أعلنت جبهة البوليساريو الانفصالية، في بيان أعقب اجتماع ما يسمى “الأمانة الوطنية”، رفضها الانخراط في مسار الحل السياسي الذي يستند إليه القرار الأممي 2797، مؤكدة أن مشاركتها في أي جهد أممي مرهونة بطرح خيار الاستفتاء الذي تعتبره المخرج الوحيد للنزاع، وذلك في إطار تمسكها بالخطاب التقليدي الذي ظلّ مرتبطا بالموقف نفسه منذ عقود.
وبالعودة إلى القرار الأممي 2797، تشير المعطيات إلى أن الجبهة حاولت تقديم قراءة مجتزأة لمضامينه، متجاهلة ما ورد فيه من تأكيد على الواقعية والتوافق كأساس لأي حل قابل للتطبيق؛ فالقرار، شأنه شأن قرارات الأمم المتحدة منذ سنة 2007، يشدد على ضرورة انخراط جميع الأطراف في مفاوضات سياسية تفضي إلى تسوية متوافق عليها، وهو ما يجعل المواقف الأحادية غير منسجمة مع التوجه الدولي الراهن.
ويكشف استمرار قيادة البوليساريو في التشبث بخيار الاستفتاء عن غياب مسعى فعلي للمساهمة في الدفع بالمسار الأممي نحو تقدم ملموس، في وقت تتعزز فيه القناعة الدولية بأن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية تمثل الإطار الأكثر واقعية لإنهاء النزاع. وبينما تتقدم الجهود الدبلوماسية نحو ترسيخ هذا المسار، تسير الجبهة في اتجاه معاكس، بالاعتماد على خطاب يعيد إنتاج أوهام تجاوزها الزمن والتطورات الإقليمية.
في هذا الصدد، يرى الشيخ بوسعيد، باحث في القانون العام مختص في قضايا نزاع الصحراء المغربية، أن القرار الأممي رقم 2797 الصادر عن مجلس الأمن في 31 أكتوبر 2025 يمثل محطة فاصلة في مسار معالجة هذا النزاع، لأنه يجسد – من منظور قانوني واستراتيجي – انتقالا واضحا من مقاربة تدبير الأزمة إلى منطق التسوية الواقعية القائمة على مبدأ السيادة الوطنية، وعلى دعم المقترح المغربي للحكم الذاتي كخيار يُعتدّ به دوليا.
وأوضح بوسعيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن خطاب جبهة البوليساريو لا يزال أسير مرحلة متجاوزة، من خلال تمسكه بفكرة الاستفتاء الذي تعتبره “الخيار الوحيد”، رغم أن هذا الطرح لم يعد يحظى بأي سند أممي منذ سنة 2007، مشددا على أن “رفض الجبهة الانخراط في دينامية القرار 2797 يعكس غياب استعداد فعلي للتفاعل مع المسار السياسي الذي تبنّاه مجلس الأمن”.
وكشف المحلل السياسي ذاته أن تشبث البوليساريو بخيار الانفصال في الظرفية الحالية ليس سوى محاولة للهروب إلى الخلف، وتفادي الانخراط في مسار التسوية الذي ترعاه الأمم المتحدة، لافتا إلى أن “القرار الأممي الأخير يضع جميع الأطراف أمام واقع جديد يؤكد المبادرة المغربية للحكم الذاتي حلا عمليا وحيدا للنزاع، وهو ما يستوجب من الجبهة التخلي عن خطابها التقليدي الذي لم يعد ينسجم مع المتغيرات الإقليمية والدولية”.
وأضاف الباحث في خبايا النزاع أن السياق الدولي يشهد إعادة ترتيب لميزان القوى والتحالفات في شمال إفريقيا، ويجعل المواقف الدولية تميل إلى دعم المقاربة المغربية، مشيرا إلى أن “الدبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، راكمت خلال السنوات الأخيرة مكاسب استراتيجية مهمة تجلت في تبني دول وازنة مبادرة الحكم الذاتي، بدءا بالولايات المتحدة الأمريكية خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب سنة 2020، وصولا إلى دول أوروبية لها حضور مؤثر مثل إسبانيا وألمانيا وهولندا”.
وأكد المتحدث أن هذا التراكم الدبلوماسي يعزز موقع المبادرة المغربية في المنظومة الأممية، ويُضعف في المقابل الطروحات الانفصالية التي فقدت جاذبيتها السياسية والدبلوماسية، موردا أن “مقاربة مجلس الأمن باتت أكثر وضوحا في دعم الحل الواقعي والمتوافق عليه، بعيدا عن الخيارات التي أثبت الزمن أنها غير قابلة للتطبيق”.
وخلص بوسعيد إلى أن المرحلة المقبلة ستكون حاسمة في تثبيت مسار التسوية، موضحا أن القرار 2797 يشكل منعطفا يفرض على الأطراف التعامل بجدية مع الحل السياسي القائم على الحكم الذاتي، باعتباره الإطار الوحيد القادر على إنهاء النزاع المفتعل وإرساء الاستقرار في المنطقة.
من جانبه، سجل سعيد بوشاكوك، باحث مهتم بقضايا التنمية والمجال، أن حالة الارتباك الواضحة أصبحت السمة البارزة في تعاطي قيادة جبهة البوليساريو مع مسار الحل الأممي، خاصة بعد صدور القرار رقم 2797 الذي جعل الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية قاعدة للحل النهائي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.
وأكد بوشاكوك، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن موقف الجبهة الجديد يناقض جميع بياناتها وتصريحاتها الصادرة بعد 13 أكتوبر 2025، وهو ما يضعها أمام مسؤولية تاريخية تجاه المجتمع الدولي الذي حدد، وفق أجندة زمنية واضحة، مسار التفاوض وطبيعة الأطراف المعنية به سياسيا وقانونيا، مضيفا أن هذا التناقض يفتح الباب أمام سؤال محوري يتعلق بتأثير هذا التحول على مستقبل العملية التفاوضية داخل الأمم المتحدة.
وأوضح الخبير في نزاع الصحراء أن استيعاب المرحلة الحالية يستوجب الاقتناع بأن مسألة مغربية الصحراء حُسمت بعد صدور القرار الأممي الأخير، وأن العملية التفاوضية لم تعد سوى آلية تقنية وهندسية لترجمة الحل على أرض الواقع، في إطار مقاربة أممية واضحة لا تترك مجالا للالتباس أو التأويل.
واسترسل المحلل السياسي ذاته قائلا: “إن تشبث قيادة البوليساريو بمواقف متجاوزة يجعلها خارج السياق، بل وخارج مسار التاريخ؛ لأن دورها كان يفترض أن يكون جزءا من الحل بدل التحول إلى عنصر عرقلة يعطل جهود التسوية التي تبذلها الأمم المتحدة”.
وأكمل بوشاكوك حديثه لهسبريس بالإشارة إلى أن استمرار الجبهة في هذا النهج قد يدفع مجلس الأمن إلى التفكير في تفعيل مقتضيات الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يعني فرض القرار وتنزيله ميدانيا لإنهاء النزاع، داعيا قيادة البوليساريو إلى مراجعة مواقفها التي تتطلبها المرحلة الحالية بدل السير عكس اتجاه الإرادة الدولية.
المصدر:
هسبريس