آخر الأخبار

تقرير: أرباح الشركات لا يستفيد منها الأجراء.. والدولة تشتري "السلم الاجتماعي" بالديون

شارك

كشفت الحسابات الوطنية للقطاعات المؤسساتية لسنة 2024، الصادر عن المندوبية السامية للتخطيط، عن معطيات مثيرة بخصوص توزيع الثروة في المغرب، مسلطة الضوء على فجوة آخذة في الاتساع بين “رأس المال” و”العمل”.

وأظهرت الأرقام الرسمية أن أرباح الشركات (المالية وغير المالية) بلغت نحو 1.8 مرة كتلة الأجور الموزعة، مما يطرح تساؤلات كبيرة حول عدالة توزيع ثمار النمو الاقتصادي، ومدى استفادة الطبقة الشغيلة من الانتعاش المسجل.

وفي تفاصيل هذا التفاوت، بلغ إجمالي فائض الاستغلال (الأرباح الخام) للشركات ما يناهز 421 مليار درهم، في حين لم تتجاوز كتلة الأجور المصرح بها 224 مليار درهم.

وتجعل هذه الأرقام من الشركات المصدر الأول للثروة الوطنية، حيث خلقت 45.7% من الناتج الداخلي الإجمالي، لكنها تكشف في الوقت ذاته عن تمركز كبير للقيمة المضافة في يد أصحاب رؤوس الأموال مقارنة بما يحصل عليه العاملون.

ويشير هذا التباين إلى أن الدينامية الاقتصادية الحالية تميل هيكليا لمراكمة الأرباح لدى الشركات، دون أن ينعكس ذلك بنفس الوتيرة على تحسين دخل الأجراء، خاصة في ظل سياق يتسم بارتفاع تكاليف المعيشة.

وأمام محدودية الأجور في تلبية احتياجات الأسر، اضطرت الدولة للتدخل بقوة لترميم القدرة الشرائية. ورغم أن الأسر (والمؤسسات غير الهادفة للربح) امتلكت 63.1% من إجمالي الدخل الوطني المتاح (1059.7 مليار درهم)، إلا أن جزءا مهما من هذا الدخل جاء عبر التحويلات الاجتماعية والدعم الحكومي.

هذا التدخل ساهم في تحسين القدرة الشرائية بـ 5.1 نقاط، لكن تكلفته كانت باهظة على المالية العمومية، إذ لتغطية الحاجة التمويلية للاقتصاد (18.5 مليار درهم)، لجأت الدولة إلى الاستدانة المكثفة، مسجلة تدفقا صافيا لإصدارات الخزينة في السوق الداخلي بـ 48.8 مليار درهم، و19 مليار درهم كديون خارجية، حيث تقوم الدولة، عمليا، بالاقتراض لضخ السيولة في جيوب الأسر، معوضة بذلك ضعف الأجور الموزعة من طرف القطاع الخاص.

وكشفت البيانات أيضا عن هشاشة الوضع المالي للأسر المغربية، التي تلتهم نفقات استهلاكها 89.2% من دخلها المتاح، مما يبقي هامش الادخار ضعيفا عند حدود 11.3%.

ويحد هذا الواقع من قدرة الأسر على الاستثمار، حيث لم تساهم سوى بـ 26.1% في إجمالي تكوين رأس المال الثابت، تاركة المجال لهيمنة استثمارات الشركات التي استحوذت على 59.2% من الاستثمار الوطني (422.5 مليار درهم)، حيث يكرس هذا الوضع دور الأسر كـ “مستهلك” نهائي للثروة، بينما يحتكر قطاع الشركات دور “المستثمر” والمراكم للثروة.

وفي زاوية أخرى مثيرة للاهتمام، رصد التقرير سلوكا ماليا “حذرا” للشركات المالية (البنوك)، مسجلا تراجعت القروض الممنوحة من طرف هذا القطاع بشكل ملحوظ من 65.5 مليار درهم في 2023 إلى 41.9 مليار درهم في 2024.

في المقابل، ارتفعت الودائع لدى هذه المؤسسات لتسجل تدفقا صافيا قياسيا بـ 152.3 مليار درهم، إذ يعكس هذا المعطى احتفاظ القطاع المالي بسيولة ضخمة، بالتزامن مع تراجع لجوء الشركات غير المالية للاقتراض (انخفضت قروضها إلى 12.9 مليار درهم).

ويؤشر هذا “العزوف” النسبي عن الاقتراض والاستثمار التوسعي المعتمد على البنوك، مقابل ارتفاع الودائع، إلى توجه الشركات نحو “تحصين” أرباحها وسيولتها بدلا من المخاطرة في استثمارات جديدة، وهو ما قد يفرمل وتيرة النمو المستقبلي.

وتضع هذه المؤشرات الاقتصاد الوطني أمام تحدي “الاستدامة الاجتماعية”؛ فنموذج النمو الحالي ينجح في مراكمة الأرباح لدى الشركات، لكنه يعجز عن توزيعها بشكل عادل عبر الأجور، مما يلقي بعبء “السلم الاجتماعي” على كاهل الدولة التي تموله بالاستدانة، في حلقة مفرغة قد تكون لها تداعيات مستقبلية على التوازنات الماكرو-اقتصادية.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا