باشرت مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية إجراءً قانونياً مفصلياً ضد شركة “كوكا كولا” العالمية وتسع شركات غذائية بارزة أخرى، متهمةً إياها بـ”هندسة” أغذية فائقة المعالجة ومسببة للإدمان، أسهمت في تفاقم أزمة صحة عامة متنامية، مع تأثير خاص على المجتمعات محدودة الدخل والأقليات.
وقد رفع تشيو، المدعي العام للمدينة، الدعوى في الثاني من ديسمبر الجاري أمام المحكمة العليا لسان فرانسيسكو، مدرجاً إلى جانب “كوكا كولا” شركات: “كرافت هاينز”، “مونديليز إنترناشيونال”، “بيبسيكو”، “جنرال ميلز”، “نستله” الولايات المتحدة، “كيلوغ”، “مارس إنكوربوريتد”، “بوست هولدينغز” و”كوناغرا براندز”.
بحسب تقارير إعلامية أمريكية، تُعد مقاضاة “كوكا كولا” المرة الأولى التي تقدم فيها جهة حكومية على مقاضاة شركات غذائية بسبب الآثار الصحية للمنتجات فائقة المعالجة.
وقال تشيو في بيان رسمي: “لقد تحول الطعام إلى شيء غير قابل للتعرف عليه ومضر بجسم الإنسان، حيث هندست هذه الشركات أزمة صحة عامة، وحققت منها أرباحاً طائلة، وعليها الآن تحمل مسؤولية الأضرار التي تسببت فيها”.
وأفادت وثائق الدعوى بأن التكتلات الغذائية اعتمدت حملات متكاملة تضم شخصيات كرتونية مثل “توني النمر”، وبالتعاون مع “ديزني” و”نيكلوديون” و”ماتيل” و”مارفل” للوصول إلى جمهور الأطفال. كما أشارت أيضاً إلى “فريق مهام الأطفال” لدى “كرافت”، الذي زعم أن جهوده الترويجية ستصل إلى نحو 95 بالمائة من الأطفال ضمن الفئة العمرية المستهدفة من 6 سنوات إلى 12 سنة في الولايات المتحدة.
وأكدت الدعوى أيضاً أن الأطفال السود واللاتينيين تعرضوا لإعلانات عن الأغذية فائقة المعالجة بنسبة تفوق نظراءهم البيض بنحو 70 بالمائة، فيما بدت العواقب الصحية صارخةً، من خلال العودة إلى العقود الثلاثة الماضية، حيث تضاعف انتشار داء السكري بين الأمريكيين السود أربع مرات، وفق ملف المدعي العام.
وتراوحت معدلات الاستشفاء بسبب السكري في سان فرانسيسكو وحدها بين ثلاثة أضعاف وستة في المجتمعات السوداء مقارنة بمجموعات عرقية أخرى، مع ارتفاع ملحوظ في معدلات الوفيات.
أبرزت الدعوى الجديدة ضد “كوكا كولا” وشركات أخرى تعرض الأسر محدودة الدخل للتلاعب بالاختيارات بدلاً من تركها للصدفة، حيث تتكون نحو 70 بالمائة من الإمدادات الغذائية في الولايات المتحدة اليوم من منتجات فائقة المعالجة؛ إذ إنه رغم التنوع في رفوف المتاجر، دفعت الدعوى بأن المستهلكين “يختارون فعلياً بين تركيبات مختلفة من المواد الكيميائية” تنتجها حفنة من الشركات.
من جهته، أظهر تقرير لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) نُشر خلال أغسطس الماضي، أن أكثر من نصف الغذاء اليومي الذي يستهلكه الناس يأتي من أصناف شديدة المعالجة، مع اعتماد أكبر عليها لدى ذوي الدخل المنخفض مقارنة بذوي الدخل المرتفع.
وأشار دانيال تساي، مدير الصحة في سان فرانسيسكو، إلى أن هذه المنتجات “تُلحق أضراراً غير متكافئة بالمجتمعات محدودة الدخل ومجتمعات ذوي البشرة الملونة”، وتساهم في ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة، مثل السكري وأمراض القلب وبعض أنواع السرطان.
تستهدف خطوة سان فرانسيسكو الجريئة كبريات شركات الغذاء، وعلى رأسها “كوكا كولا”، مسلطةً الضوء على تعمدها تصميم منتجات مفرطة المعالجة ومسببة للإدمان، تضرب الأحياء الهشة بأقسى الأضرار.
وقد تمهد هذه القضية الطريق أمام مدن أخرى لمقاضاة شركات الغذاء بدعاوى تتعلق بالإعلان المضلل، أو التعويض عن الأضرار، أو فرض غرامات. وتتمحور هذه الجهود حول الارتفاع المتزايد في التكاليف الطبية المرتبطة بوصفات متلاعب بها وتسويق خادع، لا سيما عندما يستهدف الأطفال وذوي الدخل المحدود.
وإذا كتب النجاح لهذا الإجراء القانوني، فقد يوفر حماية أكبر للأسر، خصوصاً الأقل موارداً ولذوي البشرة الملونة، من ممارسات تجارية مدفوعة بالربح تُقدم العائدات على حساب الصحة العامة.
المصدر:
هسبريس