آخر الأخبار

نصف قرن من الألم.. هل تتحرك الدبلوماسية المغربية لإنصاف ضحايا الطرد التعسفي من الجزائر؟

شارك

بعد مرور خمسين عاما على واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلاما في تاريخ العلاقات المغربية الجزائرية، المعروفة بـ “المسيرة الكحلا”، حين أقدم نظام الرئيس هواري بومدين على طرد آلاف المغاربة بشكل تعسفي وجماعي في رد فعل مباشر على تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء، يطرح السؤال مجددا وبإلحاح أكبر: هل آن الأوان لتتحمل الدولة المغربية مسؤوليتها التاريخية الكاملة تجاه مواطنيها، وتفعيل دبلوماسيتها بشكل حازم لاسترجاع حقوق ضائعة ظلت معلقة لنصف قرن من الزمن؟

فعلى امتداد العقود الخمسة الماضية، لم يتوقف ضحايا الطرد التعسفي وذوو حقوقهم عن النضال، حيث نجحوا عبر جمعيتهم في إيصال قضيتهم إلى أعلى المحافل الحقوقية الدولية، منتزعين توصيات من مجلس حقوق الإنسان بجنيف تدين الجزائر وتطالبها بالتعويض وجبر الضرر ولم شمل العائلات المشتتة. إلا أن هذا الجهد الحقوقي الدؤوب الذي قاده الضحايا بأنفسهم، يسلط الضوء بشكل صارخ على ما يصفه مراقبون وخبراء بـ “التقاعس الرسمي” للدولة المغربية. فالدولة، التي كان ينتظر منها أن تقود الترافع الدبلوماسي والقانوني، ظلت متأخرة عن دعم قضية مواطنيها الذين جعل منهم النظام الجزائري ورقة لتصفية حساباته السياسية.

وفي هذا السياق، يرى الخبير في العلاقات الدولية، أحمد نور الدين، أن الدولة “تأخرت كثيرا عن دعم عشرات الآلاف من أبنائها الذين تعرضوا لجريمة نكراء تصنف ضمن جرائم ضد الانسانية”، معتبرا أنها “تقاعست عن تقديم المساعدة القانونية والدبلوماسية لمواطنينها الذين انتهكت حقوقهم بسبب واحد وهو كونهم مغاربة”.

وأضاف نور الدين في تصريح لجريدة العمق أن الدولة “تخلفت عن موعد حماية حقوق مواطنيها الذين جعل منهم النظام العسكري الجزائري كبش فداء لتصفية حساباته مع المغرب، رداً على المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء من الاستعمار الاسباني، فما كان من الرئيس الجزائري هواري بومدين الا ان نظم ‘المسيرة الكحلا’ كما وصفها هو للضغط على المغرب اجتماعيا واقتصاديا وانسانيا بآلاف المهجرين قسريا”.

وأشاد نور الدين بالجهود التي قامت بها جمعية الضحايا، والتي “أوصلت ملفهم الحقوقي إلى أعلى هيئة دولية مختصة وهي مجلس حقوق الإنسان في جنيف التابع للأمم المتحدة”، حيث أصدرت اللجنة الدولية المكلفة بحقوق العمال المهاجرين توصيتين سنتي 2010 ثم 2018. وقد طالبت هذه التوصيات الجزائر أولا، بـ”تعويض الضحايا عن الاضرار المادية وخاصة الممتلكات والحقوق العينية”، وثانيا، بـ”جبر الضرر المترتب عن الجريمة”، وثالثا، بـ”لم شمل العائلات التي تم تشتيتها وتفريق افرادها”، وفق تعبيره.

وشدد الخبير ذاته على أنه “بقي الآن دور الدولة المغربية في الترافع عن مواطنيها ضحايا الطرد التعسفي القسري والجماعي من الجزائر”، مقترحا خارطة طريق واضحة تتقاسم فيها المسؤوليات عدة وزارات ومؤسسات، فعلى وزارة الخارجية أولا، أن تتبنى ملف الضحايا وتضعه في أجندتها السياسية على مستوى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي. ثانيا، أن تواصل ما بدأته جمعية الضحايا في الترافع أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف وكل الهيئات والمحاكم المعنية. وثالثا، أن يوضع الملف على رأس أولويات المفاوضات المحتملة مع الجزائر.

أما وزارة الداخلية، فيتعين عليها، حسب نور الدين، أن “تنفض الغبار عن ملفات المطرودين، وتنشئ قاعدة بيانات أو سجل وطني تجمع فيها كل المعطيات التي تم جمعها أثناء عملية تسجيلهم سنة 1975″، مشيرا إلى أن مصالح الوزارة في عمالة وجدة وفكيك والهلال الأحمر هي التي أشرفت على الإحصاء آنذاك. واعتبر هذه المهمة “استراتيجية في تكوين ملف متين عن الضحايا وممتلكاتهم وذوي حقوقهم”، خاصة وأن الجمعية لم تتمكن من إحصاء كل الضحايا وورثتهم.

وتشمل المقترحات أيضا قطاع الاتصال الذي يتوجب عليه تجميع أرشيف الصحف العالمية لتعزيز الملف بوثائق أجنبية، ومؤسسة أرشيف المغرب لتكوين ملف متكامل عن الجريمة حفظا للذاكرة وحتى لا تتكرر. كما دعا وزارة التربية والتعليم إلى إدراج مواد حول هذه الجريمة في المقررات الدراسية. وبالنسبة لـالمجلس الوطني لحقوق الإنسان، فطالبه بمراسلة المنظمات الحقوقية الدولية لاستصدار قرارات إدانة ضد الجزائر ومطالبتها بالتعويض، ومصاحبة ودعم جمعية الضحايا في ترافعها.

وعلى الصعيد القانوني، طالب نور الدين وزارة العدل بتعيين محامين مغاربة ودوليين لمؤازرة الجمعية وتكوين ملف قانوني صلب للترافع أمام المحاكم الدولية. كما دعا التلفزيون الوطني بكل قنواته إلى إعداد أشرطة وثائقية وتوثيقية وشهادات حية عن هذه الجريمة. واختتم الخبير تصريحه بالتأكيد على أن هذه المقترحات ليست حصرية، وأن ما ينبغي على مؤسسات الدولة القيام به كثير، بما في ذلك “المساعدة المادية والاجتماعية لعائلات الضحايا التي توجد في وضعية هشاشة”.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا