بين صخب الحملات الدعائية الجزائرية الموجهة ضد المغرب وتحريف مواقف الدول من قضية الصحراء من طرف الآلة الإعلامية لقصر المرادية، برز البيان الأخير الصادر عن وزارة الخارجية الصومالية ليفضح أكاذيب النظام الجزائري ويعيد الحقائق إلى نصابها، بتفنيده التصريحات التي نسبتها وسائل الإعلام إلى الصومال، مؤكدا بشكل صريح وواضح احترام مقديشو لوحدة أراضي المغرب وسيادته الوطنية.
وجاء في بيان وزارة خارجية الصومال التي كانت من المصوتين على قرار مجلس الأمن الأخير حول قضية الصحراء المغربية: “تفيد تقارير حديثة في وسائل الإعلام بأن بعض التصريحات نُسبت إلى جمهورية الصومال الفيدرالية بشأن قضية الصحراء، ونودّ التأكيد على أن الموقف الرسمي للصومال يُعبَّر عنه حصرا عبر بياناتها الرسمية واتصالاتها الرسمية”.
وتابع البيان: “في هذا الصدد، تشير الصومال إلى قرار مجلس الأمن للأمم المتحدة رقم 2797 والدور المهم الذي يضطلع به في دعم مسار التسوية السلمية تحت رعاية الأمم المتحدة. وانطلاقا من التزام الصومال بتعزيز الحلول السلمية، ندعو الطرفين إلى الانخراط في مفاوضات جدّية ومباشرة بهدف التوصل إلى حل سلمي ونهائي ومقبول متبادلًا، يحقق مصلحة شعوب المنطقة، ووفقا لأحكام قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة”.
وأضاف: “كما تعرب الصومال عن دعمها الكامل لجهود الأمين العام للأمم المتحدة ومبعوثه الشخصي لإعادة إطلاق العملية السياسية. وفي الوقت نفسه، تجدّد الصومال التزامها بتعزيز التعاون مع المملكة المغربية، واحترام الوحدة والسيادة الوطنية لكل بلد”.
تفاعلا مع هذا الموضوع، قال شوقي بن زهرة، ناشط سياسي جزائري معارض، إن “وسائل الإعلام الجزائرية المحسوبة على النظام سارعت إلى تحريف مضامين هذا البيان الصومالي نفسه، محاولة تقديمه بأنه موجه ضد المغرب، بينما الواقع يؤكد العكس تماما؛ إذ إن البيان كان واضح المعنى، خاصة في ظل تأكيده على احترام وحدة أراضي المغرب”.
وسجل بن زهرة، في تصريح لهسبريس، أن “القنوات ووسائل الإعلام الجزائرية، بما فيها الرسمية، حاولت إعادة صياغة وتحريف تصريحات رئيس الصومال خلال زيارته الأخيرة إلى الجزائر في شأن قضية الصحراء، متناسية أن الصومال صوتت لصالح القرار رقم 2797 الصادر في أكتوبر الماضي عن مجلس الأمن الدولي، الذي ينتصر لواقع سيادة المملكة المغربية على صحرائها”.
وأوضح أن “إصرار إعلام النظام الجزائري على نهج التضليل الإعلامي، حتى أمام الحقائق الثابتة والمواقف المعلنة من قبل دول عدة في هذا الشأن، إنما يعكس الفشل المستمر للدبلوماسية الجزائرية في إقناع حتى الدول غير المؤثرة داخل الاتحاد الإفريقي بخطابها حول نزاع الصحراء. وأمام عدم القدرة على ذلك، يحاول صناعة سرديات مضللة لإخفاء واقع فقدان تأثيرها على مواقف بعض الدول”.
وخلص بن زهرة إلى أن “البيان الصومالي الأخير يثبت أن الحملات الإعلامية الجزائرية، مهما بلغت قوتها، لا يمكنها حجب أو تعطيل مسار الاعتراف الدولي المتزايد بسيادة المغرب على صحرائه، وأن محاولة صنع انتصارات دبلوماسية وإعلامية وهمية لم يعد بإمكانها صرف الأنظار عن ضعف الأساس الإيديولوجي الذي بنى عليه النظام مواقفه السياسية والدبلوماسية حول قضية الصحراء المغربية”.
من جهته، أكد محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، أن “التوضيح الصومالي يشير إلى رغبة واضحة في حماية مجاله الدبلوماسي من الانزلاق نحو تأويلات إعلامية لا تعبّر عن موقفه الفعلي، فمجرد إصدار بيان رسمي يضع حدا لرواية متداولة يعكس مستوى من اليقظة الدبلوماسية؛ لأن الصومال تدرك أن الانجرار إلى سجالات إقليمية لا يخدم مصالحها، خصوصا في سياق داخلي وإقليمي يحتاج فيه البلد إلى تثبيت علاقاته لا تعقيدها”.
واعتبر عطيف أن ذلك “يدل على أن هذا الموقف ينسجم مع ما يعرف في العلاقات الدولية بالدبلوماسية الوقائية، أي التدخل المبكر لتصحيح المسار قبل أن يصبح الخلل جزءا من الصورة الذهنية للدولة”، مبرزا أن “هذا البيان يكشف هشاشة الأساليب الإعلامية الجزائرية التي حاولت استغلال اسم الصومال لخلق انطباع سياسي معين حول قضية الصحراء المغربية. فعندما تتبرأ الدولة نفسها من موقف نُسب إليها، يصبح أثر الحملات الإعلامية محدودا؛ لأن مصدر الشرعية ـــ أي الدولة المعنية ـــ يفضح التضليل بشكل مباشر”.
وتابع المصرح لهسبريس بأن “البيان يحمل رسائل دبلوماسية غير مباشرة تجاه المغرب وشركائه الأفارقة؛ إذ يؤكد على العلاقات المبنية على الاحترام المتبادل والتعاون، ويبرز الالتزام بالمسار الأممي في معالجة النزاعات، وهذا التقاطع في الرؤى يبرهن على أن هناك تقاربا في التصورات السياسية بين البلدين، وأن الصومال لا ترغب في أن تُستغل مواقفها لنقض مسار تعمل فيه مع المغرب بشكل متوازن وهادئ. وبذلك، يتجاوز البيان مجرد النفي ليصبح تأكيدا على عمق العلاقات الثنائية”.
وبين الأستاذ الجامعي ذاته أن “الموقف الصومالي يكشف أن الدول الأفريقية باتت أكثر حرصا على فصل نفسها عن المناورات الإعلامية التي تتجاوز إرادتها”، معتبرا أن “هذا الحدث يرسّخ أهمية العلاقات الفعلية على حساب الدعاية. فالمغرب، الذي راكم حضورا دبلوماسيا واقتصاديا في أفريقيا، يستفيد من مواقف مثل هذا البيان؛ لأنها تأتي من دول تربطه بها شراكات حقيقية. ومع كل مرة تتساقط فيها رواية إعلامية غير دقيقة، تصبح المصداقية العامل الحاسم في ملف الصحراء المغربية، وتتعزز حجج المغرب؛ لأنها مؤسسة على علاقات واقعية لا على انطباعات ظرفية”.
المصدر:
هسبريس