عاد ملف تقليص ساعات العمل في قطاع التعليم ليطرح نفسه بقوة على طاولة الحوار القطاعي بين وزارة التربية الوطنية والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية. ويأتي ذلك في وقت تتشبث فيه النقابات بمطلبها التاريخي القاضي بمراجعة الإطار الزمني لعمل هيئة التدريس، مستندة إلى وعود حكومية سابقة بتدارس الملف وإيجاد صيغ تخفيف من العبء المهني على الشغيلة التعليمية.
وتؤكد النقابات التعليمية في كل جولة من جولات الحوار على أن ساعات العمل الحالية مرهقة وطويلة، ولا تقتصر فقط على الحصص الفصلية المقررة، بل تمتد لتشمل مهام أخرى خارج نطاق التدريس المباشر، من قبيل الإعداد القبلي للدروس، وتصحيح الفروض، والمشاركة في اجتماعات المجالس التعليمية وأنشطة الحياة المدرسية. وأوضحت مصادر نقابية أن هذا الوضع يساهم بشكل مباشر في تفاقم ظاهرة الإنهاك المهني لدى الأساتذة، وهو ما يؤثر سلبا على جودة الممارسة التربوية وعلى عطاء الأطر داخل الفصول الدراسية.
وأقرت الحكومة، في إطار اتفاقيات سابقة ضمن الحوار القطاعي، بأهمية هذا الملف وتأثيره على المناخ العام بالقطاع. وتعهدت الوزارة الوصية، بناء على تلك الاتفاقيات، بفتح ورش مراجعة ساعات العمل لمختلف الفئات التعليمية، بما يتوافق مع المهام المنوطة بكل إطار، وذلك بهدف تحقيق التوازن بين الواجبات المهنية والحياة الخاصة للشغيلة التعليمية. وشكل هذا الوعد الحكومي، أحد المداخل الأساسية للتوصل إلى اتفاقات سابقة وطي صفحة الاحتقان الذي شهده القطاع.
وتترقب الأوساط التعليمية تفعيل هذه الوعود الحكومية وتحويلها إلى إجراءات ملموسة، حيث تعتبر النقابات أن الإسراع في فتح هذا الورش هو اختبار حقيقي لمدى جدية الحوار الاجتماعي وجدواه. وحذرت من أن أي تأخير أو تسويف في معالجة هذا المطلب قد يعيد التوتر إلى القطاع من جديد، خاصة وأن الملف يرتبط بشكل وثيق بورش إصلاح المنظومة التعليمية وتحسين جاذبية مهنة التدريس.
وفي هذا السياق، دعا الكاتب الوطني للاتحاد الوطني للتعليم، عزالدين أمامي، في تصريح خص به جريدة “العمق”، وزارة التربية الوطنية إلى تقنين 18 ساعة عمل أسبوعيا لأساتذة التعليم الابتدائي، مؤكدا أن هذا المطلب يستند إلى التقاء مرجعين أساسيين، أحدهما بيداغوجي والآخر قانوني، بما يخدم مصلحة المدرسة العمومية وجودة التعلمات.
وأوضح أمامي في تصريح لجريدة “العمق”، أن المرجع البيداغوجي الذي يستند إليه هذا المطلب يتمثل في نجاح تجربة “التوقيت الثلاثي”، التي أثبتت، حسب قوله، أن العمل لمدة 18 ساعة أسبوعيا يضمن تمرير جميع مضامين المقرر الدراسي دون الحاجة لتكييف امتحانات المستوى السادس، فضلا عن تحسينه لجودة التعلمات واستثمار الزمن المدرسي.
وأضاف الفاعل النقابي ذاته أن المرجع القانوني هو المرسوم رقم 2.05.916 الذي يحدد أيام وتوقيت العمل بإدارات الدولة، والذي ينص على خمسة أيام عمل في الأسبوع من الاثنين إلى الجمعة، بسقف زمني يومي لا يتجاوز الساعة الرابعة والنصف بعد الزوال. واعتبر أنه بما أن أستاذ التعليم الابتدائي موظف عمومي، فإن تنظيم عمله يجب أن يتقيد بهذه المقتضيات القانونية.
وأكد أمامي أن التقاء هذين المرجعين يجعل من مطلب 18 ساعة أسبوعيا حلا منطقيا وقانونيا، حيث إنها مدة زمنية مبررة بيداغوجيا بنجاح تجربة سابقة، وتنسجم كليا مع إطار العمل القانوني المفروض بموجب المرسوم. وشدد على أن اعتماد هذا المقترح يمثل استثمارا ذكيا لتجربة وطنية ناجحة وتنزيلا سليما لمقتضيات قانونية نافذة.
واختتم عزالدين أمامي تصريحه بتوجيه دعوة مباشرة إلى وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، مطالبا إياه بالعمل على تقنين 18 ساعة عمل أسبوعيا لأستاذ التعليم الابتدائي، وتوزيعها على خمسة أيام من الاثنين إلى الجمعة، مع احترام سقف العمل اليومي المنتهي في الرابعة والنصف بعد الزوال.
المصدر:
العمق