شكلت القاعة الكبرى بالمحكمة الابتدائية بتنغير، الأربعاء، منصة لتشخيص واقعي ومقلق حول التحديات الجديدة التي تواجه النساء في الفضاء الرقمي، حيث ترأس الدكتور إبراهيم عنترة، وكيل الملك لدى المحكمة ذاتها، الاجتماع الدوري الرابع للجنة المحلية للتكفل بالنساء والأطفال ضحايا العنف.
ويأتي هذا اللقاء، المنعقد في إطار الحملة الوطنية الـ23 لوقف العنف ضد النساء، ليضع “العنف الرقمي” تحت مجهر المساءلة القانونية، خاصة مع الطفرة التكنولوجية التي باتت تفرض تحديات غير مسبوقة على مستوى الحماية والوقاية.
وأكد وكيل الملك بالمحكمة الابتدائية بتنغير، أن العنف الرقمي لم يعد مجرد سلوكات معزولة، بل تحول إلى تهديد حقيقي لبنية المجتمع، مستحضرا الأرقام الوطنية التي تشير إلى أن ما يقارب 58% من النساء بالمغرب تعرضن لأشكال مختلفة من الأذى الرقمي.
وهو ما استدعى، يضيف عنترة من النيابة العامة بتنغير تعبئة كافة إمكانياتها لتنزيل مقتضيات القانون 103.13، وتفعيل استراتيجية “المغرب الرقمي 2030” لضمان بيئة افتراضية آمنة تضمن كرامة المرأة وتحترم خصوصيتها.
وفي جرد إحصائي يعكس حجم التفاعل القضائي المحلي مع الظاهرة خلال سنة 2025، كشف وكيل الملك أن النيابة العامة بتنغير عالجت ملفات ثقيلة تتعلق بالتشهير والابتزاز الإلكتروني، حيث تم تسجيل 32 شكاية مباشرة، بالإضافة إلى إنجاز 67 محضرا للبحث والتحقيق.
وأوضح أن هذه الأرقام المتصاعدة تعكس من جهة تنامي الظاهرة، ومن جهة أخرى زيادة الوعي لدى الضحايا بضرورة اللجوء إلى القضاء لكسر شوكة المبتزين، مشددا على أن “الخفاء الرقمي” لن يمنع يد العدالة من الوصول إلى المعتدين.
كما توقف الاجتماع عند المنعطف الخطير الذي فرضه الذكاء الاصطناعي، والذي وصفه وكيل الملك بـ”السلاح ذو الحدين”. فقد باتت التقنيات الحديثة تتيح إمكانيات تزييف المحتوى البصري والسمعي بدقة مذهلة، ما يجعل النساء والفتيات عرضة لتشوية السمعة عبر “الفيديوهات المفبركة” وانتحال الهوية.
وأكد عنترة أن هذه التحولات تفرض على المشرع والفاعل القضائي والمجتمع المدني العمل بتنسيق وثيق لمواكبة التطورات التقنية بآليات قانونية ونفسية ناجعة، تحمي الضحايا من “الاغتيال الرمزي” وتوفر لهن الدعم اللازم لاستعادة حقوقهن.
وشدد على أن معركة مناهضة العنف الرقمي هي معركة وعي بالأساس، حيث دعا إلى تظافر جهود المؤسسات والمجتمع المدني لبناء سياسات عادلة للذكاء الاصطناعي تحترم الكرامة الإنسانية.
وخلص إلى أن الهدف الأسمى يظل هو تحويل الفضاء الرقمي من “ساحة للتهديد” إلى “مساحة آمنة للتعبير”، معتبرا أن نجاعة التكفل بالضحايا تمر حتما عبر تحديث الترسانة القانونية وتقوية التنسيق الميداني بين مختلف المتدخلين، لضمان مستقبل خال من العنف والابتزاز لنساء وفتيات الإقليم.
المصدر:
العمق