لم تخلُ الجلسة الافتتاحية للدورة العشرين من المؤتمر العالمي للأمن السككي، التابع للاتحاد الدولي للسكك الحديدية (UIC)، من إشادة واضحة بالنموذج المغربي في تأمين المنشآت والبنيات، فضلا عن إدماج أمن تنقّل الأشخاص والبضائع ضمن استراتيجية مغربية متكاملة ينسّقها المكتب الوطني للسكك الحديدية.
أمام حضور أجنبي وازن ومسؤولين مغاربة يتقدمهم والي جهة الرباط سلا القنيطرة، استعرض محمد ربيع الخليع، المدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF) نائب رئيس الاتحاد الدولي للسكك الحديدية رئيسُ الاتحاد الدولي للسكك الحديدية لمنطقة إفريقيا، خلال المؤتمر المنعقد تحت شعار “المواءمة بين العنصر البشري والتكنولوجيا”، (استعرض) “التجربة المغربية الرائدة في تأمين المنشآت عبر مركز وطني للأمن يُدمج بين أكثر من 2000 كاميرا مراقبة ذكية وتنسيق ميداني محكم بين مختلف الأجهزة الأمنية والفاعلين”، داعيا في الوقت ذاته إلى “تعبئة قارية عاجلة لتدارك الخصاص الأمني في الشبكات الإفريقية التي لا تزال 80% منها تفتقر لبنيات حماية وتأمين مهيكَلة”.
وأكد الخليع، خلال الحدث المنعقد لأول مرة بإفريقيا في العاصمة الرباط تحت رعاية ملكية، أن “المملكة المغربية دشنت عهدا جديدا في قطاع النقل السككي عبر برنامج استثماري ضخم بقيمة 96 مليار درهم”.
وأوضح أن “هذا المخطط الطموح يشمل تمديد خط السرعة الفائقة بين القنيطرة ومراكش على مسافة 430 كلم، وتطوير شبكات جهوية سريعة (RER) بكل من الرباط والدار البيضاء ومراكش، فضلا عن اقتناء 168 قطارا جديدا”.
المدير العام لـ “ONCF” استحضرَ في حديثه “محورية اللقاء الدولي الهام”، وقال: “نجتمع هنا، في قلب عاصمة المملكة المغربية، لتسليط الضوء على تطور الممارسات، والتقنيات، ونماذج الحكامة في مجال الأمن السككي، وللتفكير سويا في أنجع السبل لضمان تنقل أكثر أمانا، ومرونة، واستدامة، خدمة للمواطنين ولتنمية بلداننا”.
واعتبر أن “الاختيار الذي عبّرت عنه الأسرة السككية الدولية باستضافة المغرب المؤتمر ونقاشاته، يحمل دلالات رمزية عالية بالنسبة إلينا؛ فهو يجسد الثقة التي يحظى بها النموذج المغربي في مجال أمن البنيات التحتية للنقل، ويعكس الاهتمام المتزايد بالدور الاستراتيجي لإفريقيا والتزامها بمواكبة التحولات العميقة التي يشهدها قطاع التنقل والنقل على الصعيد العالمي”.
واسترسل قائلا إن “التاريخ المعاصر للمنظومة السككية في المغرب اتّسم بتحول عميق ومستمر. فقد شهد العقدان الأخيران بروز شبكة عصرية، مُعزَّزة، وآمنة، تم تنظيمها وفق رؤية مستقبلية مستنيرة بتوجيهات الملك محمد السادس”.
من هذا المنطلق، يردف الخليع، “باشر مكتبُنا جملة من الإجراءات الكبرى الرامية إلى الرفع من مستويات الأمن الميداني (العملياتي)، وتحديث أدوات الوقاية والمراقبة، وترسيخ ثقافة اليقظة المشتركة على جميع مستويات المؤسسة”.
وقد تُرجمت هذه الدينامية، خصوصا، من خلال “تطوير منظومة أمنية مهيكلة وفعالة، تستند إلى جهاز صلب للشرطة السككية، يتكون من حوالي 190 عونا محلّفا و50 مشرفا معبئين يوميا في المحطات، وعلى متن القطارات، وداخل المنشآت الاستراتيجية”. كما تتعزز هذه المنظومة بـ”شبكة تضم حوالي 1400 عون مراقبة منتشرين عبر كافة التراب الوطني، فضلا عن تغطية مجالية تتمحور حول عشرة مواقع أمنية كبرى، مما يضمن حضورا مستمرا ومنسّقا”.
كما استدل لخليع على نجاعة المقاربة المغربية في تأمين المنشآت والأفراد بـ”تعميم أنظمة التحكم في الولوج وكشف التسلل بمئات المقرات التقنية، وكذا نشر نظام وطني للمراقبة بالفيديو يعمل باستمرار ويغطي جميع المحطات ذات النشاط المتوسط والمرتفع، وكذا طول خط ‘تي جي في’ طنجة-البيضاء المسافرين”.
ولخّص نائب رئيس الاتحاد الدولي للسكك الحديدية رئيس المنظمة السككية العالمية لمنطقة إفريقيا إلى أن “هذه الدينامية الوطنية، المطبوعة باستباقية متزايدة وتحديث مستمر للآليات، تتقاطع مع واقع أوسع على مستوى القارة الإفريقية؛ ما يستدعي تعبئة جماعية: فبناء شبكة سككية آمنة ومستدامة في إفريقيا يمر عبر تعزيز الاستثمارات، والرفع المستمر للكفاءات، وتدعيم الإطار التنظيمي، وقبل كل شيء ترسيخ ثقافة حقيقية للأمن”.
بدوره، شدد فرانسوا دافين، المدير العام للاتحاد الدولي للسكك الحديدية، على أن “مسألة الأمن في السكك الحديدية الدولية تعدّ-قطعا-قضية تكتسي أهمية متزايدة يوما بعد يوم”، وقال: “في الواقع، نحن نواجه تهديدات متنامية، سواء تلك المرتبطة أساسا بمخاطر الإرهاب، أو تلك المتصلة بعالم الجريمة”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس على هامش الحدث، قال دافين: “بما أن وسائل النقل الجماعي، السككي تحديدا، تتميز بطبيعتها المفتوحة وسهولة الولوج إليها-وهي ميزة أساسية لهذا القطاع-فإنه يتحتم علينا الحفاظ على هذا الشعور بالأمن والأمان لدى المرتفقين”، عادا أن ذلك “لا يتأتى إلا عبر التعاون الدولي؛ فالفرْق الجوهري بين الأمن (Sûreté) والسلامة (Sécurité) يكمن في أننا نتعامل في الشق الأمني مع أحداث تتسم بنوع من عدم القابلية للتنبؤ”.
وتابع: “لذا، لا بدّ من وجود شبكة للتعاون الدولي للأمن السككي-وهو الدور الذي يضطلع به الاتحاد الدولي للسكك الحديدية–من أجل إيجاد حلول دقيقة لكل تهديد مستجد، خاصة وأن التهديدات في تطور مستمر. وعليه، فإن هذا التعاون الدولي يعد أمرا جوهريا وحاسما”.
عن رؤيته وتقييمه لتطور القطاع السككي في المغرب، علّق رئيس المنظمة الدولية بالقول: “المغرب يُعد بالنسبة إلينا نموذجا ومثالا يحتذى به، ليس فقط على مستوى القارة الإفريقية، بل يتجاوز ذلك (…) وما يثير إعجابنا بشكل خاص، من منظور السكك الحديدية الدولية، هو أن المغرب شهد تنزيل مخطط تنموي مدروس بعناية فائقة يجري تنفيذه بثبات منذ 20 عاما”.
وسجل بإيجاب أنه “في كل مرة نعود فيها إلى المغرب، نُلاحظ تطور مشاريع جديدة. فقد كان مشروع القطار فائق السرعة (TGV) الأول من نوعه في إفريقيا، ورغم الانتقادات التي طالته في البداية، إلا أنه حقق في النهاية نجاحا باهرا. ونحن نشهد حاليا توسعا لهذا المسار: من خط الرباط-طنجة، وقريبا الرباط-مراكش، بالإضافة إلى مشاريع ربط مراكش بأكادير”، عادا “الشبكة السككية بدأت تتحول لتصبح العمود الفقري للمملكة”.
وفي الوقت ذاته، كما كان متوقعا، يتابع دافين، فإن “تطوير القطار فائق السرعة يواكبُه تطوير مستمر لنظام الشبكة الجهوية السريعة (RER)”، واصفا ذلك بـ”تطور بديهي لتكثيف وتمركز الوسائل”.
وختم بالإعراب عن رأيه بأن “هذا التوجه بالغ الأهمية. رسالتُنا في الاتحاد الدولي للسكك الحديدية هي ضرورة التغيير، وتغيير مركز الثقل في منظومة النقل، أو ما نسميه تغيير نموذج النقل (Paradigme)؛ أي يجب أن نتجه أكثر نحو النقل الجماعي، لما فيه من مصلحة للبيئة وللناس، حيث تؤكد جميع الاستطلاعات أن المواطنين يرغبون في المزيد من الخدمات السككية. والمغرب نموذجٌ مؤكَّدٌ في هذا المجال”.
المصدر:
هسبريس