آخر الأخبار

التوترات السياسية الداخلية في إسبانيا تتربص بمسارات التعاون مع المغرب

شارك

أعرب ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، عن أسفه لاستمرار بعض الأطراف السياسية الإسبانية في توظيف قضية الصحراء في سجالات داخلية، مبرزا أن “هذا النهج ينعكس سلبا على مسار التعاون بين البلدين”.

وأضاف بوريطة، في حوار مع وكالة الأنباء الإسبانية “إيفي”، أن عددا من هذه الجهات لا تزال تتشبث بمواقف متجاوزة رغم التطورات الدبلوماسية الأخيرة، مؤكدا أن احترام القانون الدولي يمر عبر الالتزام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ومشددا على أن “المرحلة المقبلة ستكشف طبيعة الازدواجية التي تطبع خطابات من يستغلون هذا الملف، بالتزامن مع تجديد رئيس الحكومة الإسبانية دعم بلاده للمغرب عقب التحول الذي عرفه موقف مدريد سنة 2022”.

وللتعقيب على الموضوع قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش”، إن التجاذبات السياسية المتواصلة داخل إسبانيا لا تزال تلقي بظلالها على المشهد العام، معطلة في كثير من الأحيان السير الطبيعي للمؤسسات التشريعية والتنفيذية، بسبب ارتفاع منسوب التوتر وميل بعض الجهات إلى مساندة أطروحات الانفصال دون قناعة سياسية راسخة، بل انسجاما مع التحولات الظرفية والسياقات الداخلية.

وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن قضية الصحراء المغربية تبقى من أكثر الملفات حساسية في العلاقات المغربية الإسبانية؛ بالنظر إلى حجم التوظيف السياسي الذي تلجأ إليه بعض الأطراف المعارضة للحكومة، مبرزا أن “هذا التوظيف ازداد بعد اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2797، الذي جدّد ولاية المينورسو وكرّس مقترح الحكم الذاتي كقاعدة لأي مسار تفاوضي”.

وسجّل المحلل السياسي ذاته أن التحول الذي أقدمت عليه مدريد في مارس 2022، عبر تبني مقترح الحكم الذاتي المغربي باعتباره الأكثر جدية ومصداقية، جعل موقفها متناغما مع مواقف الولايات المتحدة وفرنسا ودول مؤثرة أخرى؛ غير أنه فجّر انقسامات حادة داخل الساحة السياسية الإسبانية، خصوصا بين مكونات اليسار المتشدد.

وشدد نائب منسقة تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية على أن جزءا من المعارضة اليسارية لجأ إلى خطاب هجومي يقوم على اتهام الحكومة بالتخلي عن “الحياد التقليدي”، مستعملا مفردات مرتبطة بإنهاء الاستعمار والامبريالية، في محاولة لصرف النقاش عن جوهر المصلحة الاستراتيجية لإسبانيا، ومتناسيا المسؤولية التاريخية لمدريد في تعطيل التنمية والاستقرار بالأقاليم الجنوبية عبر عقود من الإدارة الاستعمارية.

وبخصوص موقف الحكومة الحالية، أكد الفاعل المدني أن مدريد تجد نفسها في وضع ملتبس؛ فمن جهة تعترف رسميا بجدية المقترح المغربي وتعتبره الأساس الأكثر قوة لإنهاء النزاع، ومن جهة ثانية تواجه ضغط المعارضة اليمينية واليمينية المتطرفة التي تعتبر التقارب مع المغرب “تنازلا” وتصف القرار بغياب النقاش البرلماني وضعف الأداء الدبلوماسي.

وفي هذا الصدد، أكد المتحدث ذاته أن جزءا من هذا الاحتقان السياسي يجد منفذا في تصريحات تمس التعاون الثنائي، رغم أن العلاقات بين البلدين ترتكز على مصالح اقتصادية وأمنية واجتماعية يصعب تجاوزها، وأن أي توظيف حزبي لملف الصحراء يضرّ بمصالح الدولة الإسبانية قبل غيرها.

وأوضح الخبير في الشؤون الدبلوماسية أن تصريحات ناصر بوريطة الأخيرة جاءت لتسليط الضوء على هذا التشويش الداخلي في إسبانيا، ولتذكير الأطراف المعنية بأن مسار التسوية الأممي واضح، وأن احترام القانون الدولي يمر عبر الالتزام بقرارات مجلس الأمن وليس عبر مواقف ظرفية تخدم الحسابات الحزبية الداخلية.

وخلص عبد الوهاب الكاين إلى أن النضج السياسي الإسباني سيُقاس بقدرة الطبقة السياسية على بناء توافق وطني حول الملفات الاستراتيجية، وفي مقدمتها العلاقات مع المغرب، مؤكدا أن مستقبل التعاون واستقرار ضفتي المتوسط يقتضي تجاوز الخطاب الإيديولوجي واعتماد رؤية براغماتية تحفظ المصالح المشتركة للبلدين والمنطقة.

من جانبه، قال الفاعل السياسي دداي بيبوط إن الدور التاريخي لإسبانيا بصفتها القوة الاستعمارية السابقة، إضافة إلى قربها الجغرافي من الأقاليم الجنوبية، جعل من ملف الصحراء موضوعا بالغ الحساسية داخل السياسة الإسبانية ومجالا مفتوحا للاستثمار الانتخابي والريع السياسي، قبل أن يُحدث التحول الجذري في الموقف الرسمي لمدريد تجاه الثوابت الوطنية المغربية تغييرا عميقا في مواقف الأحزاب والتكتلات السياسية.

وأوضح بيبوط، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن إعلان الحكومة الإسبانية رغبتها في إعادة بناء العلاقات الثنائية مع المغرب على قاعدة احترام السيادة والوحدة الترابية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية قوبل برفض متشدد من أحزاب أقصى اليسار وباستغلال واضح من اليمين المتطرف، الذي سعى إلى إضعاف الحكومة والتشكيك في قدرتها على الحفاظ على سياسة خارجية منسجمة بشأن النزاع.

وأكد الفاعل السياسي أن هذه الأطراف لجأت إلى خلق توترات داخل الائتلاف الحكومي، وإثارة حالة من الارتباك لدى الرأي العام حول الموقف الرسمي لإسبانيا، فضلا عن التشويش على الرسائل الدبلوماسية الموجهة إلى المغرب والشركاء الدوليين، وتحويل قضية الصحراء المغربية إلى مجال للصراع البرلماني، الذي ينعكس سلبا على التعاون الثنائي سياسيا واقتصاديا وأمنيا وثقافيا.

وأشار الباحث في التاريخ المعاصر والحديث إلى أن التحول الإسباني في 2022 أعاد الدفء للعلاقات الثنائية بعد أزمة 2021، واستُؤنفت الاجتماعات رفيعة المستوى بين البلدين، وتم تفعيل اتفاقيات اقتصادية وتعزيز التعاون الأمني ومكافحة الإرهاب، إلا أن هذا الزخم لا يزال يواجه ضغوطا ناجمة عن الهجمات السياسية الداخلية التي تزرع الشكوك في الرباط بشأن التزام مدريد على المدى البعيد، وتمنح المعارضة أدوات لإحداث توتر دبلوماسي غير مرغوب فيه.

ولفت بيبوط الانتباه إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين ليست بمنأى عن هذه التوترات؛ إذ يمثل المغرب ثالث أكبر شريك تجاري لإسبانيا خارج الاتحاد الأوروبي، وتتجاوز المبادلات الثنائية 20 مليار أورو سنويا، فضلا عن حضور قوي للاستثمارات الإسبانية في قطاعات متعددة بالمغرب، مما يجعل أي اضطراب سياسي داخلي في مدريد عاملا مقلقا قد يؤثر على مناخ الأعمال ويزيد حالة عدم اليقين لدى المستثمرين.

واسترسل المهتم بنزاع الصحراء بأن قرار مجلس الأمن الداعي إلى حل سياسي واقعي وعملي ودائم قائم على التوافق والترحيب بالمبادرات الدبلوماسية والتأكيد على أهمية الحكم الذاتي في مسار المفاوضات منح تغطية دبلوماسية واضحة للتحول الإسباني سنة 2022؛ غير أن جزءا من المعارضة الداخلية فضّل تجاهل هذا السياق الدولي لصالح حسابات سياسية ضيقة.

وأنهى بيبوط حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن مستقبل العلاقات المغربية الإسبانية يقتضي تحصين الموقف الرسمي من التوظيف الحزبي، وإرساء توافق وطني إسباني حول القضايا الاستراتيجية، وفي مقدمتها النزاع الإقليمي، حفاظا على استقرار التعاون بين البلدين ومصالحهما المشتركة في المتوسط وفي المنطقة ككل.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا