في تطور جديد لأزمة “رسوم التسجيل” في الدكتوراه بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، قرر عشرات الطلبة الموظفين والأجراء والمستخدمين اللجوء إلى القضاء للطعن في هذه الرسوم التي يعتبرونها “غير قانونية وغير مشروعة”.
وحصلت جريدة “العمق” على لائحة تضم 37 طالبا مقبولين بسلك الدكتوراه بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، قرروا وضع ملفات تسجيلهم بحضور مفوض قضائي، بهدف توثيق احتمال رفض الإدارة تمكينهم من وصل التسجيل بسبب عدم أداء الرسوم، مع تأكيدهم توكيل محام للشروع في دعوى قضائية ضد رئاسة الجامعة، كما حدث في جامعات أخرى.
وتسببت هذه الرسوم في شلل شبه تام لعملية التسجيل بالكلية، بعدما شهد الأسبوع ما قبل الماضي احتجاجات طلابية حاشدة أوقفت التسجيل بالقوة، رفضا لفرض أداء مالي على الطلبة العاملين.
واضطرت إدارة الكلية إلى تأجيل عملية التسجيل وإعادة تنظيمها على مرحلتين، الأولى للطلبة غير العاملين وتمت الاثنين والثلاثاء الماضيين بكل عادي، والثانية للعاملين والمستخدمين بداية الأسبوع المقبل، بالتزامن مع استمرار الاحتجاجات داخل الحرم الجامعي وخارجه.
وتأتي هذه التطورات بعد حكم قضائي أصدرته المحكمة الإدارية بوجدة، أول أمس الأربعاء، قضى بإيقاف تنفيذ قرار مجلس جامعة محمد الأول القاضي بفرض رسوم على طلبة الدكتوراه الموظفين والأجراء، وهو القرار الذي اعتبره طلبة تطوان سندا قانونيا قويا لمطالبهم.
رسوم “غير مشروعة”
وسط هذا الجدل، أصدر طلبة الدكتوراه الموظفين والأجراء بتطوان بيانا استنكاريا عبروا فيه عن رفضهم لما وصفوه بـ”الرسوم الباهظة وغير المشروعة”، معتبرين أن الإدارة رفضت استقبال عدد من ملفات التسجيل بسبب الامتناع عن الأداء.
وأشار البيان الذي تتوفر “العمق” على نسخة منه، أن هذه القرارات تتناقض بشكل واضح مع التوجيهات الملكية ومع مقتضيات القانون الإطار 51.18 الذي ينص على تيسير الولوج للمعرفة ومواصلة التكوين.
وأوضح الطلبة، في بيانهم، أن قرار الجامعة بفرض الرسوم يشكل “خرقا صريحا لتراتبية القوانين”، معتبرين أن أي قرار داخلي لا يمكن أن يسمو فوق الدستور الذي يضمن الحق في التعليم وتكافؤ الفرص، خاصة في الفصلين 31 و33.
واعتبروا أن فرض أداء الرسوم على مترشحين سبق للجامعة أن استقبلت ملفاتهم قبل المصادقة على القرار، يشكل نموذجا للأثر الرجعي الممنوع قانونا، وهو ما يجعل الإجراء غير ذي أساس قانونين وفق تعبير البلاغ.
وانتقد البيان ما وصفه بـ”الارتباك الإداري” الذي طبع عملية التسجيل، بدءا من المنصة الرقمية التي سجلت الموظفين في البداية كطلبة عاديين قبل محاولة تصحيح الأمر لاحقا، وصولا إلى المقابلات الشفوية التي أُجريت بشكل موحد دون تمييز بين الفئات، ما اعتبره البيان دليلا على أن القرار اتُخذ في غياب تصور إداري واضح ومتكامل.
وأشار الطلبة إلى أن هذه الإجراءات باتت تشكل تهديدا مباشرا لحق العديد منهم في متابعة دراستهم العليا، وفي استكمال مسارات بحثية قطعوا فيها أشواطاً مهمة.
وأشاد الطلبة بحكم المحكمة الإدارية بوجدة الذي اعتبروه دليلا جديدا على غياب المشروعية القانونية لهذه الرسوم على المستوى الوطني، مؤكدين تشبثهم بحقهم في التسجيل المجاني انسجاما مع ما هو معمول به في جامعات أخرى.
ودعا البيان رئاسة الجامعة إلى التراجع الفوري عن القرار، مع التأكيد على استعداد الطلبة لطرق أبواب القضاء دفاعا عن حقهم الدستوري في متابعة الدراسة، مطالبين الهيئات النقابية والحقوقية والإعلامية بمساندة خطواتهم المقبلة.
“لعبة سياسية”
في هذا الصدد، قال الطالب أحمد الحبشي إن الحكم الصادر بوجدة “يُعيد الاحترام إلى القانون”، مضيفا أن وزير التعليم العالي “مدعو لإنهاء لعبته السياسية المفضوحة”، على حد تعبيره.
وأوضح الطالب المنتمي لجامعة تطوان، أن القرارات المتعلقة بفرض رسوم التسجيل لم تكن مبنية على أي أساس قانوني، بل جاءت في سياق تعليمات شفوية أربكت رؤساء جامعات، ودفعت البعض منهم إلى تطبيقها بشكل مبالغ فيه طمعا في إظهار الولاء للوزير.
واعتبر أن الدخول الجامعي الحالي كان “الأسوأ في عهد هذه الحكومة”، بسبب تأخرات متراكمة واحتقان واسع، مشيرا إلى أن مشروع الوزير لتحديث القانون 59.24 لم يتم استكماله، ما دفعه إلى محاولة فرض واقع جديد عبر رسوم بدون سند قانوني، وفق تعبيره.
وأضاف المتحدث أن فرض الرسوم ليس سوى مقدمة لسياسة خوصصة تدريجية للتعليم العالي، ستفرغ الجامعة العمومية من دورها الحقيقي.
وشدد على أن القضاء المغربي أثبت مرة أخرى قدرته على ضبط مسار المؤسسات عندما تتعارض قراراتها مع القانون، مؤكدا أن الطلبة يأملون أن تتوقف هذه الإجراءات “الخارجـة عن القانون” وأن تعاد للجامعة المغربية مكانتها الطبيعية.
وكانت المحكمة الإدارية بوجدة قد قضت، الأربعاء، بإيقاف تنفيذ قرار مجلس جامعة محمد الأول بفرض الرسوم على طلبة الدكتوراه الموظفين والأجراء، مع شمول الحكم بالتنفيذ المعجل، ما يلزم الإدارة بتطبيقه فورا، وذلك بعد شكاية تقدم بها 45 طالبا.
ويأتي هذا الحكم بعد أسابيع من الاحتجاجات والطعون القضائية، ليشكل أول قرار قضائي يوقف هذه الرسوم ويمنح الطلبة العاملين أملا في حل قانوني شامل.
واعتبر المحامي مراد زيبوح، دفاع الطلبة المشتكين بوجدة، أن هذا الحكم يُعد “انتصارا مرحليا مهما، ودليلا على ضرورة احترام القواعد القانونية والدستورية”، مؤكدا أن الإدارة تبقى ملزمة بقاعدة الشرعية، ولا يمكنها فرض أي عبء مالي بدون أساس قانوني صريح.
المصدر:
العمق