العمق